
لورا كالابريس/ ترجمة: عبدالله الحيمر
منذ طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول في فلسطين المحتلة، كما هو الحال مع كل عودة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تضاعفت الخطب والأفعال المعادية لليهود في جميع أنحاء العالم، مع زيادة بنسبة 1000% في فرنسا لوحدها أرقام يناير/كانون الثاني 2024.
في كثير من الأحيان، تتبع الاتهامات بمعاداة السامية حجج تهدف إلى تشويه سمعتها، أو التقليل من شأنها. يمكن ملاحظة بعض هذه الحجج أيضا بالنسبة لأشكال أخرى من العنصرية، على سبيل المثال اتهام الإيذاء أو عرقلة النقاش العام، الذي غالبا ما يستخدم في مواجهة اليمين المتطرف للطيف السياسي، لكن هناك حجة واحدة تبرز على أنها محددة للتنديد بمعاداة السامية، وهي حجة تؤكد أن اليهود ليسوا الساميين الوحيدين، ما يجعل الاتهام غير شرعي.
يجب أن يفهم البيان في سياق الحرب بين إسرائيل وحماس، حيث يعمل على خنق إدانة معاداة السامية، من خلال الإيحاء بأنه لا مكان له في السياق الحالي. يستحق منطق الحجة، دون أساس تاريخي، أن يتم فحصه، ولهذا يجب أن نعود إلى أصل السامية والمفاهيم التي تكمن وراءها.
أصول السامية
كان المؤرخ الألماني أوغست لودفيج فون شلوزر 1735- 1809( August Ludwig von Schlözer) هو الذي صاغ مصطلح ـ السامية- في أواخر القرن الثامن عشر، لتصنيف عائلة لغات غرب آسيا، التي تشمل من بين أمور أخرى، العبرية والعربية. بالاعتماد على الأساطير التوراتية للأصل البشري، التي تحدد شعوب المنطقة المختلفة (السوريون والبابليون والعبرانيون والعرب والفينيقيون) كواحد. في الواقع، يقول سفر التكوين أن أحفاد نوح هم الناجون الوحيدون بعد الطوفان. لذلك كان أبناء نوح الثلاثة، سام (الذي أصبح ساما في الترجمة اليونانية واللاتينية) حام ويافث، أسلاف جميع الشعوب المعروفة في ذلك الوقت: أنجب أهم شعوب افريقيا، سام للعبرانيين والشعوب ذات الصلة، ويافث لليونانيين والفرس والأمم الأخرى، التي تم تحديدها على أنها تنتمي إلى الآريين والمتحدثين باللغات الهندية الأوروبية، مثل العديد من الروايات التوراتية الأخرى، فإن خريطة الشعوب القديمة هذه واضحة في الخيال الغربي. وبالتالي، فإن القرابة المثبتة بين اللغات، وحقيقة اعتبار الرواية التوراتية تاريخية تؤدي إلى ربط الأسرة اللغوية والأسرة الإثنوغرافية، وهي خطوة أساسية في «مصنع الساميين» كما يسميها المؤرخ الإيطالي دومينيكو باوني (Domenico Paone). لذا تم إنشاء هذا الرابط بسرعة، لأن فقه اللغة (علم النصوص القديمة ولغاتها) في القرن الثامن عشر، يرى أن التوافق بين اللغة والثقافة واضح. في الواقع، تعتبر أن أي مجموعة لغوية تشترك في سلسلة من الخصائص المشتركة الخالدة إلى حد ما، والتي يمكن أن تتراوح من الممارسات الثقافية إلى الصفات الأخلاقية، وبالتالي فإن المتحدثين بلغة أو عائلة لغوية يشكلون شعبا. في وقت لاحق، سيتم دمج – مفهوم «سامية»- من طرف علماء اللغة والمؤرخين بشكل مثالي في الرؤية العنصرية للبشر، التي تطورت في القرن التاسع عشر.
من هو المعادي للسامية؟
إذا كان صحيحا بين علماء اللغة والمؤرخين، أن فئة ـ السامية- توحد اليهود والعرب، فإن الحمى المعادية لليهود في نهاية القرن ستستخدم المصطلح بشكل حصري تقريبا للأول. في العقود الأخيرة من القرن، كان القول بأن اليهود الأوروبيين كانوا ساميين هو تصنيفهم كأجانب، أعداء داخليين للمجتمعات الآرية (المسيحية ضمنيا). كما يكتب الصحافي والكاتب اليميني المتطرف إدوارد درومونت 1844-1917 (Édouard Drumont) في كتابه «وصية معاداة السامية» فإن السامي هو الذي «يغزو الآريين الأصليين» فهو «مخادع وعديم الضمير، يرسل الموظفين للحريم الشرقي ولبيوت الدعارة في المدن». من جانبه، ركز الاستشراق على العربي والمسلم على قيد الحياة وبصحة جيدة، لكنه يتبع مسارا آخر، وهو الغرابة والنظرة الاستعمارية الاستعلائية للعنصر العربي. على أي حال، منذ البداية، تأخذ السامية سمات الآخر، في المكان (الشرق) وفي الزمن القديم (السردية الدينية التوراتية). والدليل على أنه في نهاية القرن، يركز مفهوم السامية بشكل خاص على – اليهود – هو ولادة مصطلح معاداة السامية، الذي شاع من قبل الصحافي اليساري المتطرف في فيينا ويلهيلم مار 1819- 1904 Wilhelm Marr، مؤلف كتاب «انتصار اليهودية على الجرمانية» (حيث يعبر عن خطته لإرسال يهود من جميع أنحاء العالم إلى فلسطين) ومؤسس «رابطة معادية للسامية» في عام 1879.
تسمح له – الفئة السامية – ببلورة التحيزات الراسخة أوروبيا، بدءا من معاداة المسيحية الكلاسيكية لليهودية إلى العنصرية الحديثة، من خلال تبني النبرة العلمية لفقه اللغة. حتى لو كان المصطلح منذ ظهوره موضوع نقاش داخل الجماعات المعادية لليهود، فإنه تمكن من فرض نفسه لأنه مثير للذكريات بشكل كافٍ وفي الوقت نفسه غامض من الناحية الدلالية. منذ ذلك الحين، تم اعتبار معاداة السامية بالتراضي على أنها عداء للشعب اليهودي، أو المؤسسات اليهودية، أو ينظر إليها على هذا النحو. ومع ذلك، فإن حقيقة تسمية هذا النوع المعين من العنصرية من خلال طائفة، هي في حد ذاتها سوء فهم يجعلها عرضة لجميع التلاعبات.
أن تكون أو لا تكون (معاديا للسامية)
بالنسبة لأعيننا المعاصرة، فإن هشاشة مفهوم السامية واضحة. من وجهة نظر فقهية، فإنه لا يتوافق مع الحقائق الديموغرافية، لأن اليهود لم يعودوا مجموعة لغوية منذ العصور القديمة. من وجهة نظر عرقية، لم تعد هناك حاجة إلى ذلك لأن الغرب لم يعد يؤمن بوجود «الأعراق». فلماذا يستمر المفهوم في التداول؟
في استخدامه الحالي، يساهم بشكل خاص في حجتين. الأول، الذي سبق ذكره، يعمل على تفادي شجب معاداة السامية، أو تحويل معناها، أو عدم الاعتراف بخصوصيتها من بين أنواع أخرى من العنصرية (فكرة مهيمنة لبعض الجماعات المناهضة للعنصرية) كما في المثال التالي:
إن أصل الكلمة ـ السامية – الذي غالبا ما يتم طرحه كحجة في المناقشات، كما لو أنه أعطى المظاهرة قشرة علمية، يكفي لإنكار ظاهرة موثقة. كما لو كنا نجادل في أن العنصرية غير موجودة لأنه ثبت أن البشرية ليست مقسمة إلى أعراق. الحجة لا تصمد أمام إثبات الواقع، لأن مصطلح معاداة السامية لا تستخدمه أبدا الجمعيات المناهضة للعنصرية، التي تندد بالعنصرية ضد العرب أو المسلمين.
ـ الحجة الثانية التي تحشد مفهوم – السامية – تتكشف في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: ليس كل اليهود ساميين، لكن فقط أولئك من أصل شرق أوسطي. توضح التغريدة التالية التمثيلات الكامنة وراء هذا الخطاب: يحاضر اليهودي الأبيض، الذي يرتدي ملابس أوروبية، الساكن العربي الشرعي في الشرق الأوسط.
تتكون الحيلة الأسلوبية من لعبة الكلمات التي تتجاهل المعنى المكرس لكلمة معاداة السامية، ككراهية معادية لليهود وتركز على المعنى الحرفي والقديم للكلمة (الساميون كعائلة لغوية تشمل العبرية والعربية). وقد استخدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس هذه الحجة نفسها في سبتمبر/أيلول 2023، في خطاب أكد فيه أن اليهود الأشكناز (من أصل أوروبي) ليسوا «ساميين» وليس لديهم شرعية في الشرق الأوسط. ما هو ضمني هنا هو أن الساميين الحقيقيين والأصليين في المنطقة هم وحدهم الذين لهم الحق في الأرض. كما نرى، يعمل المفهوم في تسلسلين جدليين يتناقضان مع بعضهما بعضا، الأمر الذي لا يضعف تداوله بشكل متناقض. اليهود ليسوا الساميين الوحيدين، لذلك لا يمكن لمعاداة السامية أن تستهدفهم على وجه التحديد؛ الإسرائيليون ليسوا ساميين حقيقيين، لذلك ليس لديهم شرعية إقليمية. بينما في الحجة الأولى جميع اليهود هم ساميون (من بين آخرين) في الثانية يتم استبعاد أولئك الذين يتحدثون لغة سامية (العبرية) من «الشعب السامي».
هذا المفهوم في الخيال العنصري الأوروبي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، يذكرنا إلى أي مدى تعتمد تمثيلاتنا الحالية على أجندة منظري الماضي. بعيدا عن كونها فكرة وصفية تستند إلى العلم، فإن كلمة ـ سامية – غذت، على العكس من ذلك، برنامجا أيديولوجيا يلقي ظلاله أكثر من الضوء على أحداث الحاضر المعاش.
أستاذة تحليل الخطاب والاتصال ـ جامعة بروكسل الحرة