البحثُ عن الجنّة

2024-06-13

شهباء شهاب

ها أنتِ ذا وقد حطَّ بك مركبُ الحياة

على أَعْتابِ جزيرة نائية

تقيمين فيها لوحدكِ

بلا صُحبةٍ وبلا شُركاء

بعد أن أثخنتكِ الجِرَاح

وقَرُحَ قلبك بالذكريات

والتزمتِ الصمت

بعد أن نضبَت كلّ الأحاديث

وبعد أن أنقطع نفَسَكِ من الكلام

وصفعتك الدنيا ألف صفعةٍ وصفعة

وتَعبتِ من كثرة العطاء

لمن لا يستحقون

ومللتِ من كثرة الراحلين

وأرهقك غلق الأبواب خلفهم

وإحكام الأقفال على حجرات القلب

لم تعودي تكترثين بمن يرحل

وبمن يبقى

الوحدة علمتك الصلابة والقوة

ورَوَّضَتكِ على الاستغناء

فاكتفيتِ بنفسكِ

لنفسكِ تتزينين

وترتدين أجمل الحُلي

وأفخم الثياب

وتتعطرين بأغلى العطور

وتُسرّحين شعرك بأناة وأناقة

وكأنك ذاهبة لملاقاة حبيب العُمر

تقبّلين نفسك في المرآة

وتمنحين الحب لنفسكِ

وتدللينها ببذخ الملوكِ والأمراء

ماذا تريدين بعد هذا كلّه

تسائلين النفس

ماذا يَنقُصُ

وماذا سيزيد

٭ ٭ ٭

لمسةٌ دافئةٌ على الكَتِف

وعناقٌ يشبه التحام الأمواج

في لُجّة الشواطئ والبحار

واحتضانٌ يشبه تعانق الغيوم في وجه السماء

ويدٌ ناعمةٌ تُرَبِّتُ على الظهر الذي أحناه ظلم العابرين

وانحنى من وجع الفراق

تربيتةٌ تُرَقِّعُ القلب الذي غزتهُ الثقوب

ولقاءٌ وهمسٌ للعيون

يقولُ كلّ شيء دون كلمات

بلغةٍ لا تحتضنها الكتب

ولا تتَسَمَّرُ على الوريقات

وذراعٌ قوية تسندكِ قبل أن تتهاوين

وتنتشلكِ من الغرق في يَمٍّ من المَآسي والهموم

وصدرٌ دافئ تغفين عليه

كطفلٍ وديع لا يخشى الضياع

ولا يعبأ بالدنيا من حوله

لأن دنياه بين يديه

وحرائقٌ من الشوق والحنين

وأُوَارٌ من القُبَلِ

وانتظارٌ للمواعيد

وجوىً يشبهُ العسلِ

هذا ما يَنقُصُ

وهذا الذي سيزيد

ثُمَّ تسائلين الجَنَان

لكنّ أين ستجدين هذه الجنّة النادرة

وقد ضاعت في متاهات الطرق والدروب

وغابت خلف الموج ووراء قمم الجبال

وتلاشت في أقاصي الفيافي والقفار

الجنّة التي سرقها الجبابرة البغاة

من اغتالوا فينا حبّ الحياة

وبارق الأمل وشعاع المُنى

وجعلونا نلهث وراء ما يسدّ الرمق

نطفئ عطشنا بالسَّمَلَةِ

ونتَلَفَّعُ بالكَفَاف

يَنقُصُنا كلّ شيء

ونعيش على هامش الدروب

وعلى مفترق الطُرُق

متى سنصبح في مَتْنِ الحياة

لا في الحواشي والظِلال

هذا ما يَنقُصُ

وهذا الذي سيزيد

كاتبة من العراق







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي