مرايا حداثة الكتابة في «كوميديا العدم» لصلاح بوسريف

2024-07-25

محمد الديهاجي

يعتبر الشاعر المغربي صلاح بوسريف، من أبرز وأهم الشعراء المغاربة المعاصرين، الذين حاولوا تجديد الشعر العربي بطرق جديدة ومختلفة، إبداعا ونظرا ونقدا. طرق أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها ترتهن بوعي وخلفية، يمكن وسمها بـ»الكتابة بالمعرفة»، تلك التي ما فتئ صاحبنا يدافع عنها، في كل كتاباته التنظيرية. وهو يقصد بها التحرك في أراضي المعرفة وأرخبيلاتها، والانفتاح على كل أنواع الكتابات الإبداعية، قديمها وحديثها، لإنتاج شعر حديث ومغاير ومختلف. يقول صلاح في هذا الموضوع: « المعرفة، هي المرآة التي يرى فيها الشعر ذاته. الشعر، هو المعرفة ذاتها».

صلاح يرى أن من مهام الشاعر المعاصر، تأزيم شعرية المعيار، والتمرد على المألوف والتقليد، خلال بحثه عن الإجابة على سؤال الوجود وندائه، بالشعر وله، انطلاقا مما يمكن أن أسميه بنظرية «العبور المعرفي». ويكفي أن أشير هنا إلى عناوين بعض أعماله الشعرية، لكي نتأكد من مدى حرصه الشديد على تأسيس الكتابة الشعرية، انطلاقا من خلفية معرفية: «رفات جلجامش»،» يااا هذا تكلم لأراك» (جلال الدين الرومي)، «مثالب هوميروس» (الإلياذة والأوديسة)، «أنا الذئب يا يوسف» (النص القرآني)، «كوميديا العدم» (دانتي وأبي العلاء المعري)…

إن المتتبع للمنجز الشعري البوسريفي، سيلاحظ كيف أنه يستخدم في شعره كل المشاهد التراثية، والهامشية، والأسطورية، والتاريخية، والفلسفية، والسياسية، والثقافية، بفية ماكرة، خدمة لشعرية النص وكينونته. فهو يستلهم من التاريخ الإسلامي، والأندلس / المغاربي، ومن التوراتية والإنجيلية والصوفية (الإسلامية والمسيحية)، ومن الأساطير الإغريقية والرومانية والفارسية، ومن الفلسفات الشرقية والغربية، ومن التجارب الثورية والحضارية للشعوب المختلفة، بل إنه يجمع بين أبطال التاريخ، مثلما يجمع بين أبطال الأسطورة، وأبطال الفلسفة مثل، سقراط وأفلاطون، أو ابن رشد وابن سينا، أو نيتشه وكانط، أو سارتر وكامو. وهو بعمله هذا استطاع أن يخلق شعراً يعبّر عن تجربة إنسانية شاملة ومتعددة الأبعاد.

1 ـ كوميديا العدم والكتابة بالمعرفة

ففي عمله الملحمي الضخم «كوميديا العدم» (خطوط وظلال للنشر والتوزيع، ط: 2021)، تمثيلا لا حصرا، تحضر المعرفة كخلفية كبيرة في بناء عوالم المتخيل الشعري للعمل، ذلك إن «فكرة العدم»، في ذاتها، هي فكرة فلسفية بحتة، إذ لا يمكن البتة التفكير في هذه الفكرة، دون استحضار كتاب «الوجود والعدم» لجان بول سارتر، ما يؤكد مدى التجاسر الرفيع، الذي خلقه صلاح بوسريف بين الفلسفة الوجودية السارترية، ورؤيته الخاصة في هذا العمل الشعري، مثلما في باقي أعماله الشعرية الأخرى. فالقلق الفلسفي الوجودي، كما تمثله مجموعة من الفلاسفة منذ ما قبل الفلسفة السقراطية إلى الفلسفة المعاصرة، حاضرٌ بقوة، كسؤال مبطن تارة، أو كخلفية معرفية تارة أخرى. وارتباطا بملحمة «كوميديا العدم»، فإن حدس الشاعر صلاح بوسريف بالسؤال الوجودي، يتجلى أساسا انطلاقا من وعيه المعرفي المكين، الذي يقوم على الحوار والنقد. فالرجل لا يكتب بما تمليه عليه خبرته الجمالية فقط، بل إنه يسائل المعرفة الإنسانية، انطلاقا من وعيه الخاص. ولعمري هذا شرط رئيس ضمن اشتراطات أخرى، هي ما تشكل مشروع الكتابة عنده. ففي هذا العمل الشعري، على سبيل التمثيل دائما، يتقاطع صلاح بوسريف مع دانتي والمعري، تواصلا وتفاصيل. مما يفيد أن صاحبنا يكتب بوعي معرفي في غاية الحذر. صحيح أن الفكرة هي نفسها بين الشعراء الثلاثة، إلا أن صلاح انزاح بعيدا من حيث المآلات.

إن عمل «كوميديا العدم» الشعري، هو تجربة شعرية تشكيلية تخوض في ما بعد الموت، وتضع الشعراء والمفكرين والفنانين في المحشر، حيث لا جنة ولا جحيم، عكس ما قام به دانتي، الذي صور من خلال عمله (الكوميديا الإلهية) ثلاثة عوالم هي : الجحيم، المطهر، والفردوس. يقول صلاح متمردا على تصور دانتي لعوالمه الثلاثة:

أنت في المحشر،

لا

شيء يعنيك

سوى أن تشيح ببصرك عن وجودك،

لتستلذ شراب العدم

وفي مقطع آخر يعاتب صلاح صديقه ألغييري دانتي على ما قام به في حق مجموعة من المفكرين، وهو يزج بهم في الجحيم بقسوة وشيكة:

– ألغييري أفرط حين جعل العذاب يكون حملا ناره تنوء في الأجسام،

لشدة ما الروح انسلخت عن حملها.

– ألم تكن جائرا وأنت تبدي هذا الحنق على من صليتهم بالنار جعلت الجحيم مثواهم لم

تترفق بأطيافهم المرهقة.

– هاااا أرى غير ما تراه،

تركتك في الجحيم تشحذ النار،

تحفر المهاوي والأغوار،

تركت لك الجنة اسكن فيها من تشاء،

اكتفيتُ بالمحشر

والحق إن قارئ هذا العمل الشعري الملحمي، كما باقي أعمال الشاعر، سيلحظ أن صلاح ينطلق من خلفية معرفية ثرة وغنية، جعلته يحاور مجموعة من الفلاسفة، والشعراء العرب والغربيين، والقديسين، والمتصوفة، والفنانين، والآلهة… بسلاسة العارف بكل هذه المسارات المعرفية. إن التفكير بالشعر، كما هو متحقق في المنجز الشعري البوسريفي، ومنه «كوميديا العدم»، يأبى إلا أن يهدم الحدود بين أراضي المعرفة المتصادية والمتدانية، وأن يقيم إقامة جوالة بين تخومها، معتبرا أن الشعر الحقيقي، هو اختراقٌ لحقول المعرفة، وإنتاجٌ للقلق المعرفي إزاء كل الأشياء المحيطة بنا، لأن «في الشعر تصبح المعرفة هي ما يؤسسه الشعر، وليس هي ما به يتأسس هذا الشعر» (بوسريف)

في المحصلة إن صلاح ، لا يتحرّج في تبنِّي هذا المشروع الجريء والجارح، إذ يذهبُ في طروحاته وتصوراته للشعر، إلى تقويض المسافة بين الشعرية والفكر، في أفق التنظير لشعرية حدودية (فيليب سوليرز)، قد تبدو للقارئ البسيط مزعجةً، لكنها تضمن للشعر عظمته. إن الشعر، بالنسبة لهذا الشاعر، سياحةٌ في الملكوت والمسافات، التي تقاس بمدى قدرتها على استيلاد الممكن والمستحيل.. لأن هذا المارد الغامض ـ أقصد الشعر ـ هو ما يسمح للشاعر بالسياحة في النائيات، يقول: «ليست الكتابة اختيارا. ثمة نداء، يأتي من جهة ما، يُهجِّج الجسد، ويطوح به إلى تخوم غير معلومة. دبيب تتصادى أوتاره، اليدُ، حين يلوذ بها الدوار، تناهز يُتمها وتصبو بلا كلل إلى حتفها، تلك هي اليد المحمومة، التي لا تتراجع أبدا، بل تذهب بلا هوادة، صوب هذا القادم المعتم، تخوضه، بما فيه من نسيان». إنه لا شك الوجود بالاختلاف.

الاختلاف هذا، ليس مجرد قناعة نظرية تتلبس الرجل فقط، بل إنه يمتد إلى التجاويف الباطنية لعوالمه الشعرية، إن على مستوى الخبرة الجمالية، أو الخبرة المعرفية. فمثلا في «كوميديا العدم»، ينتصر صلاح للمحشر/العدم، دون العالم الآخر كما تصوره دانتي (الجحيم، المطهر، الفردوس). والعدم هذا، وهو اختلاف آخر، هو ما يقود صلاح إلى عالم من الغموض والدهشة المختلف تماما عن عالم صاحب ملحمة الكوميديا الإلهية، الذي يقوم على التصنيف والتقسيم. كما أن صلاح يستخدم أسلوب السيمياء لإظهار العلاقة بين الإنسان والعدم، فيما يستخدم دانتي الأسلوب نفسه، لكن لإظهار العلاقة بين الإنسان والله:

وأنت ألغييري،

لم اعترضت طريقي،

لم تنزع عني بعض خيباتي،

أجئت لتجبرني على ما أنا فيه من عدم،

وأنني بين مخالب العدم تعبث بي،

أم

في فمك بعض ما انتهيت عن قوله من سرّْ؟

2 – اللغة العسيرة في مواجهة العدم

تخرق الملحمة الشعرية «كوميديا العدم» للشاعر المغربي صلاح بوسريف الحدود القائمة بين الكلمة والصورة، وترسم وجودا جديدا بينهما، تكمل الصورة فيه الكلمة، وتشرحها وتوضحها، وتظهرها إلى الوجود. فالمجموعة، تتضمن كما أسلفت، رسومات للفنان الأردني محمد العامري، تجعلنا نطل على «العدم» من نافذتين مختلفتين، الأولى عبارة عن خطوط تحولها يد الشاعر المحمومة إلى كلمات، والثانية عبارة عن صور تجسد المتخيل الرمزي للأولى. تقولُ إحدى المأثوراتُ: «إذا أردتَ معرفةَ عمقِ البحيرةِ، فعليك أن تأخُذَ مجرى النَّهرِ عَكْسيا حتى تُدرك العينَ التي من عمقها يَطْلعُ الماء». البحيرةُ، في كل أعمال صلاح مثلما في هذا العمل، هي اللُّغةُ، وقد عدمت كلَّ الحواجز كي تُعانق الكونيَ. وما علينا، نحن القراء، إلا أن نأخذ بدورنا مجرى النهر عكسيا. فبتتبع هذا المنجز الشعري الثَّري والمعتبر، بمكنة العين الفاحصة أن تلمس رغبة هذا الرجل، في إخراج الشعر من إكراهات القصيدة بالمعنى الطللي. ربما هي رغبة جريئة، في تَخْفيفِ النص الشعري من وزنيته، والقفز به من زمن الشفاهي إلى زمن الكتابي.. زمنِ حداثةِ الكتابةِ أقصد. لهذا وذاك، يُمكنُ التشديدٌ هنا، على أن هذه التجربةَ المختلفة، تسعى جاهدةً لكي تجد موضعا لها، في المشهد الشعري العربي والعالمي، باعتبارها تشكل حالة شعرية خاصة، بزمن شعري خاص.

أغلب الظن أن صلاح بوسريف، وهو يقترف فعل الكتابةِ، يضعُ اللغةَ في مهبِّ اليدِ التي لا تعبأُ بالعلو والانحدار. يدٌ حُرَّةٌ وشجاعةٌ، لا تتردّدُ في جرِّ اللغةِ إلى منطقة الشهوةِ في الكلامِ بكل احتمالاته. لذلك نجده يبني النص، كما سنبين بعد قليل، مُتحلِّلا من سُمكِ التراكيبِ والجملِ الآتية من الممارساتِ الطلليةِ وعاداتها، تلك التي تحولت، مع تقادُمِ العُرف، إلى كليشيهات خنقتِ الشعرَ، وزجَّتْ به في أتونِ الانحسار؛ إذ بلُغتهِ الشّفيفةِ والقشيبةِ حدّ العُسرِ، جعل الجملةَ الشعريةَ تحتكمُ إلى سُلالتِها «كزجاجٍ شفافٍ». وسأعطي مثالا واحدا لكي أبين كيف أن شاعرنا يتوسل بلغة تبدو واضحة لكنها مقعرة من حيث دلالاتها. يقول في نص (نفس تسّاقط أنفسا):

جزعا،

كنت يدي ما تزال تلهو الريح بها،

هل ألغييري كان جسما،

أم

طيف روح،

ريحها هبت في طينها؟

ما

أزال

ذبولي لم يستوف نبيذه،

لا

شيء أوحى لي بشقوق أرى من صدعها شمسا،

أو

قمرا،

ربما يكون عالقا في مجرة لم تهو أمشاجها بعد.

أيُّ لغة تستطيع قول ما لا يُقال في لحظة كهذه، وهي مجرد عدم، سوى لغة صلاح بوسريف. وهي، بالمناسبة، لغةُ طيِّعةٌ في يدٍ تُشكِّلُ الكلام لحظةَ الكتابةِ، بعيدا عن أيِّ عسفٍ. إنها (لغة بوسريف) تَصَيُّرٌ دائمٌ، تماما كالنهر الهيراقليطي، الذي لا ينشغلُ سوى بتدفُّقِ مائهِ وتبدُّلِ مجراه. ثمة إذن عُسْرٌ يُحوِّلُ اللغةَ إلى معاناة تأبى أن تنقطعَ، لذلك فإن مساءلتها انطلاقا من حدِّها المعياري، يعني أنَّ التَّعَبَ أخذَنا بعيدا، حيثُ إن المعرفةُ محْضُ غباءٍ. تأمل معي، عزيزي القارئ، هذا المقطع، وكيف أن اللغة فيه، تسمي الأشياء كما لو أنها في لحظتها أو سيرتها الأولى، ما يجعلها عسيرة على الفهم بالنسبة لكل من يهاب الطارئ والجديد، أقصد عقلية المعيار:

كأننا نسير في هاوية،

لم ندخل الغابة،

سرنا في شعب لم أكن عرفت وجوده،

ظلمة تأخذنا إلى أخرى،

لا نرى ظلنا،

خطانا ما يقودنا إلى بعضنا.

المحشر هاوية، والغابة عدم، والخطى عودة الإنسان إلى سيرته الأولى. فكيف يمكن للغة المعيار أن تنقل هذا المسير الوجودي، من المحشر، إلى العدم، إلى السيرة الأولى. إن لغة هذه الملحمة الشعرية، هي مجال للمغامرة والمواجهة، بما هما سمتان أساسيتان في «شعرية الاختراق». شعرية تستدرجُ لغتها، باحتيالٍ وحذرٍ شديدين، وتطوِّحُ بيدِ شاعرها المحمومةِ في تخومِ إيقاعاتها، واضعة كلماتها في مواجهةِ دوالهِا؛ مؤسِّسة بذلك، وضعا شعريا مختلفا، لنص بهيئة بلورية ومتعدِّدةِ الأضلاعِ، على الرُّغمِ من عسره اللُّغويِّ.. نصٍّ مُتخفِّفٍ منْ غلواءِ المألوف وسياقِ عاداته:

لم نعد نرتاب من شيء،

كل شيء سميناه طيفا،

خيالاتنا،

بها آنسنا هذا الرميم الذي به الغيب خسف غيابنا.

ومن جملة خصائص اللغة في شعر صلاح بوسريف، خاصية التفجير اللغوي بوصفه أسلوبا شعريا يستند إلى إنشاء دلالات جديدة ومفاجئة للكلمات والصور، تشترط قارئا ملما بمجالات معرفية متعددة، ومؤمنا بأن الشعر هو أكبر من الوزن والقصيدة واليقينيات. يقول الشاعر مثلا:

أنت في المحشر،

لا

شيء يعنيك

سوى أن تشيح ببصرك عن وجودك،

لتستلذ شراب العدم.

هنا عسر اللغة، حيث يُطوَّح بالمعنى في جب القلق الوجودي، وقد تلبّد بلحظة ما بعد الموت، إذ يستغني شاعرنا عن أن يعيَ وجوده حتى يستلذ بعدمه. وفي الحق إن عسر اللغة عند صلاح بوسريف، مشاءٌ أصيل، إذ يتنقل بين مستويات مختلفة. من التشطير إلى التشذير، ومن التشابه إلى الاختلاف، ومن شعرية الواحد إلى شعرية الكل، ومن الشفاهة إلى الكتابة، ومن الصوت إلى الخط إلى الصورة. وهو بذلك يُخرج اللغة والفكر معا من انغلاقهما، ويحررهما «من الوظيفة والعقلانية»، مبدّدا المسافة بين الإنسان والمقدس.

ظاهرة لغوية أخرى تساهم في تفجير اللغة، وتأزيم المعنى، عند صلاح بوسريف، انتصارا للدهشة والمباغتة، هي ما سماه الفيلسوف الإنكليزي برتراند راسل بـ»تراسل الحواس». وأعني بذلك إرباك وظائف حواسنا وتداخلها، من خلال تحويل السمعي إلى بصري، والبصري إلى سمعي وهكذا. وسأترك القارئ مع بعض المقاطع التي وظفت تقنية تراسل الحواس، من نصوص مختلفة، في رحلة العدم هذه:

– لم أنهض من سرير قديم،

السماء فوقي،

هي السماء كما ارتأيت أراها منذ أبدي،

في النزع الأخير من نومي

سمعت كل الألوان،

رأيت كل الأصوات،

الحلم أسرى بي في سري،

وكنت توشك سنتي تلقي بي في رماد،

ناره ما تزال تسبح في جمارها.

– رأيت الصوت. لم

أر

صدااااه.

من أي لسان خرجت،

من زج بك في سمعي لأراك؟

– آذاننا هنا، لهول ما سمعت صارت ترى، وأعيننا تتلمس وقع خطانا.

ثمة إذن تكاثُرٌ دلالي، في هذا العمل، يجعل الشعر يتَلَبَّدُ أكثر ويتكوثر (باصطلاح طه عبد الرحمن) أكثر فأكثر، ويُضاعف غموضه، خصوصا حينما يلتحم بالفكرة أو بالمفارقة المدهشةِ. وهو بذلك ـ الشعرـ لا يَبْني موضوعه سوى بالمعرفةِ الأكثر إنصاتا لنداءات الشعر. إن صلاح بوسريف، وعلى طول وعرض منجزه هذا، يسمي الأشياء بلغته الخاصةِ المنذورةِ لكلِّ الاحتمالاتِ، مانحا الوجودَ فرصةَ أن يتحققَ مرةً أخرى، وبطريقةٍ أخرى. هذا التَّصَيُّرُ المستمرُّ، يجعلُ الكلامَ في العدم،َ يستدعي الموجودَ ماهويا، على خلاف الدوكسا اللغوي، أعني التسمية الميتافيزيقية للأشياءِ، تلك التي حدَّدَتِ الدلالةَ سلفا وبصفة مطلقة.

في المحصلة إن صاحبَنا لا يستدعي كينونته الآنية، أو تلك المُلبَّدةَ في الذاكرة، على امتداد نصوص هذا العمل، إلا باللغةِ التي تنادي في الصمت أكثر مما تنادي في النطق، مُنْصِتا بالشعر لنداءِ الوجودِ، الذي يجعلنا «نخرج من شروطنا الضاغطة، ونعانق الخلاص».

شاعر وناقد مغربي








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي