خارج النص

2023-08-14

حسن عبد القادر

الكلمة الأخيرة كانت تشبه وداع الأعشى لهريرة.

لم يكن يدور في داخلي عندما التقينا في المرة الأولى أن يصل سرب حمام نزار للصين وينقطع عني أثره، كنتِ حينها صغيرةٌ، على أقل تقدير في نظري، لا تدركين أن يخترق نغم صوتك كل شيء حتى تلك اللواتي خططن أسماءهن في داخلي قبلك. هنا في الشمال السوري لم يعد يجد الحب متسعاً ولا حتى الذكريات كل شيء هنا مغموس بطعم الموت الذي يدور على ألسنة الجميع في كل لقاء يجتمع فيه النسوة أو الرجال، بل أحياناً يتعدى هذا لأن يدور الحديث بينك وبينك إذا ما اختليت بنفسك. فتاة المقهى في دمشق التي كان يشعل دخان سيجارتها وغمزة عينها اليسرى لعيني لهيب شوقي للحديث معها، باتت تلك الغمزة لا شيء أمام ذكريات الموت هنا. تلك التي ألصقت قدمها بقدمي في سيارة النقل الداخلي وحاولت جاهدةً أن تأخذ رقمي، لكن دون جدوى أو أي اعتبار مني حينها. لم أستطع أن أخبرها أنني لا أملك جوالاً حينها، والشعر الأشقر والعينان الخضراوان ليسا بالضرورة أن يكونا مظهرا من مظاهر الترف.

الارتباك الذي عشته عندما سرنا معاً عند كراج العباسيين في دمشق كان يشبه عينيها الزرقاوين، اللتين كلما نظرت إليهما فقدت جزءاً من حواسي فتراني أمشي وكأننا وحيدان يدانا تكفلتا حينها بالحديث عن كل شيء إلا عن الغياب الذي سيحضر دون إذن أو حتى تلويحة يد وداع أخير. موعدنا في جامعة حمص كان أشبه بسرقة نجمة من السماء، أمك التي رافقتك حينها لم تكن ضمن حساباتي كانت تلاحقني في كل نظرة أسرقها إليكِ خلسةً، لكن الاختلاس هنا مفضوح فالحب يفضح صاحبه وكم من المرات فضحتني عيناي في حضورك وغيابك.

أما نغم صوتك لم يزل يتردد صداه في روحي: أحبك مهما افترقنا أو مهما ابتعدت. وأقول لك: اصمتي وإلا… فالأقدار موكلة بالمنطق أحبك مهما حدث يا شوق روحي لروحي. كي لا أكذب عليك بعد أن افترقنا نعم نسيت رقم هاتفك لكن صورتك وأغنية ميادة الحناوي التي كنت تغنيها لي لم أزل أذكرها « كذبة أنت كذبة لكن أحلى كذبة بعتهالي الزمان.»

ثم افترقنا ولم أر سرب حمام نزار الذي وصل للصين بعد غيابك ولم يزل قلبي ينتظر تلويحة الوداع الأخير.

كاتب من سوريا








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي