وصفة للامبالاة

2025-10-15 | منذ 2 ساعة

آلاش شتيغر - ترجمة: سعيد خطيبي

 

رأيناهم جائعين، ثمّ واصلنا الحديث،
بلا انقطاع، عن الحميّة الصحية.
ليسوا شأننا،
لكننا لم نستطع تحمّل مشهد أطفالهم
وهم يذبلون ساعةً بعد ساعة، يومًا بعد يوم،
كأوراقٍ تتفتت في الرّيح.
فرفعنا أصواتنا. لا، ليسوا شأننا،
تبادلنا وصفات للأطباق النادرة،
حضرنا دروس الطهو، وتذمّرنا
من غلاء التونة والكمأ.
كنّا نعرف بعض الجياع بالاسم،
أو نعرف من له قريب يتضوّر،
أو نعرف من يعرف من يعرف…
شخصًا تجرّأ، رغم ضوابط الغذاء الصارمة،
ورغم أنّ مأساتهم لا تعنينا،
على الاحتجاج، على الصراخ،
بل على البصق في وجه العالم المتخم،
والمطالبة بطعام لأولئك الذين،
ساعةً بعد ساعة، يومًا بعد يوم،
كانوا يتحوّلون إلى عظام أمام أعيننا،
بينما نحن، متثاقلين،
نهضم الرقم 43 أو 128 أو 17 أو 99
من الذين ماتوا جوعًا في أربعٍ وعشرين ساعة،
ونهزّ رؤوسنا: لا، لا يحقّ تجاهل الأشياء،
حتى لو لم يكونوا أرقامنا،
حتى لو لم نصنع نحن مأساتهم،
حتى لو لم نجمع تلك الأرقام.
كأقصى ما في الأمر:
أن صورهم الثقيلة أُجبرت علينا،
ثقيلة إلى حد إزعاج الهضم،
وإفساد شهيّة «ناسٍ مسالمين».
لماذا كان علينا أن ننظر إليهم؟
لا أحد منّا كان يعرف حقًا.
ومع ذلك كنّا ننظر.
ونرفع أصواتنا أكثر فأكثر،
نتشاجر عمّا نسمّيه آخر صيحات المطبخ،
وأين نجد أشهى الأطباق التقليدية.
لكننا لم نستطع أن نكفّ عن النظر إليهم.
رأيناهم أيضًا في قدور الحساء،
وعندما نمضغ لحمًا مشويًا بعيون نصف مغمضة،
أو نتذوّق حلويات رقيقة بعيونٍ مطبقة.
صاروا غرباء أكثر… مزعجين أكثر،
مع أنّهم لم يكونوا يومًا شأننا،
بل على الأكثر مجرّد إزعاج.
طهاتهم طبخوا الجوع،
أمهاتهم تبّلت المجاعة،
آباؤهم، أياديهم خاوية،
جاءوا بالموت من دكاكين لم تعد هناك،
ومن حدائق لم تعد هناك،
ومن مدن لم تعد هناك.
جاؤوا بالرقم 56,000
أو 127,000
أو 246,000.
كان جوعهم يُحصى
في الحدائق الفاخرة للموتى،
في الحقول الفسيحة للموتى،
في المزارع المتضخّمة للموتى،
بينما كان جوعنا يُحصى
في فواتير مطاعم مختارة.
يومًا بعد يوم، ساعةً بعد ساعة،
كنّا نأكل ونراهم ونتألم
كي نتمكّن، رغم مرارة ما رأينا،
أن نفرغ صحوننا.
مسحنا أفواهنا، دفعنا الحساب، تركنا بقشيشًا مضاعفًا،
وصرخنا عند عتبة الباب: «سنعود غدًا
لكن ارحمونا، علّمونا الوصفة
لكي نظلّ كما كنّا دائمًا.»

 

*شاعر من سلوفينيا
ترجمة: سعيد خطيبي










شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي