عند دخولك إلى معصرة اللمطي بمدينة سيدي علوان بولاية المهدية شرق تونس، يعود بك الزمن إلى الوراء عشرات السنين، حيث أدوات تقليدية بلا أزرار كهربائية كثيرة تتحكم في نقل وغسل وعصر الزيتون.
الشوامي، اسطوانات تصنع من ألياف نبتة الحلفاء، يوضع فيها عجين الزيتون المستخلص من رحى تقليدية ذات محرك قديم، ثم تصفف فوق بعضها، وبضغط الماء والهواء ترتفع الشوامي في المعاصر التسعة مضغوطة إلى الأعلى ويخرج من جنباتها الزيت في مرحلة أولى مخلوط بالمرجين (البقايا الصلبة المترسبة بعد عملية العصر).
عندما يمتلئ الدلو أسفل آلات العصر التقليدية، يحمله العمال إلى أحواض التصفية التي يشرف عليها "ريّس"، المسؤول عن استخراج الزيت في صيغته النهائية.
لا يستعمل الريِّس أي آلة، وإنما يجلي الزيت الذي يطفو فوق الماء والمرجين ويضعه في أواني الحفظ النهائي.
وعند التدقيق النظر في الآلات المستعملة، نجد عليها كتابات تحيل إلى مصدرها، فبعضها مكتوب عليه اسم شركة فرنسية بمنطقة حسين داي بالعاصمة الجزائرية زمن الاحتلال الفرنسي ( 1832-1962).
** طرق تقليدية
صلاح الأزعر المكلف بتسيير العمل في المعصرة، قال للأناضول: "يقارب عمر معصرة اللمطي من 120 إلى 130 عاما بمدينة سيدي علوان التي تحيط بها بساتين الزيتون من كل ناحية".
وأوضح أن المعصرة تعود إلى عائلة اللمطي، إحدى عائلات الساحل التونسي شرقا، التي رغم استثماراتهم في العقارات وغيرها، إلا أنهم لم يتخلوا عن إرث أجدادهم في عصر الزيتون.
وأضاف التونسي الخمسيني وهو جالس بوسط معصرته: "نعمل في المعصرة بطرق تقليدية خلال موسم الزيتون الذي يستمر نحو ثلاثة أشهر".
وبخصوص الأدوات المستعملة في عصر الزيتون، قال الأزعر: "نعتمد الشوامي التي تصنع في صفاقس (80 كلم جنوب سيدي علوان)، بأعداد قليلة، لأن أغلب المعاصر تخلت عن الطرق التقليدية وتستغني عن الشوامي".
وأضاف: "نحمل الزيتون من المصرف، أحواض اسمنتية في ساحة المعصرة يضع فيها الفلاحون الزيتون في انتظار العصر، ثم نضعه في الدور، اسطوانة صخرية تدور في حوض كبير يوضع فيه الزيتون لرحيه، لمدة ساعة إلا ربع لينضج".
وتابع الأزعر: "بعد ذلك يوضع عجين الزيتون في الشوامي ليعصر مرة أولى، ثم نفرغه ليعاد إرجاعه إلى الشوامي لعصره مرة ثانية، ثم يُحمل الزيت إلى الأحواض لتتم تنقيته".
** سر الجودة
وبشأن سر استمرار الإقبال على الطرق التقليدية لعصر الزيتون، رغم وجود آلات حديثة، قال الأزعر: "هناك إقبال على طريقة العصر التقليدية لأنها تعمل بطريقة العصر البارد، دون استعمال آلات تجعل عجين الزيتون ساخنا جدا".
وأضاف: "الزيت الذي تنتجه معصرتنا يستمر صالحا للأكل لمدة تتراوح من 3 إلى 4 سنوات، بخلاف زيت المعاصر الحديثة الذي يصلح للتجارة ولا يصمد أكثر من عام واحد".
وزاد: "رغم وجود المعاصر الحديثة في سيدي علوان، تستمر معصرتنا في العمل، فهناك الكثير من الناس يفضلون عصر الزيتون هنا".
وقال الأزعر إن محصول الزيت لهذا العام "جيد"، معتبرا أسعار الزيت "عادية" بالنسبة للمستهلك، حيث يباع اللتر الواحد بمبلغ 14 دينارا (4.6 دولار).
محمد مبارك، الريِّس بالمعصرة والمشرف على تصفية الزيت، تحدث للأناضول عن عملية عصر الزيتون يدويا قائلا: "يأتي الزيت من الماكينة ويُصب في أحواض ليركد قليلا، ونضيف عليه قليلا من الماء الساخن، ثم نأخذ الزيت بإناء صغير ونضعه في حاوياته النهائية".
وأضاف الستيني مبارك: "نفصل المرجين لوحده أسفل الزيت، ثم نحوله إلى أحواض تجميع تحت الأرض خارج المعصرة".
وأوضح أنه يعمل في المعصرة منذ 20 عاما، حيث يفضل عدد من الناس طريقة العصر التقليدية للزيتون.
** روح الماضي
يوسف قادر، أحد العمال بمعصرة اللمطي ( خمسيني)، قال إن "الآلات هنا من عهد البايات (حكم ملكي في تونس استمر من 1705 إلى 1956) وصاحب المعصرة رفض بيع المحرك القديم لأنه يمثل ذكريات عائلته".
وأضاف للأناضول: "المحرك القديم مركون إلى جانب المحرك الحالي الذي يدفع بضغط الماء والهواء لتحريك اسطوانات العصر وصخرتي الرحى".
الفلاح محمد الحبيب الحمدي (25 عاما)، عبر عن تمسكه بالطريقة التقليدية لعصر الزيتون قائلا: "نأتي كل عام إلى هذه المعصرة لأن فيها روح تقليدية لم تعد متوفرة كثيرا".
وأضاف الحمدي للأناضول: "عندما نأتي إلى هنا نحس بروح القدامى والمذاق التقليدي للزيت الذي يبقى أفضل من زيت المعاصر الحديثة".
وتابع: "نستعمل الطريقتين الحديثة والتقليدية في عصر الزيتون، لكننا نفضل الطريقة التقليدية لعصر الزيت الذي سنأكله".
وأوضح الحمدي أن "الصابة، المحصول الجيد، لهذا العام متوفر والحمد لله، والزيت موجود، ولكن الفلاح لا يقدر على دفع أجور العمال بسبب سعر الزيتون المنخفض".
وأضاف: "ورغم ذلك، نحافظ في منطقة سيدي علوان على طريقة العصر بالمعاصر التقليدية، ونستمر في العناية ببساتين الزيتون".