صمت الغصن في الشجرة

2023-08-21

قاسم حداد

سمعتك في ما كنت تجهش بالضحك. رأيتك، في بلهنية الدهشة، تسأل عن فلسفة الماء وهو في التحول من حالة السيولة إلى حالة البلور. لن تفرّط في تلك الحالة، ففي التحول يكمن الامتحان العميق للإنسان وهو يخرج من جلده البشري ليدخل في شكل الطبيعة وروحها. يجتاز هذا الامتحان دون أن يخسر شيئا.

فالحياة تجارةٌ الربحُ فيها أن تكون بلا خسارة.

٭ ٭ ٭

ولأن الغابة هي البيت الأول للإنسان، سوف تحب دوماً العودة إليها، حيث يتيح لك صمتها التفكير ومراجعة ما يحدث لك، فالحضارة تدفعك لتأمل الحياة، وتجربتك ليست جواباً كافياً للأسئلة الملحة التي تعذبك، الحضارة تبدأ من هنا، من الغابة، ريف المدن وأشجارها الصامتة والصامدة.

٭ ٭ ٭

الغابة وجنة الفردوس. يختلفان في الدرجة والنوع.. جربت الأولى، وليس لي علم بالثانية، لم أرها ولم أعشها، ولم أسمع من أحد عاشها أو عرفها.

٭ ٭ ٭

ما عليك إلا ملامسة الصمت ليتجلى لك الوحش الأليف لعزلة الغابة. عالمان يمنحانك الهدوء العميق الذي تحتاجه من أجل تأمل ما يحدث، وأحياناً ما لا يحدث، أو ذلك الذي تفكر في العمل على تفادي حدوثه. الغابة بقوة واقعيتها، وجنة الفردوس لعمقها الخيالي.

٭ ٭ ٭

«عُمقياً» ستحتاج للتفكير في حالك وهو يجتاز مرحلة التحولات الباذخة، ليس لكي تعرف، لكن لئلا تجهل ما يصيبك. في الغابة، في ريف برلين الألماني، يصح لك سماع الصمت، واختبار القدرة على مغالبة الكلام، وربما نفيه. فليس من طبيعة الغابة الضجيج، حتى الطيور في ريف برلين تصغي للصمت متخذة من التأمل حكمةً لا يقوى عليها بشرٌ يضجون بالصراخ لفرط الحياة. الثعالب وغزالات الليل تتبادل مع الأرانب أدوار مراقبة طرقات الغابة، ففي ريف برلين تزدهر حياة الكائنات في ليل البشر.

٭ ٭ ٭

هنا سترى في الصمت صوتاً عميقاً يستحوذ على كيانك، لكي تستعيد الإصغاء الذي افتقدته، وترى صورة حياتك أكثر وضوحاً وذات دلالات مختلفة عما عهدته في ضجيج حياتك.

٭ ٭ ٭

الغابة بيتك الأول، دارك الأجمل. فالتفت إليها تجد الناس يتكاسرون في ما يعودون. ففي الغابة ولدتَ، وفيها مسارك نحو حضارة الناس، فالمجتمع ينهض منها ويسير إلى ما يتكشف له من أسباب البشر. بشرٌ يبتكرون الصور ويدربونها على الحياة.. بشرٌ يكتشفون الحياة وهي تزدهر.

كاتب وشاعر بحريني








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي