حيوانات بشرية

2025-08-15

الفلسطينيون يواجهون القتل اليومي في غزة من قبل الديش الاسرائيلي (أ ف ب)
مروان ياسين الدليمي

 
1
يقولون عنهم: حيوانات بشرية.
لكنني أرى وجوها تشبه الفجر حين يخرج من رحم الليل،
وجوها تحملُ الندى على جفونها،
وتعرف أن الأرضَ ليست سوى قلبٍ يرفرف حين يلامسه المطر.
***
أسمع أنفاس غزة،
كأنها جذرُ زيتونةٍ يتحدثُ مع الريح،
يعرفُ أن الظلّ يمرّ،
لكن الجذورَ تبقى.
***
الحجارة هنا لا تموت،
إنها تتكلم،
تصرخ بملحِ البحر،
وترقص في يد طفلٍ ما زال يبتسم
لأن الطائرات لا تعرف طريق الحكايات القديمة.
***
السماء تتدلّى،
مثل وشاحٍ أزرق مُثقلٍ بالرماد،
تفتحُ عينيها وتبكي،
لكن دموعها تتحولُ إلى أغانٍ
تُعيد للغيم شكله الأول،
حين كان ينثرُ القمح على السهول.
***
وأنا،
أنا الذي يكتب،
أرى الحيوان الذي يتحدثون عنه،
وأضحك في سرّي:
الحيوان الحقيقي ليس الذي يجوع،
بل الذي يبتسم وهو يقتل.
***
2
الريح تمشي على أطراف أصابعها،
تحملُ رائحة الخبز المحترق،
تضعها على أبواب البيوت كتحيةٍ ثقيلة،
ثم تختفي،
كأنها تعرف أن الأسماء تُمحى بسرعة أكبر من الغبار.
***
أرى في العيون ضوءا لا يشيخ،
ضوءا يهرب من كل حريق،
ويضربُ بجناحيه في صدر الليل،
كأنه يريد أن يُقنع العالم
أن الصمت ليس كافيا كي يموت المرء.
***
الأرض هنا ليست طينا فقط،
هي أمّ،
تهزّ المهد ببطء،
وتُعلّم أطفالها أن الحجر يمكن أن يغني،
أن الجدران يمكن أن تُثمر إن وضعتَ قلبك عليها.
***
يقولون: حيوانات بشرية.
وأنا أراهم كطيورٍ معلقةٍ بين السماء والبحر،
تجرحها الرياح،
لكنها تعود لتبني أعشاشها من الرماد.
***
وأنا
أبتسم بمرارة،
وأفكر أن الكلمات حين تُقال بدمٍ بارد،
تصبحُ كالمرايا المكسورة:
تعكسُ قبح القائل قبل أن تصيب الآخر.

3
الليلُ يلتف حول غزة كوشاحٍ أسود،
لكن النجوم هناك تعرف طريقها،
تخرج واحدة تلو الأخرى،
كأنها شهودٌ على ما يُرتكب،
تصرخ بلا صوت،
وتترك نورها كدمعةٍ على حافة الظلام.
***
الأشجار تتبادل الأسرار مع الريح،
تخبرها أن الفجر، مهما تأخر،
سيأتي،
سيجيء بحفيفٍ يشبه ضحكة الأطفال
حين يركضون خلف الطائرات الورقية.
***
أما البحر،
فهو وحشٌ قديم،
لكنه يحنو،
يغسل الجراح بملحٍ يشبه الكلام الأول،
الكلام الذي لم تدنسه الكراهية.
***
يقولون: حيوانات بشرية.
وأنا أراهم ملوّحين بأيديهم،
كأنهم يعلّمون الحياة
كيف تنهض على ساقين من نارٍ وذاكرة،
كيف ترفض أن تكون صورة صامتة
في نشرة الأخبار.
***
وأنا
أكتب وأضحك،
ليس لأن المشهد يبعث على الضحك،
بل لأن السخرية صارت شكلا آخر للبقاء،
وصوتا يعلن أن الحياة،
رغم كل شيء،
تتقدم خطوة أخرى نحو الضوء.

* وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت صرح في أكثر من مناسبة في معرض تبريره للحرب على الفلسطينيين : «إن إسرائيل تقاتل حيوانات بشرية».









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي