المترجم المصري أحمد زكريّا: حسن الصبّاح لم يلهم الإسلام السياسي

2024-09-20

حاوره: نبيل مملوك

تقتحم الترجمة لاسيّما إلى العربيّة الواجهة الثقافيّة، حيث يؤكّد عدد المدوّنات المترجمة إلى لغة الضّاد، أنّ تعريف الترجمة يتجاوز فكرة النّقل من لغة إلى لغة أخرى، والحقّ أنّ بعض الأدباء والباحثين في الغرب بدأوا بتصنيف الترجمة على أنّها عمل إبداعيّ يضع المترجم في خطّ المسؤوليّة والمواجهة مع الذات كونهما المتلقّيان الأوّلان للنص ومع القارئ الذي يبحث عن اللغة ومساحتها المريحة والممتعة من جهة ثانية. يظهر كتاب «الحشّاشون» للباحثة التركيّة عائشة أرايانجان بحلّته العربيّة عام 2024 عن دار النهضة العربيّة بترجمة ثنائيّة جمعت المترجم المصريّ أحمد زكريّا والمترجمة التركيّة ملاك دينيز أوزدمير، ليكون كشف الحقائق حول شخصيّة حسن الصبّاح والإسماعيليين النزاريين منعكسا بالعربيّة السلسة المباشرة والموجزة. انطلاقا من كلّ ما تقدّم، كان هذا الحوار مع المترجم المصري أحمد زكريّا، للبحث أكثر في خبايا الترجمة، لاسيّما الثنائيّة وشخصيّة الصبّاح التي لا تزال تثير عقول الباحثين والمؤرّخين.

هل أتى اختيار كتاب «الحشّاشون» كردّ فعل على العمل التلفزيوني الذي أنتج مؤخرًا في رمضان الماضي؟

إذا أجبتُ بلا فلن يصدقني أحد، لكن سأجيب بلا أيضاً، لأن هذا ما حدث بالفعل. لم تكن هذه الترجمة ردَّ فعل على أي شيء. كل ما حدث أن نسرين كريدية مديرة دار نشر النهضة العربية، قامت بشراء حقوق هذا الكتاب بما يتوافق مع الخط العام للدار، وكلفتني بترجمته، ولم تكن هي أيضاً تعلم شيئاً عن العمل التلفزيوني الذي تفاجأنا معاً بالإعلان عنه أثناء العمل على ترجمة الكتاب.

يجمع المبدعون والنقّاد على أنّ النّص يفقد من جماليّته حين ينتقل من لغة إلى أخرى، ما الذي خسره القارئ العربي من متعة بحثيّة حين قرأ «الحشاشون» باللغة العربيّة؟

أتصور أن هذا ينطبق أكثر على ترجمة الشعر، أو الأعمال الأدبية بشكل عام. لكن قارئ العمل البحثي يهتم غالباً بالمعلومات وطريقة التناول والمصادر، وما إلى ذلك، وليس الجماليات التي يهتم بها قارئ الأدب.

العمل تمّت ترجمة بالتعاون مع المترجمة التركيّة ملاك دينيز أوزدمير، إلى أيّ حدّ تخلق الترجمة الثنائيّة روحا واحدة وتناغما واحدا لنقل النّص إلى لغة مغايرة؟

الترجمة الثنائية تفيدنا أكثر في صحة الترجمة نفسها، ومحاولة انعدام نسبة الأخطاء في اختيار الكلمات، أو المصطلحات المناسبة. لكن الروح الواحدة والتناغم لنقل النص إلى لغة مغايرة فهو جهد أحدنا المُتبادَل؛ حين تكون الترجمة إلى العربية أعمل أنا على تحرير النص، لأنها لغتي الأم، والعكس تماماً في حالة الترجمة إلى التركية.

يعدّ «الحشاشون» تجربة أولى بالنسبة لك من ناحية ترجمة عمل بحثي يطال الثقافة الإسلاميّة، أين يجد أحمد زكريّا نفسه في ميدان الترجمة البحثيّة، أو الأدبية؟

في مجال الترجمة الأدبية، أتوقع أننا قدمنا أعمالاً جيدة في مجملها، سواء من الشعر التركي أو الرواية، وحاولنا تقديم أسماء جديدة ومهمة من الأدب التركي غير المتعارف عليها في العالم العربي. وفي مجال الترجمة البحثية قدمنا بعض الأعمال التاريخية لمؤرخين أتراك بارزين، إلى جانب عمل مهم، في رأيي، وهو «وحدة الموسيقى العربية والتركية في القرن العشرين» للباحث مراد أوزيلدريم، وقد صدر عن مشروع كلمة 2023. أما في ما يخص الترجمة البحثية المتعلقة بالثقافة الإسلامية، فلا أظن أننا سنترجم إلا ما يقدم جديداً للمكتبة العربية أو هكذا نحاول دائماً.

كيف يستطيع المترجم أن يعبّر عن رأيه وخياراته خلال الترجمة؟ وهل هناك غاية شخصيّة لأحمد زكريّا وملاك أوزدمير على اعتبار أنّهما أوّل من تلقّيا النّص قبل القارئ العربي؟

الدور الذي ينبغي أن يلعبه المترجم، في رأيي، هو نقل العمل بصورة جيدة، كما أرادها المؤلف، وكما تناسب القارئ في اللغة الجديدة. أنا لا أميل أبداً إلى إضافة هوامش للتعبير عن رأيي في العمل، ولا أظن أن هذا دوري أصلاً.

أتى في الكتاب أنّ حسن الصبّاح قام بتسييس الدين، كمترجم يقرأ في الثقافتين التركيّة والعربيّة، إلى أيّ حدّ يعتبر حسن الصباح ملهما للتيّارات الإسلاميّة التي سيّست الدين في التاريخ المعاصر؟

كقارئ أولاً قبل رأيي كمترجم للعمل، لا أميل إلى هذا الطرح أبداً. وفي الثقافة التركية على الأقل لم أقرأ لأحد يعتبر الصباح ملهماً لتيارات الإسلام السياسي. أتصور أن هذه المقاربة وليدة الظرف السياسي في مصر حالياً، وهي نظرة ضيقة للغاية.

التناقض الذي حملته شخصيّة حسن الصبّاح بين راغب بالسيطرة والاستبداد والتهذيب الأخلاقي الذي دفعه إلى قتل ولديه، هل هو في رأيك واحد من أسباب جعل حسن الصبّاح شخصيّة جدليّة؟

نعم بالتأكيد، وهناك العديد من الأسباب الأخرى تجعله شخصية جدلية في التاريخ الإسلامي، كاعتماده مثلاً على الاغتيالات لمعارضيه من كبار الدولة بدلاً من مواجهات المعارك، ومكوثه لسنوات في قلعة آلموت. بالتأكيد هناك أسباب أخرى تخص أفكاره وتحولاته وتناقضاته أيضاً وهي مذكورة في الكتاب بالتفصيل.

العلاقة بين عمر الخيّام وحسن الصبّاح ونظام الملك، وردت بشكل موجز، كيف تناولت باقي الكتب هذه العلاقة، وهل إيجاز الباحثة في كتابة هذا الفصل هو لقلّة المصادر أو مراعاة لطبيعة العلاقة؟

الباحثة تذهب في نهاية فصلها حول هذه العلاقة إلى نفيها تماماً. هناك مصادر أخرى بالتركية تتحدث باستفاضة حول هذه العلاقة، لكن الباحثة في هذا الكتاب ترى أن هذه الروايات غير صحيحة، وذُكرت أول مرة من قِبل رشيد الدين فضل الله في كتابه «جامع التواريخ». وبعد ذلك كررها عدد من المؤرخين الإيرانيين وتحولت إلى أسطورة. وتذكر أن باحثين آخرين من العاملين في هذا الموضوع، ذكروا أن واقع طفولتهم وصداقاتهم في الدراسة غير متسق. لأنه، حسب المصادر، لا يمكن لنظام الملك المولود عام 408 (1018) وحسن الصباح المتوفى عام 518 (1124) وعمر الخيام المتوفى عام 626 (1132) أن يكونوا أصدقاء طفولة بسبب اختلاف أعمارهم.

خصّصت الكاتبة عائشة أرايانجان فصلين حول أمكنة حسن الصبّاح، وتواتر ذكر قلعة آلموت أكثر من مرة في أكثر من فصل، برأيك من صنع الآخر، أقلعة آلموت وحديقة الجنة، أم حسن الصبّاح؟

صنع كل منهما الآخر. بمعنى أن شخصية حسن الصباح واختياره لهذه القلعة الحصينة بكل ما ذُكر عنها من حكايات، حقيقية وغير حقيقية، هي من صنعت أسطورة الإسماعيليين النزاريين.

هل سيكون كتاب «الحشّاشون» انطلاقة نحو مشروع ترجمة كتب بحثيّة حول شخصيّات مثيرة للجدل؟ أم سنشهد عودة إلى ما يمزج الأدب بالتاريخ والسياسة؟

نحن نميل أكثر إلى ترجمة ما يمزج الأدب بالتاريخ والسياسة، وآخر ما ترجمناه في هذا السياق هو كتاب «جبل الزيتون» لفالح رفقي أطاي، وهو شهادة حيَّة للكاتب على آخر أيام العثمانيين في الجبهة السورية – الفلسطينية في الحرب العالمية الأولى، خلال فترة عمله كضابط مساعد لجمال باشا، قائد الجبهة، وأحد القادة الثلاثة لجمعية الاتحاد والترقي، بالإضافة إلى مذكرات ضابط عثماني خلال الرحلة الاستكشافية الأولى لقناة السويس عام 1914، وحروب الصحراء والهجمات على غزة. ولدينا رغبة في ترجمة كل المراجع التركية المتعلقة بالمرحلة الشائكة من عمر العلاقات العربية التركية.

بعد هذه الاستفاضة في الترجمة من التركيّة إلى العربيّة، كيف يرى أحمد زكريّا نفسه في الترجمة وإلى أي مرحلة يصوّب هدفه؟

أفكر حالياً في العمل على مشاريع ممنهجة، مثلما ذكرتُ حول المراجع المتعلقة بعلاقة العرب بالأتراك في المرحلة ما بين (1908-1923) إلى جانب ترجمة أعمال كاملة لبعض الكتاب، وهو ما نقوم به حاليا بالفعل، حيث نترجم كل أعمال الروائي التركي زولفو ليفانلي.

غاية ترجمتك لكتاب «الحشاشون» كانت ترتيب الثقافة الإسلاميّة بلغات مغايرة، أو إضافة إلى المكتبة العربيّة وكيف سيجرّ أحمد زكريّا قرّاءه نحو التاريخ والبحث؟

حين أجد كتاباً تتوافر فيه الأسباب نفسها التي أعجبتني في هذا الكتاب فسوف أقوم بترجمته بالتأكيد، سواء كان جزءا من الثقافة الإسلامية، بمعناها الواسع، أم لا. ما أعجبني في هذا الكتاب أن مؤلفته وهي باحثة مختصة في تاريخ الحركات الباطنية في الدولة السلجوقية، تتناول هذه الفرقة بعيداً عن روح الجمود الطائفي، وتوثق ما تورده بالعديد من المصادر العربية والأجنبية.

بين العربيّة والتركيّة أيّهما أكثر يسرا من ناحية الترجمة بالنسبة لك بعد إقامة طويلة في تركيّا والتعمق في خباياها الكتابيّة؟

بالتأكيد ستكون الترجمة إلى العربية أيسر لي لأن الترجمة إلى اللغة الأم أسهل دائماً، وهو ما يجعل الترجمة للتركية أسهل بالنسبة لشريكتي في الترجمة، فهي تركية مُستعربة، وهذا ما يجعلنا نتجاوز الكثير من الصعوبات بعملنا معاً.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي