مازن أكثم سليمان
إلى الشَّاعر السُّوريّ حسَّان عزَّت
مُكافِحاً مُبدِعاً لِـ«سُباعيَّةِ خَلْقٍ» مُغايِرٍ، وأميراً جَماليَّاً يَذودُ عن حُلْمِ الحركة الشِّعريَّة الثَّالثة
…
بينَ النَّافذةِ والوَردةِ
الهَواءُ حمَّالُ نظَراتٍ مُتبادَلَةٍ:
شَوقاً غضَباً عتَباً قُبَلاً مواعيدَ سرِّيَّةٍ فَضائِحَ بإحكامِ اليَنابيعِ أكاذيبَ بيضاءَ خضراءَ حمراءَ وحماقاتِ روائحَ غريبةٍ كوسادةِ العناقِ الطَّائرةِ ريشةً ريشة..
…
مُشبَعاً بالأوكسجين
مُمزَّقاً بالهيدرجين
نازِفاً أرَقَّ ذرَّاتِهِ؛
ولا يتوقفُ عن مُمارَسةِ عَمَلِهِ هذا بالمَجَّانِ.
…
فقيراً كقلَقِ الماضي الجائعِ إلى الحُضورِ
في دماغِ كائنٍ فاقدٍ للذَّاكرةِ.
…
على ظَهْرِهِ ينقُلُ الفُصولَ
بلا ميزانٍ للحسَنَاتِ أو للسَّيِّئاتِ
خائِناً الحُدودَ دونِ هَوادَةٍ
غيرَ آبِهٍ بهُوِيَّةَ المُناخِ،
أو جنسِهِ.
…
كلمَةُ (شُكراً)
تعرُّقٌ يتبادَلُهُ دمعاً ودماً
فقط بينَ ذاتِهِ وذاتِهِ.
…
زاهِداً بالمَجْدِ كالعُظَماءِ
غيرَ مَعنيٍّ بشُهرَةِ الضَّوءِ في فضَاءاتِ المَدائِحِ:
ـ ذاكَ المَغرورُ الذي يشترِطُ العمَلَ نهاراً فحسْبُ.
…
…
كأنَّني صفاتُ الصِّفاتِ
مُثقِّباً السَّماءَ بطَوابِعِ بريدِ التَّشبيهِ
غيرَ قَنُوعٍ بصُوَرِ (سيلفي)
لا يَسِيلُ منها لُعابُ الغُيومِ الحيَّةِ.
…
هذا تكتيكُ الانفجارِ المَجازيِّ العظيمِ
التفافاً على ألوانِ ريحٍ مُرسَلَة لاسلكيّاً.
…
الأجنحَةُ خطأٌ راقِصٌ
يَستتِرُ بأحدِ أسرابِ النَّسيمِ
يقولُ البَعضُ
إنَّهُ نفسُهُ ذاكَ الذي يتقوَّسُ بعدَ المطَرِ
ويقولُ آخَرونَ
إنَّهُ هارِبٌ من برنامجٍ رقميٍّ
لا يكونُ فيهِ الواحدُ زائد واحد
يساوي اثنين؛
بل يساوي سلالَةً من أصابعِ بيانو يَستنجِدُ
بفوتوشوبٍّ عتَّقَتْهُ إشعاراتُ النَّبيذ.
…
المكانُ قريةٌ تدغدغُ البحرَ
من وسَطِ مركزِ المدينة
ومدينةٌ تقبِّلُ السُّؤالَ
من شفتَيِّ تلسكوبٍ إلكترونيٍّ
وطريقٌ وهميٌّ يُزرِّرُ بينهُم جميعاً
فُرِشَتْ فوقَهُ سجّادةُ الحنينِ نُتَفاً نُتَفاً.
…
الحُرِّيَّةُ لا تتجزَّأُ مقاعدَ مُتقابِلَةً
ورُكَّاباً ببطاقاتٍ شخصيَّةٍ
تُؤكِّدُ مقياسَ السَّراويلِ والأحذيةِ
ومواعيدَ ثابتةً بينَ المَحطَّاتِ المُستقبَليَّةِ
كمَا رسَّمَتْها هيئةُ تخطيطِ النِّداءِ
من تعريفٍ للهُوِيَّةِ والكنايةِ والإعرابِ
إنَّها الحافلةُ العسليَّةُ بِمِقوَدٍ مَكسورٍ
يُهرولُ خلفَها الخَيَالُ بلا قميصٍ
ومهما أُرْهِقَ السَّردُ برفقتِهِما
لا يُطالِبُ باستردادِ اللُّهاثِ.
…
حتّى لو كنتُ مُجرَّدَ مَنامٍ
يَتِيهُ في (الأفرتايم) الكونيِّ
لكنَّ لي خُرافتِي الشَّاهِقَةَ:
(في دمِ الحُلْمِ الدَّائريِّ
حلْمٌ آخَرُ مُستقيمٌ كَـ(لاءٍ)
قد لا يفتَحُ ثغَرَةً في شاشةِ الذَّكاءِ المَشحونَةِ ذاتيَّاً
لكنَّهُ يضحَكُ ويَبكِي كالبُركانِ الثَّائِرِ
ويُضحِكُ ويُبكِي بلَحمٍ مُحترِقٍ عنيدٍ
مُذكِّراً الأشجارَ بمُستحيلاتِ العصافيرِ السَّبعةِ)
…
إلى من يهمُّهُ الأمرُ..
هذهِ بطاقتِي البنكيَّةُ
وقد أنتَشَتْ بينَ (الأُونلاين) و(الأُوفلاين)
شَظايا زقزقةٍ خضراءُ.
…
…
مَزيدٌ منَ لُهاثِ الحكمَةِ يفتِكُ بخَمرَةِ الشِّعرِ اسْقِنِيها صَبِيبَ جَناحيْنِ في سَلسبيلِ نجمَةِ الذَّهبِ الخالِدِ خالِصَ الوِلاداتِ انسابَتْ تخاطُراً واندفعَتْ بهيئَةِ مَجازٍ مُجسَّمٍ فُلوتاً لا فَلاةً مُدمَجَةً بينَ قوسَيِّ التِّكرارِ المَريرِ لمَداسِ الحُرِّيَّةِ تلكَ التي اهترأَتْ ظِلالُها على جِدارِ الدَّلالاتِ لَفظَاً وكِتابَةً وكِناياتٍ هذا لو علِمْنا (ولنْ نعلَمَ أبداً) أنَّ عُنوانَ القصيدَةِ مِفتاحٌ مَرميٌّ على عَتبَةِ المُمكِنِ المُستحيلِ احتمالَ فجَوَاتٍ أَطَلَّ منها الإلهُ العتيقُ مُكاتَبَاتِ زيَغَانٍ حطَّمَتْ بلا هَوادَةٍ مِرآتَهُ الزَّائفَةَ وانتفَضَتْ ضدَّ مُغامَرَةِ العقلِ المُستنفدَةِ لُهاثاً سَجيناً في المَسافَةِ المُحدَّدَةِ بينَ ثَباتِ الصِّفَةِ وسُباتِ المَوصوفِ فمَا يَنوسُ منْ تَحفيزِ فَراشاتِهِ يَقترِحُ أنْ يكونَ السَّلْبُ فلسَفَةَ الانبعاثِ لا تمُّوزَ يُوتُوبيا رُمِّيَّة ولا أدلَجَةَ «ماءٍ نَيءٍ» إذ صَهَلَ النِّداءُ في خُصُلاتِ خُيولٍ مَارِقَةٍ ولَمْ يُحَزْ بمُعادِلٍ رقمِيٍّ مُطابِقٍ لقيمَتِهِ السُّوقيَّةِ فلا وزنَ للاستعاراتِ الشَّهيَّةِ الشَّبِقَةِ حينَما ينتمِي إلكترونٌ إلى خليَّةِ لحمٍ ودمْعٍ وغزالَةٍ ولأنَّ مَطلَعَ النَّصِّ نهدٌ قد تمرَّدَ باكِرَاً على حمَّالاتِ أثداءِ العُنوانِ ولأنَّ الحكمَةَ تأبَى أنْ لا تُبطِّنَ مُناخَ الخَلْقِ بشِعريَّةٍ جديدَةٍ مَوَّهَها الجُنونُ دائِمَاً بمَرجٍ ونهرٍ ومطَرٍ ضدَّ الإمبراطوريَّةِ/ الحقيقَةِ مَغروسَةً بكامِلِ أناقتِها وبمِكياجٍ من رحيقٍ مَعلوماتيٍّ رأسمالُهُ سَبْيُ خاتِمَةِ القصيدةِ خارِجَ مَدارِ الكرَزِ الرَّهيفِ أو في رَهْبَةِ القَمْعِ/ القِمْعِ العَولمِيِّ واستئصالُ انتقامِ جهنَّمَ مَقاصِلَ مَقاصِلَ تفُكُّ عُرَى الأعناقِ المُستطيبَةِ خُنوعَ الأُفُقِ للمَعنى نفسِهِ في مَعاجِمَ يَوَدُّ (شاعرُ الشَّاعِرِ) الآتِيُ قريباً حَرَكَةً وحِراكَاً كأفعَىً سُمُّها ذاتُهُ ترياقُ الفَراغِ الآسِرُ أنْ يُودِعَ فيها جُذوراً لُغويَّةً وبَراعِمَ تحرِفُ تراكيبَ الوَداعِ عن مُستقَرِّ العَرشِ وعنِ استواءِ اللِّقاءِ البرُوتُوكُوليِّ مَفتوحاً هذا الانزياحُ البَيضويُّ على اختلافِ الفَناءِ عنْ فِناءِ دحرَجَةِ حبَّاتِ التِّينِ والزَّيتونِ في أكمامِ مَواسِمَ لم ترتكِبْ منَ حَماقاتِ مُغامَراتِ الجَمَالِ سوى استئنافِ حَرائِقِ الفِتَنِ وحُروبِ الطَّواويسِ وأقفالِ الحُدودِ الآفِلَةِ في كُلِّ مرَّةٍ بعدَ سنواتِ ألفِ قحطٍ وقحطٍ حيثُ ما يَزالُ المَأجورونَ واللُّصوصُ والقتَلَةُ يتبخترونَ في نِقْيِ عِظامِ ما يُقالُ إنَّهُ التَّبلسُمُ مُتلبِّسينَ رشاقَةَ السُّوشال ميديا سُيولاً وسُيولَةً ومُحفِّزينَ في آنِ الحُضورِ والغِيابِ معاً ما لَم يُفكِّروا بهِ وما سَكَتَ عنهُ طويلاً انخفاضُ خِضابِ البيئَةِ بتشظِّي كُلِّ جَليلٍ «ما وراءَ الخيرِ والشَّرِّ» كثُنائيَّاتِ أنامِلَ حُرَّةٍ تُشيرُ ولا تقبِضُ وبتبرُّعِ عَجائِزِ طبقَةِ الأوزون ليكونُوا مُجرَّدَ كَبسولَاتِ ضَغْطٍ تحتَ لسانِ عدَمٍ يُريدُ أنْ يَهُزَّ شجرَةَ تُفَّاحٍ مُغايِرَةٍ لهذا النَّردِ الجديدِ وأنْ يصرُخَ رفْضَاً على ظَهْرِ أقصَى عاصِفَةٍ شابَّةٍ:
لا جنَّةَ إلَّا تحضيراً لأرواحِ الحضارَةِ على مائدَةِ مُوسيقى لا ِضفافَ لرُسُوِّ المَراكِبِ عليها فالمَناراتُ بناتُ التَّاراتِ لا بناتُ الثَّاراتِ…
فإمَّا الغَرَقُ كينونَةَ حُبٍّ و(انقذَافاً) في فمِ حُوتِ الاستباقِ مَفازاتِ انبهارٍ وفوزَ اشتعالٍ أوِ الطَّوَافُ في عَرْضِ المُحيطاتِ المُتقافِزَةِ من رَحِمِ أرائِكِها حيثُ يطفُو الوُجودُ أمواجَ كشْفٍ فوقَ ضوئيَّةٍ وتسونامي اختطافٍ لجَنينِ العالَمِ القادِمِ في أحلامِ مَزيدٍ منَ ذكاءِ الحكمَةِ التي تَروِي ابتكاراً لا اصطناعاً خَمرَةَ الشِّعرِ اسْقِنِيها بَياناتِ سَرْدٍ خضراءَ ومُقامَرَاتٍ لا تنضُبُ صُعوداً وهُبوطاً على سَلالِمِ الضَّلالاتِ الفارِعَةِ ما فوقَ فوقَ الشَّفويِّ والكِتابيِّ وأنأَى من جدَلِ الرُّؤيتيْنِ فلا بصَرَ ولا بصيرَةَ إلَّا لثائِرٍ من نسْلِ المَجهولِ لا تلفيقَاً ولا توفيقَاً إنَّما تعشيقَاً لتَجريبٍ يَصْهَلُ ألَا إنَّ قوسَ قُزَحِ القصائدِ لا يصمُتُ حتَّى لو صَمَتَ ألَا إنَّ قوسَ قُزَحِ الحياةِ لا يصمُتُ حتَّى لو صَمَتَ..
شاعر سوري