فلسطين أكثر من طين!

2023-12-02

مصطفى أمين

‏«أتظنّ أنّك قد طمست هويتي/ ومحوت تاريخي ومعتقداتي/ عبثاً تحاول/ لا فناء لثائرٍ/ أنا كالقيامة ذات يوم آتٍ»

مهذل مهدي الصقور

الكيان الإسرائيلي فشل في مواكبة مواطنيه، خاصة الأسرى، من المرجّح أن يتمّ أكله من الداخل، وإعادة تنظيم مساحته وموارده وطاقته وأفكاره خدمةً لأهداف الفلسطينيين، لذلك يستعمل الإسرائيلي في حرب طوفان الأقصى تكتيك الأرض المحروقة، لكنّه حتماً لم يدرك أنّ فلسطين هذه الأرض، لا توجد فقط في حدود الجغرافيا، بل توجد في رحاب الوعد الرباني، وفي أفق الفلسطينيين أنفسهم. قد يكون مثل هذا المصير «الأرض المحروقة» روتينياً بالنسبة للفلسطينيين، الذين قضوا وقتاً طويلاً على الأرض لأنّها ببساطة أرضهم قبل الانتقال إلى المثال «الجنة» التي هي الأرض الموعودة. كذلك يبدو مصير «الأرض المحروقة» روتينياً بالنسبة للإسرائيلي، تعبيراً عن يأسه واستيائه، فهو على أيّ حال لا يستطيع بهذه الأرض الدخول براً نظراً لصعوبة التضاريس وقتئذ.

لطالما كانت الشدّة تولّد الشدّة، فما على الإسرائيلي إلاّ الخوف من رجال قد صدقوا ما عاهدوا الله عليه؛ يذهبون إلى الموت بنفوس راضية مطمئنة، حيث إنّ الحرب بالنسبة للإسرائيلي تعني وضع أكبر إمكانية للنجاة حيّز التنفيذ، في حين أنّ الحرب تعني للفلسطينيين الاستنزاف الكامل للروح والجسد لبلوغ مرتبة الشهادة. هذه المفارقة المتأرجحة بين الوجود والعدم لا تعني تغلّب أحد طرفيها على الآخر، بل تعني مزيداً من المفارقات العجائبية والسحرية؛ فالعدم نفسه عند الفلسطينيين بعثاً للخلود والراحة لاحقاً، إذ يتمّ تدريب الفلسطيني منذ صغره على هذه المعادلة، وهي معادلة أخلاقية نشأت من القانون الرباني، في حين معادلة الوجود والحياة أخذت شرعيتها من القانون الوضعي، لذلك هي تبرّر نفسها في كلّ مرّة بظروف مختلفة وبنسبية فارقة، فكثيراً ما يتمّ العبث بها خدمة للمصالح تحت ذريعة القانون. فالقانون الإنساني يكون نتاجه عند المجتمع الدولي عبثاً وعبئاً أخلاقياً في حين القانون الرباني يكون عند الفلسطيني بعثاً وخلوداً.

لم يدرك بعد الإسرائيلي ولا المجتمع الدولي أنّ الفلسطينيين يخلقون بحياة مؤجلة، ويعيشون بيننا لتحريك ضمائرنا، وهم على أيّ حال مستغنين عنّا كفعل مستقلّ عن خيانتنا لقضيتنا، فهم لهم المكافأة والوعد في حياة أخرى مرضية وسعيدة. إذا فهم الإسرائيلي تلك المعادلة لأوقف الرصاص والإبادات، ليعرف أنّ سلاح الإسرائيلي ذاك لا يحارب جثثاً، بل يحارب وعد الله الذين هم شعبه المختار كما يزعمون! إنّ الشأن المدني مُفرز طبيعي للحرب؛ «لا خوف عليهم ولا هم يحزنون». لذلك من المستحسن أن يتوقّف الناس عموماً والصحافة خصوصاً عن بثّ الروح الانهزامية والتعاطف السلبي لا الإيجابي. فهناك ميزة يتقدمّ بها مقاتلو غزة على الكيان وهي «المجهول» لأنّه حتى الآن لا يعرف الكيان وحلفاؤه عدوه، ويستخدم الدعاية الحربية الواهمة عن القدرات العسكرية وبرامج غسل العقول في مشروعية الحرب، لرفع معنويات جهته ولتحطيم إرادة خصمه، لذلك أحسن ما يمكن فعله هو أن لا ندخل في لعبته، بل نلعبها معه هي ذاتها عن طريق «المجهول» الذي يمثّل أفضل نقطة لغزة. من اللافت أنّه ما عاد المؤمنون بثقافاتنا الإنسانية العظيمة الواهمة بحاجة لأن يسألوا عن مشروعية حربٍ ما، لأنّ ماكنة التبرير باتت متوفرة للجميع، وفي إمكان أيّ منّا استعمالها، ودونما حاجة لقراءة التعليمات وشروط الاستخدام! بل ومن المجاز لأيّ منّا أن يكون مجرم حرب بالأخلاق والقانون الوضعي ليكون بطلاً سياسياً أو عسكرياً بالمعيار الوضعي أيضاً!

كاتب لبناني








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي