حقل حنطة‎

2020-01-18

محمد الحمد*

يمعن النظر في صورة الأشعة مطولا ويقول لي: تتركز الحويصلات الغريبة بين الأم الجافية والسائل الدماغي ما يسبب نوبات ألم وحكة في الدماغ، ويردف: أنظر هذه الحويصلات السبع متجاورة بتناسق مخيف. دماغي يحكني، فاقد التوازن لا يعطيه، بالكاد أطالع الصورة بما أوتيت من قلق وهلوسة أقول: يا إلهي تبدو وكأنها سبع حبات حنطة، يعيد النظر إليها ويقول: تماما كحبات الحنطة.

في الليل لا شيء يؤرقني سواها أمن أبي ورثت جينات الحنطة هذه؟ السائل الدماغي الكثيف وأورام صغيرة يبدوان كشوربة الحنطة فهـــل توحمت أمـــي على شـــوربة حنطة عندما كنت في أحشائها؟ لا أبرئ جدي وكفه الحنطي يمسح على شعري الطري صغيرا… من زرع فكرة الحنطة في رأسي؟ لعنة السنابل في شعرك الحنطي مثلا؟

بنات أفكار صديقي حنطة؟ لكن حنطة لا يفكر… هو يقول ذلك دائما.

في الزيارات اللاحقة بدا الطبيب يتعاطى مع الأمور بمنطقي أنا، وصار يرى الحويصلات الغريبة حبات حنطة، وصارت تفاسيره للأعراض تستند إلى هذه الفكرة، حيث برر ازدياد الألم والرجفة المتزايدة وعدم التركيز الفظيع، بأننا الآن في موسم البذار، وصار يتوقع تطورات مخيفة، كأن تنمو هذه الحبات لتصير زرعا، ساقا وجذورا وسنابل، كان قلقا من الجذور، حيث توقع أنها ستنمو باتجاه الأم الحنون، وربما تصل إلى مراكز عصبية حساسة جدا، أما أنا فقد كنت قلقا من السنابل السبع، ماذا لو حملت كل سنبلة مئة حبة وضاعف الله لمن يشاء، ستأكل الطير من رأسي، لا سمح الله لا سمح الله.. طلب الطبيب أن أبقى تحت المراقبة الحثيثة، بأن أخضع لصور متعاقبة في فترات متقاربة، وهذا ما كان، كانت الصور تظهر نمو حبات الحنطة واستطالتها، وكانت الأعراض تزداد وبدأت الحكة الدماغية اللطيفة تتحول إلى ألم لا يطاق. تماشيا مع روح الحقل في داخلي بدأت بتقليب أرض فكري بكدح منقطع النظير، وانتظرت المطر بلهفة كل فلاحي الدنيا، ومشيت تحته مباشرة كنت أسقي حقلي بما تبقى فيّ من نشاط وهمة.

في المرحلة النهائية مني، وفي الجلسة الأخيرة.. الأطباء لديهم الجملة المكررة نفسها في المسلسلات والروايات والواقع، يتحدثون عن العامل النفسي للمريض ودوره في العلاج كل بطريقته، وبمنطق الفلاح ذاته لا المريض قلت لنفسي:

عندي حقل حنطة صغير في رأسي وعندي نار غيابك ولي في حقولنا المحترقة منذ عام أسوة حسنة…

لم لا؟

  • سوريا






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي