لا طريقَ للعابرِ سوى الرماد

2024-05-27

علي حسن الفواز

لا شيءَ غير تأويلِ الخساراتِ،

واستباحة المعنى، وخديعة الوقتِ،

الساعاتُ تركضُ بالبلادِ إلى أقصى الجهاتِ،

حيث الأخطاءُ الإمبريالية،

وحيث العسكرُ يرممون السماءَ بالقنابل،

والفقراءُ يشترون الفراغَ بالتعاويذِ…

الخساراتُ تشبهُ يافطاتِ الموتى،

تلملمُ الاستعارةَ والمجازَ والتوريةَ، إذ ترسمُ خريطةً

للمقابرِ، أو غوايةً للقصائد،

فيكتبُ الشاعرُ ما لا يراه الجنرالُ،

أو ما لا يراه الأعمى..

عند غزة تهربُ الأمكنةُ إلى الجورنيكا

تتشظى مثل آنيةِ العائلةِ،

تكشفُ عن قلقِ بيكاسو الأندلسي،

حيث المُلكُ المُضاعُ،

وحيث الخساراتُ لا طعمَ لها سوى الخواء،

والأصواتِ التي لا تبوحُ بالمعنى.

عند غزة، ثمة مدنٌ تتناسلُ، أسرارٌ تتفاضحُ بالخطيئة،

بالحروبِ الفادحة والفاحشةِ، بغيتو الأساطير وهي تغسلُ

الأمكنةَ بالتيزاب..

ما بين غزة وجورنيكا ينشطرُ البحرُ مرةً أخرى،

فيطلقُ الفرعونُ أوهامَه،

له العسسُ وأخطاءُ الظلامِ،

يطلق على «نشيد الإنشاد» طلقتَه الأخيرة، أو حكايةَ الثعالب

العاطلين عن الخديعة..

ما بين غزة والبحرِ، ثمة أرحامٌ تركضُ للتناسلِ، تتلمّس ذكورةَ الماءِ،

إذ تغسلُ أو تتشهى، أو ترممُ التاريخَ بالأولاد وهم ينحدرون إلى السلالة..

٭ ٭ ٭

هل لهذه السيرةِ من راوٍ، أو حكّاءٍ

يشتري حكمةَ الشهرزاد، أو أخيلةَ الأعمى؟

إذ يفتحُ استعارتِه للعابرِ، والماكثِ، فالحربُ ملعونةٌ للأمهاتِ،

وزانيةٌ للآباءِ،

وماحيةٌ للأولاد…

آهٍ .. آهٍ،

لا طريقَ للعابرِ سوى قناطر الرمادِ، ومفازاتِ القناصين،

إذ تلوح لغزة السماءُ خفيضةً، والأرضُ ضيقةً بالمجازات،

المدنُ تتشظى، حيث لا مديح لها سوى الرثاء،

ولا شوارع لها سوى المقابر والجهاتِ الغاوية.

٭ ٭ ٭

لكِ أيتها الأنثى طقوسَ البوحِ، وأدعية الغياب،

وحكمةَ الخصوبةِ.

رممي الفراغَ بالنشيدِ، هزّي نخلةَ الوقتِ،

إذ يتْساقط الرطبُ الجنيُ، فيوهبُ الطينَ آيةَ الخلقِ،

يُعرّي ما يسترُهُ الجندُ،

أو ما يجدفُهُ الماءُ..

لكِ ايتها السيدةُ ما يبوحُ القديسُ، أو ما يكشفُه الصوفي،

فأنتِ سرُّ البقاءِ، أنوثةُ المعنى، واهبةُ العطايا،

لا تشقّي ثوبا، خُذي عريَ الوقتِ إلى جسدكِ الطيني،

بادليه مراثي الأقمارِ العاطلةِ، والأولادَ المقتولين،

ارمي على مراياك الحجرَ، استنفري زرقةَ البحرِ، وسحرَ النشيدِ.

لكِ الأساطيرُ، الحكاياتُ، الرقى والتعاويذُ،

لكِ البحرُ، والأناشيدُ،

لك البقاءُ،

لكِ…

٭ ٭ ٭

مذ اشترتْ الحربُ المقابرَ والأسلحةَ،

وباتَ الجندُ/ العسسُ عالقين بأوهامِ الحائط،

أيقظتِ شهرزادَ من نعاسِها، وخوفِها،

أغويتِ السندبادَ برحلةٍ ثامنةٍ إلى ضفافِك،

حيث الزمردُ والذهبُ والعسجدُ والياقوتُ والجنياتُ،

وحيث طينُك الفضي،

وآياتُ الخلقِ،

وحيث يخشى الجنرالُ أشباحه وشياطينه..

يا سيدةُ الماءِ والتفاحِ والمراكبِ،

هذي الحربُ ليستْ حربَك، إنها حربُ الأخطاء،

حيث يشتري الإمبريالي والبورجوازي والانتهازي والطفيلي

معطفَ الساحرِ الطبقي، ليوهمَ الآخرين بالغفلةِ والعطبِ

ومدائح «العاطلين عن الوردة»

كاتب عراقي








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي