آخر شظية من شظايا الإنسانية

2023-11-29

مسعفون مصريون ينقلون طفلة فلسطينية مصابة إلى سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر لدى وصولها من غزة عبر معبر رفح الحدودي (ا ف ب)

ماري بوشيه

يداً بيد مع فلسطين

ربما كانت أفضل قصيدة

هي أن تلزم الصمت

وأن تمدّ يديك عبر الأسلاك الشائكة

وتمسك باليد المرتجفة التي أمامك،

وتشعر بلهاثها من أجل الحياة،

وبأنفاسك تتنفس حياة جديدة.

لا شيء يوجد سوى أيديكما المتشابكة

نبضكما المشترك

تعلّقكما المستميت

بآخر شظية من شظايا الإنسانية

المتبقية بين الأنقاض.

■ ■ ■

أوقفوا إطلاق النار الآن

ألا تسمعون صراخهم؟

#أوقفوا إطلاق النار الآن.

لقد قمتم بطردنا

وحصارنا

وتعريتنا

وإمطارنا بالفوسفور.

أوقفوا إطلاق النار الآن.

نجا جدّي من النكبة

لكنه لم ينج من هذه النكبة بعد.

إنّ ذاكرته حيّة.

أوقفوا إطلاق النار الآن.

لقد جعلتم منّي

أرملة

يتيمة

ثكلى،

الكلمة التي ليس لها

مقابل بالإنكليزية.

أوقفوا إطلاق النار الآن.

أطلقتم النار

على مدارسنا

وكنائسنا

ومساجدنا

ومستشفياتنا

وشاحنات تمويننا

وزعمتم أن ثمة إرهابيين بيننا.

أوقفوا إطلاق النار الآن.

نخمّن الأمر بطريقة أخرى:

نشكك بالذين

يمنعون عنّا الطعام

والماء والدواء

والوقود وضروريات الحياة

كي نعيش.

أوقفوا إطلاق النار الآن.

استوليتم على منازلنا

على أشجار زيتوننا

حاولتم الاستيلاء

على هوياتنا

لكن هذه لا يمكن سرقتها أبداً.

هويتنا تبقينا أحراراً

إلى الأبد.

أوقفوا إطلاق النار الآن.

لا تستطيعون محو ماضينا

جذورنا

أسلافنا

روابطنا مع هذه الأرض.

أوقفوا إطلاق النار الآن.

نحن أبناء الكنعانيين

أبناء الفلسطينيين القدماء

أبناء الفلسطينيين الحاليين.

أوقفوا إطلاق النار الآن.

نحن قدماء كالريح

كالبحر

أقدم من الملكيات

والهرميات

التي تسعى إلى محونا.

نحن قدماء كالبحر.

أوقفوا إطلاق النار الآن.

يذكّرنا مارتن لوثر كينغ:

"قوس العالم الأخلاقي

طويل، لكنه ينحني نحو العدالة".

شعب العالم يدعو

إلى العدالة.

أوقفوا إطلاق النار الآن.

ندعو إلى وقف إطلاق النار الآن

أبقوا على جدّتي وجدّي

أبقوا على الأطفال

الذين وُلدوا اليوم

الأطفال الذين يحلمون

بأن يعيشوا الحياة بطريقة أخرى.

أوقفوا إطلاق النار الآن

نناشدكم

غنّوا معنا جميعاً:

(لتساعد السماء الطفل الذي لم يكن له بيت أبداً.

ليساعد الله الفتاة التي تسير وحيدة في الشارع

ليساعد الله الورود حين تبدأ القنابل بالسقوط

لتساعدنا السماء جميعاً).*

ضعوا بنادقكم

أنشدوا نشيداً وطنياً جديداً

غنوا لنا جميعاً.

لتساعدنا السماء جميعاً

لتساعدنا السماء جميعاً

اسمعوا نداءنا.

#أوقفوا إطلاق النار الآن

#أوقفوا إطلاق النار الآن

#أوقفوا إطلاق النار الآن.

* أغنية قام بأدائها جوان بايز وستيف واندر، وكتبها رونالد إم. ميلر

يسوع فلسطينيٌّ من الضفة الغربية ويشبه الغزاويين

■ ■ ■

قبل القنابل

(إنه مجرد كائن بشري يحاول أن يعيش في عالم يفقد بسرعة فهمه لكونه إنسانياً. جون تروديل)

قَبْلَ القنابل

قبل الدبابات

قبل المدافع

قبل القبضات

كانت المصافحة

وكانت الكلمة

وكانت الكلمةُ حبّاً.

قَبْل الدمار

قبل أن يُجرّد البشر من إنسانيتهم

قبل الانتهاك

كانت قداسةُ الحياة وطهارتها،

والكلمة

الكلمة التي كانت حبّاً.

قبل أن يُدْعى المرض

روحاً شريرة آكلةً للحم البشر،

قبل الجوع الذي لا يشْبع للهيمنة،

قبل الجشع الغادر

قبل الاستعمار

قبل مجيء الرجل الأبيض

إلى هذه التربة أو تلك

ساد سلامٌ نسبي.

