يا أبي، أنا وحيدة أصافح أنياب الحياة...

2025-10-23 | منذ 3 ساعة

ليلى إلهان *


الزنزانة واسعة ومخيفة،
أجمع فيها كل أفراحي،
وأرميها من ثقب العذاب إلى الآخرة.
أنفض من أعلى حيطانها حرمة أناملي الوحيدة،
واثنتا عشرة غرزةً غائرةً في ساقي...
يا أبي،
أتخيل ظلك بابًا عليها،
وزهور حديقتنا فستانًا دافئًا
لصدري العاري،
وسقفها الصدى... بيتنا الكبير.
يا أبي،
كل روايات الحب التي قرأتها،
بأثر خطواتنا المليئة بالغبار،
برغيفٍ مدججٍ بالمحبة،
وعرقِ أمي اللذيذ...
تأتي الذكرياتُ كهيئةِ ملاكٍ عابر،
يطرق على رأسي ألفَ قصيدة،
ويفرُّ هاربًا إلى الغياب،
يترك خلفه وجهي البائس،
وعلى قارعة الأمكنة... فوضى البشر.
يا أبي،
ها أنا أملأ ذاكرتي بركام المسافة،
بالطين العالق على عنقي،
بالكفن الأخضر تحت شجرة الياسمين،
بالأيام المباركة
التي لا تمتطي أحلامي،
ولا تفتح سرداب الحظ بالخطأ...
يا أبي،
تأتي الذكرياتُ كهيئةِ ملاكٍ عابر
يترك خلفه امرأةً مدمّرة،
وطريدةً في ليل الخطيئة،
تفترش البرد بجنون،
وتغزل الوقت بالنسيان،
وترتق الفراغ بأنوثتها المغتصَبة.
يترك خلفه خصلةً من شعري،
يخيطون بها وجعَ العمر،
ورائحةَ الدم المتناثر بالحسرة.
يترك خلفه نجمةً
يضاجع الخوفُ بريقَها ويمضي...
يا أبي،
أنا وحيدة.
أصافح أنياب الحياة،
ورأسها الأبله يرتطم
بكل اتجاهات الطغاة،
بمتحرشٍ يروي ظمأ الذباب
على جرحٍ حادّ الملامح والهزيمة،
وطيفُ الوجع على طريق الدموع
ينير ألفَ مصباحٍ من رتابة الحزن.
يا أبي،
الزنزانة واسعةٌ ومخيفة،
يدخل إليها رجلٌ ضالّ،
ربما هو من زمن الألفة،
ربما تاه في زحمة الانتظار،
وعاد مجبرًا لطعم الألم معي.

 

*شاعرة يمنية










شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي