
بسام شمس الدين*
وضعت يدي على خزان الوقود، وندت عني صرخة مفاجئة، تأملت أصابعي التي احمرت بفعل الحرارة، وأيقنت أن المضخة أصيبت بضرر بالغ، وفعلاً توقفت عن العمل ثلاثة أيام، لم تصب بعطل فني أو تقني كما أوضح مهندس الصيانة، بل بفعل فاعل، حيث سُدّ أنبوب التهوية بأحجار كثيرة بحجم الكف.
كان يمكن لهذا أن يؤدي إلى انفجار خزان الوقود، نصحني المهندس أن أقوم بتحصين مضخة الماء ببناء محاط بسور خارجي يعيق العابثين، أصبت بالتوتر والضيق، وبدأت أفكر إن هناك خلل ما يحدث في الصول، خطرت في رأسي مأساة حمود، وقلت لنفسي بأن الرجل المسكين يواجه ابنه وامرأته المتغطرسة اللذين يريدانه أن يستسلم لحماقات المعلمين، لا ريب إن حال هذا الرجل أسوأ من حالي، فأنا أملك إمكانات مالية جيدة، ولا أحد يخضعني أو يرغمني على فعل شيء لا أريده، وما ألحقوه من أضرار في مضختي لا يؤثر في ميزانيتي، وكما يقول المثل المحلي: قرصة في ظهر جمل. لذا يجب أن أقف إلى جانبه لمقاومة تسلط المعلمين والفتيان والنساء الغبيات اللائي يتأثرن بالمواعظ سريعاً، لو استدعى الأمر أن أخطب له امرأة وأزوجه على نفقتي، دار هذا في رأسي، وسرت لا ألوي على شيء، حتى وصلت إلى منزله، وهناك طرقت الباب بقوة، وفوجئت بصوت امرأته وهو يأتي بخشونة من الداخل:
"من يطرق الباب؟"
"هذا أنا، الحاج عبد القوي" قلت باضطراب.
خرج حمود سريعاً وتأملته، كانت ملامحه خالية من القلق أو الغم، ونظر إلي باستغراب وكأنه لم يتوقع زيارتي، فسألته بسخف:
"ماذا فعلت بشأن امرأتك وابنك؟"
التفت للوراء بحذر، ثم أمسك بيدي وأخذني إلى ركن المنزل، وقال بخجل فتاة:
"ماذا تتوقع أن أفعل؟ لقد أعدتها على شروطها".
"وما هي شروطها؟" سألت باهتمام.
"أن أسمح لابنها الوحيد بارتياد الدروس، وهي أيضاً يجب أن تداوم على حضور الدروس التي تلقيها الشيخة نور امرأة الشيخ أبو عبدالرحمن"
"المهم ألا يكدروا حياتك بمبادئهم البغيضة، إن شئت اختر امرأة لأزوجك إياها خلال أيام". قلت بانفعال.
"فات الأوان يا حاج عبدالقوي، لا جدوى، الجميع صاروا يرتادون دروس المعلمين ونسائهم، لن نشكل أنا وأنت فرقاً يذكر، لن نكون ناشزين عن الجمع" قال بإحباط..
وشرح لي إنه صار يتفرج على نشرة أخبار التاسعة من قناة الجزيرة، لكنه مجبر على خفض بصره حين تظهر خديجة بنت قنة أو أية مذيعة أخرى، ولا يرفع رأسه حتى يظهر فيصل القاسم أو أي مذيع آخر، وامرأته تفعل العكس، ويكون ابنهما قاسم ـ فتى الثالثة عشر من العمر ـ جالساً بالقرب يراقبهما حتى نهاية النشرة، وحينئذٍ يقوم بإغلاق التلفاز، ثم يقدم لهما المواعظ التي سمعها من معلميه. وتصغي أمه لثرثرته بخشوع حتى تطفر الدموع من عينيها، وأحياناً تنوح بصوت عالٍ عندما يحدثها عن عذاب القبر أو أهوال الجحيم، أما هو فيكاد يختنق وهو يرى بيته تحول إلى مناحة، ولا يعرف متى سينتهي هذا الحال ولا كيف يتصرف. ضحكت قائلاً بامتعاض:
"أتعلم يا حمود، احتراق مضختي لا يساوي شيئاً أمام وضعك الميؤوس منه، عليك أن تسايرهم أو تموت غيظاً"
وذهبت للصلاة في المسجد القديم، كان رواده يتناقصون كل يوم، لا أعرف ما يعجبهم عند الشيخ والمعلمين، غريب أمر الأهالي، يظلون يستمعون إلى المواعظ نفسها ويئنون ويبكون كالمذنبين، حتى ليشعر المرء أن نار الجحيم نصبت أمامهم.