عاشت قبائل صغيرةٌ على هذه الأرض معاً

حين كانت الأرض مقدّسةً

عندما كان كلّ شيء مقدساً

واقتسم الناس الأرض

مع الحيوانات والأشجار في انسجامٍ نسبي

وكانت الكلمة على شفاههم حباً. 

■ ■ ■

حين تنطفئ الأضواء

ماذا يحدثُ حين يُقْطَع التيار الكهربائي،

وتُسْدل الستائر،

وتواصل القنابل سقوطها…

حتى حين لا نستطيع الرؤية

نظلّ نشعر بكلّ روحٍ تُزهق

بكلّ نبضِ قلبٍ يتوقّف.

نعلن الحداد على موت كلّ طفلٍ

وأم ورجل كبير في السن وأب، الأمر سيان.

لا نسأل أحداً: ما ديانتك؟

أخبروني: في أيِّ كتاب مقدّس

يُسْمح بقتل الأبرياء؟

نعرفُ كلنا أنَّ الكتب المقدّسة لا تسمح بذلك.

كلّها تدعو إلى الحب

وتوصي المرء بأن يحبّ جاره كما يحبّ نفسه.

ما الذي سيقوله يسوع لو كان حياً اليوم

ورأى المذبحة في أرضه المقدسة؟

يسوع فلسطينيٌّ من الضفة الغربية

يسوع بيت لحم

يسوع الناصرة

يسوع الجليل

يسوع الذي وُلد ذياً ويهودياً

له بشرةٌ زيتونية

ويشبه الغزاويين.

سيسألنا:

متى نسيتم أنَّ الحياة كلها مقدّسة؟

متى نسيتم أنَّ الأرض كلّها مقدّسة؟

متى نسيتم أنَّ الأرض هدية؟

لماذا ابتعدتم عني وعن الخالق؟

لقد سقطت القوى الموجودة في هاوية سوداء

في ثقبٍ أسود جحيمي

دون بوصلة أخلاقية.

حتى الأرض أطفأت أضواءها الليلة

رمت ظلّها على القمر،

وخُسفت الإنسانية.

طلبوا منا أن نرى في الظلام

بعيننا الثالثة وقلوبنا المحطّمة.

هل تتذكرون كيف تشعرون في الظلام؟

أَمسكوا اليد القريبة منكم

استشعروا نبضها بنبضكم

هذه هدية الحياة

لا يحق لأحد أن يطفئها.

كلنا نملك الحقّ نفسه كي نكون هنا،

أن نشعر بالأرض تحت أقدامنا

ونعتني بأطفالنا وأرضنا،

ونقسم خبزنا وندعو الآخرين للدخول.

آن الأوان كي تنطفئ أضواء الإمبراطوريات

كي تُسْدل الستارة على هذه القسوة

فربما نستيقظ مرّة أخرى كأقرباء

غير منفصلين، بل كجزء

من العائلة البشرية نفسها، كأخوة وأقارب.

هذه هي صلاتي

آمين

آمين.

■ ■ ■

اذكروهم بأسمائهم

الجنادب تصرُّ بصوت أعلى هذه الأيام،

يعلن كورسها وصولاً جديداً إلى بوابات السماء،

حين تُقرأ الأسماء على أذرع الأطفال.

يجب ألّا نذكر القتلى كأرقام.

يجب أن نذكر القتلى بأسمائهم:

محمود في السادسة عشرة،

أخته شام في السابعة،

وابن أخيهما آدم رضيعٌ.

أصوات الأطفال لا يمكن إسكاتها،

تحوّلت إلى كورسٍ من الملائكة.

حَبّيتكْ….

صديقي الأكبر،

والذي هو الآن في الطرف الآخر، أَخْبَرني

أنّ لكلّ منّا لحناً فريداً

نغني بمفاتيح مختلفة: فا وصول وسي.

نصدح في ضجيج الليل معاً. لكن بشكلٍ مختلف،

بعد أن تسرق أصوات القنابل المتنافرة الأطفال من الأذرع

تنطلق الأناشيد، ويناديهم نشيد الحب

حبّيتكْ….

أنا مصابة بالأرق. أفكّر بجنى جهاد.

هل لا تزال في هذا العالم أم أنّها انتقلت إلى العالم الآخر؟

إنّها أصغر وأقوى صحافية في فلسطين

بدأت التغطية الصحافية في سن السابعة.

إنّها الآن في سن المراهقة، وقد رأت من الأعمال الوحشية

أكثر مما يستطيع أيّ إنسان تحمله.

هل ستحفظها صلواتنا لمدّة أطول في هذا العالم؟

هل ستعيش كي تنطق المزيد من الحقائق.

قصصها تندفع في منتصف الليل،

كي تنتشل البشرية من انعدام إنسانيتها المخيف.

ننطق اسمها، جنى جهاد

ننقشه على قلوبنا

ونحن نتذكر محمود وشام وآدم

وأشقاء آخرين يلجؤون إلى الكنيسة،

سهيل، جولي وماجد.

ننضم إلى الكورس ونغني لهم:

حبيّتكْ…

يجب ألا يُذْكر القتلى كأرقام

يجب أن نحصيهم

حتى نعرف

أسماء الموتى الذين بلغ عددهم أحد عشر ألفاً.

يجب ألا يُذْكر القتلى كأرقام

حتى نعرف أسماءهم،

سيُعْرفون كملاك ونور وحياتي وحبيبي، وأمّور وعصفور

وحمامات تطير حرّة أخيراً، حرّة أخيراً.

سنعيد تسمية النجوم

بأسمائكم، ونقرأها مرة بعد أخرى

ونرى أطفال فلسطين

كوكبةَ حبٍّ

تتوهّج في سماء الليل.

لماذا نبتر جذور الذين يعتنون بأشجار زيتونهم؟

■ ■ ■

شجرة النسب ـ مخيم البداوي

أعيش في زقاقٍ فيه أشجار زيتون

لم يكتمل نموها بعد،

جذورها لم تتغلغل عميقاً بالمقارنة مع جذوركم

ذات العقد الكثيرة في بلاد الشام،

الأرض المقدسة، حيث للحياة معنىً مقدّس.

في الأرض المقدسة، أشجار الزيتون هي الحياة،

الغذاء بالخبز اليومي

الزيت المعصور من الثمرة المنقوعة في الشمس

يُمزج مع الزعتر المقدس للأرض.

كان وقتاً مقدّساً من قبل،

تحت فروعك يا بداوي

عمركَ تجاوز أربعة آلاف سنة.

حين كنت لا تزال بذرة

لم يكن الناس يعرفون طعم التفرقة

على أساس الدين.

إن جذورك عميقة يا فلسطين،

لكن أقرباءك جُرفوا

ضُربوا واستُؤصلوا

الزيتون لن يُنكر جوهرك

يا بلادنا فلسطين.

هنا دنّس المستوطنون إلْ بير،

أرض شعب رومسين المقدسة،

حيث لا يزال المنحدرون من أشجار البلوط القديمة منتصبين.

أكبر عجوز حيّ لدينا اسمه سومين

الشجرة الحمراء القديمة فيها أكثر من 1200 حلقة قوية،

نجت من النار والطوفانات وفؤوس المستوطنين.

يعرف السكان الأصليون لهذه البلاد

ما الذي يعنيه أن تبقى على قيد الحياة.

تمَ استئصالهم وإزالتهم

من شجرة نسبهم. يعرفون

ما الذي يعنيه أن تُغذّى بالأكاذيب حول جذورك.

لكن، رغم ذلك بقوا على قيد الحياة.

عشتُ في باين ستريت كطفلة،

وهو شارع أكثر مما هو غابة. كنت أتوق

إلى الشجرة التي ستكشف أسلافي.

سُمّيت الأمكنة هنا على اسم الأشجار،

غيضة البلوط، جدول الجوز، بلاد البرتقال.

ولكن لم يبق سوى القليل من الشوارع

التي تصطف على جانبيها أشجار البرتقال،

بوجود الكثيرين ممن ليس لديهم ما يكفي لسدّ الرمق

ويحتمون في تشابك حديد التسليح والإسمنت.

ماذا لو زرعنا بذار الحدائق في شوارعنا من جديد،

وغذّيناها بفاكهة طازجةٍ من الحصاد؟

ماذا لو ركعنا على ركبنا بتواضع

عند جذور أشجار الزيتون والبلوط القديمة

متعرّفين على أسلافنا المشتركين؟

ماذا لو أننا بدلاً من أن نعرّف أنفسنا

بالدين والأمم والرايات

نستعيد أسماء أكثر نبلاً

”حامي البداوي“

”حارس سومين“

ونستأنف علاقتنا

مع أشجار نسبنا

ونحن نحاول أن نكون أكثر إنسانية.

لماذا نبتر جذور الفلسطينيين

الذين يعتنون بأشجار زيتونهم التي يحبونها؟

لماذا لا ندعهم يعيشون

تحت حمايتك،

يا مخيم البداوي؟

ترجمة عن الإنكليزية: أسامة إسبر

بطاقة

Marie Butcher شاعرة أميركية وأستاذة مشاركة ورئيسة برنامج اللغة الإنكليزية للأهداف الأكاديمية والمهنية في "معهد ميدلبري للدراسات الدولية" بمونتيري في كاليفورنيا. نشرت قصائدها في عدد من المجلّات البارزة؛ مثل: "بورتر جولش ريفيو" و"مونتيري بويتري ريفيو" و"سولو نوفو"، وتصدر قريباً مجموعتها الشعرية الأُولى "أن تصير نهراً". وقد ألقتها خلال أمسية شعرية في المكتبة العامة بمدينة مونتيري في كاليفورنيا تضامناً مع غزّة.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي