مواجهة خطاب الكراهية: الطريق نحو مجتمع متسامح وآمن

2024-07-13

المصطفى كليتي

من السهل أن تكره ومن الصعب أن تحب وهكذا تسير الأمور، فكافة الأمور الجيدة يصعب تحقيقها والأمور السيئة يسهل الحصول عليها.

كونفوشيوس

يتفشى بين الأفراد والجماعات خطاب الكراهية والكراهية المضادة؛ فينجم عن ذلك تطاحنات وانفجارات تؤدي إلى صراعات وحروب تلهب العالم، وتقضي على فرص العيش تحت مظلة الحرية والسلام ومراعاة القيم الأخلاقية الرفيعة، وفي الصدارة كل ما له علاقة بحقوق الإنسان.

خطاب الكراهية يعمق الهوة بين الأفراد والجماعات، على أسس تفرقة دينية وعرقية وجنسية وهو منحى منبوذ وغير أخلاقي ولا منطقي.

وبمبادرة من المغرب يحتفل العالم يوم 18 يونيو/حزيران باليوم العالمي لمكافحة خطاب الكراهية، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 2022. قد تصل الكراهية بتداعياتها السلبية إلى مستوى جرائم تقترف في حق الأفراد والجماعات والفصائل الإثنية، وفي الغالب على أسس ومنطلقات واهية لا تنتمي للبعد الإنساني. لا مندوحة من معالجة خطاب الكراهية والتصدي له بكل الطرق والوسائل، لأنه سم زعاف يهدد سلامة وأمن المجتمع في الصميم، فمكافحة خطاب الكراهية نضال يتحمل مسؤوليته الأفراد والجماعات والمنظمات والمؤسسات الرسمية والشعبية، خاصة وسائل الإعلام بشتى أنواعها وتخصصاتها.

والوقوف عند حساسية وخطورة خطاب الكراهية، يقتضي رصده وفهمه وتشخيصه، لأن انتشار شحنات الكراهية تكون نذيرا ممهدا للعنف، ويتوجب تقصي من يسعى إلى بث خطاب الكراهية ومحاسبته، بل محاكمته حتى لا يفلت ويتنطع عن العقاب، وكلما تم ضبط ورصد خطابات الكراهية، يتم استئصالها والحد من خطرها الداهم.

لعل مواقع التواصل الاجتماعي تكون مطية ووسائل تغذي خطابات الكراهية وتنشرها بشكل واسع ورهيب، وقد يتبدى ذلك عبر ممارسات تبدو عادية وعابرة، لكنها تضمر في أحشائها خطرا يتصاعد مع مرّ الزمن، ويتجلى ذلك عبر نشر الشائعات وتهم كيدية ومعطيات ترهص بالإفك واختلاق الأكاذيب والغاية منها تشويه صورة الآخر، بل تحجيمه وإقصاؤه وإذلاله من خلال نشر وصلات فيديو ونصوص وصور مسيئة، وتتضمن خلفية ـ كل ذلك ـ التحريض على التهميش والكراهية وبث الذعر والخوف والبلبلة.

تحت مظلة حرية التعبير تتضرر حريات الأشخاص نظرا لنسبهم الديني، أو العرقي، أو الجغرافي، أو لون بشرتهم أو جنسهم، وتحكم خطابات الكراهية، في معظم الأحيان، خلفيات أيديولوجية تعزى لمنظومة من الأفكار والمبادئ والمعتقدات مرتبطة بجماعة وتيار معين، يريد أن يتسلطن ويفرض وجهة نظره وتبني رؤيته للعالم والوجود من خلال منطلقات قناعاته ونظرته الضيقة للحياة والوجود. لا مراء أن الخطاب هو آلية للتواصل والتحدث عن واقع معين واستيعابه، وفق حزمة من النصوص والكتابات أو التسجيلات، وقد يؤدي بثها ونشرها وإذاعتها، إلى نشر وجهة نظر يتبناها منشئ الخطاب، بصفته قائلا، سواء كان أميرا، أو زعيما، أو شيخ طريقة، أو أيديولوجيا!

إن خلق حالات وأجواء يسودها العداء وكراهية الآخر لا لشيء غير أنه مختلف، ينم عن قصور وجهل وتنمر يرفض كل رأي أو اتجاه لا يتبنى الطرح الموجه والمكرس، فكل مبغض متطرف ممعن في عدوانه وتسلطه يكون مهزوزا وضعيفا في داخله، فيلجأ إلى الضغط، بله العنف ليقر أيديولوجيته بما تحمل من مخاطر وفخاخ فتن. يجسد خطاب الكراهية إنكارا لقيم التسامح والاندماج والتنوع ومبادئ حقوق الإنسان، فقد يدعو هذا التوجه المغرض إلى الإقصاء على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، لما تهيمن أشكال التعبير ـ بذريعة حرية التعبير ـ وتترك على عواهنها دون رادع أو كابح، فتضر بمنطلقات تنمية المجتمع وضرب الحريات الفردية والجماعية، وتفرض توجها خاصا، وكل ذلك يكون مقدمات للصراعات والتوترات، فلا أحد يتحمل ويصبر على الانتهاكات، بل قد تطال حتى التصفيات الجسدية وارتكاب جرائم وحشية.

لا تنجب الكراهية غير الكراهية ولا يستطيع المرء أن يبني الصرح المتين وهو يبني فوق مستنقع هش، لا يقاوم صلابة التشييد والبناء، فمن السهل أن تهدم ومن الأشق أن تبني، البغض سلاح الضعفاء والحب سلاح الأقوياء، فالحب استمرارية ونقاء والكراهية موت وشقاء! إذا نظرنا إلى التاريخ الحديث وإلى النازية وقائدها أدولف هتلر في ألمانيا، الذي تبنى في خطاباته الإذاعية والتحريضية كل أشكال المهانة والانتقاص من الغير المختلف عن العرق الأزرق المتميز، وقد وظفت الدعاية لزرع الكراهية والخوف الذي قوض واقع بلدان وجنسيات خلال حرب عالمية مدمرة.

تنهض الخطابات الداعية للكراهية على التحريض على العنف والتمييز والتهميش والإبادة والإقصاء. وهو المنحى الذي تطبقه وتكرسه إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني، فلم تأن عن التقتيل والتهجير وتحطيم البنيان، ودك عظام الإنسان مروجة لخطابات الكراهية، فجذور الدولة الصهيونية تتبنى كراهية الفلسطينيين والعرب والمسلمين، تصف الإنسان العربي الفلسطيني بالوحش والحشرة التي يجب سحقها ولا ترعوي في قتل الأطفال والنساء بدم بارد، فضلا عن تجويعهم وحرمانهم من أسباب العيش الكريم. تؤثر السياقات السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية على مضامين الخطابات التي تحشد الكراهية والعداء، ولو بخلفيات تتزيا بإسقاطات دينية يتم التنازع على تأويلها ومرجعيتها، ونسوق على سبيل المثال، الجدل الديني الحاد بين اليهود والعرب، وجدهم المشترك إبراهيم، فاليهود سلالة إسحاق بن إبراهيم، والعرب سلالة إسماعيل بن إبراهيم، ولكون إسماعيل بن هاجر الجارية وإسحاق ابن سارة السيدة، والطرفان يتنازعان عن الابن الموعود بأحقية رؤية إبراهيم عند همه، بتطبيق الرؤية ذبحه لابنه، فاليهود يقولون إسحاق والعرب إسماعيل وعلى مثل هذه المرتكزات تنسج الأراجيف المغذية لكل خطابات التمزق والتفرقة بمبضع الكراهية وهكذا دواليك!

تعاني من خطاب الكراهية المغرض الأقليات والإثنيات والمهاجرون واللاجئون الذين شردتهم الحروب والأوضاع السياسية المضطربة، وأحيانا صروف البيئة المتحولة التي لا تسقيم على حال. يجتاح خطاب الكراهية أكثر من نقطة في عالمنا الحي، وقد ساد شرارة نار تلتهم الهشيم غارسا لغة الإقصاء والتهميش عبر وسائل الإعلام والمنصات الإلكترونية، وتمددت تلك الخطابات وطالت واستطالت بفعل أنشطة « المؤثرين « الذي أضحى لهم وجود لا ينكر وتفاعل قوي تضج به الوسائط الإلكترونية، ويترك أبلغ الآثار، وانتقل خطاب الكراهية البغيض من الفضاء الواقعي إلى الفضاء الافتراضي، وهذا ما زاده حضورا وانتشارا، فالانتشار السريع والفائق نتيجة ترويج «المؤثرين» لخطابات لها عواقب وخيمة، قد يعد خطاب الكراهية في شكله الظاهر والعام، مجرد تعبير عن رأي، لكن مضمراته تختزل وتختزن الازدراء والاشمئزاز، وإطلاق التهم والمس بكرامة وحرية الغير. خطر أثر الكراهية يتحول إلى عوامل مضاعفة تسبب توترات اجتماعية وأيديولوجية، تكون وراء اقتراف جنح العنف يمس الأفراد والجماعات على حد سواء. كوحش مدمر تنشب الكراهية مخالبها وتتوغل في تمزيق أوصال المجتمعات، بإذكاء النزاعات والاختلافات، وما ينجم عنها من مخلفات ضارة.

لمقاومة خطاب الكراهية لا بد من نشر الوعي بين أبناء المجتمع عبر التربية والتعليم ووسائل الإعلام، مع الحث على عدم ترويج المضامين والرسائل التي تسيء إلى الفرد والجماعة، بسبب أي انتماء كان، فالإنسان حر في خياراته وانتماءاته .

العمل على تطبيق ضوابط قانونية وأخلاقية وحتى زجرية لردع من تسول له نفسه الإساءة إلى الآخرين ووصمهم بما هم براء منه، نشر ثقافة الاحترام وعدم الاعتداء على الإنسان، حيث كان لفظيا وجسديا واعتباريا. التصدي لخطاب الكراهية ضرورة لازمة، بزيادة الوعي وتعميم ثقافة التسامح والحوار والإقبال على الآخر مهما كان الاختلاف بضمان حرية التعبير. الاعتراف بأهمية الحرية في التعبير دون مساس بالحقوق الإنسانية المرعية، والعمل على سيادة التسامح والاحترام المتبادل والكرامة المصونة لكل البشر، مهما كان العرق أو اللون أو الدين أو المنحدر.

كاتب مغربي








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي