هاوية مفتوحة على جُرف الكلمة

2023-07-18

علي كالديرون

يُحيّيك هذا البطّ الذي يطير ويتصايح.

بقع من ضوءٍ داكن عند الغروب في الغابة،

وشهر كانون الأول تحت الصفر، وسط موسكو.

يهطل الثلج في شارع "أربات الجديد"،

أغصان عارية،

أرصفة عارية أيضاً.

فلتكن، إذاً، ندف الثلج الأولى على الدرج،

باب خفيف وضوء لأعمدة الشوارع.

يبدو البرد كمثل انتظار هذا الوقت - وقتك

بلا طيور. أورنوس

أين أنت؟ من سيقودك؟

في الطريق إلى محطّة المترو كنتُ أفكّر فيكِ.

الصقيع. الجليد البرونزي. تمثال تشايكوفسكي.

تهبُّ ريحٌ قادمةٌ من موسكفا

نسماتٌ تعبر ببطء بين الأبيض وأوراق البتولا.

ثمة حجابٌ من الصور يغطي أي شيء يكون

أو أكون عليه، لأنكِ لستِ هنا.

كان شارع رومانوف بعد مطعمٍ أرمني.

ألا يتكاثف الهواء تحت الرصاص الملبّد بالغيوم

ويسقط علينا؟

إنه وقت العشاء:

تورغينيف وفلوبير في بيت إدموند دي غونكور.

يقول لي الروسيُّ إنه حين يشعر بالحزن أو يكون على ما لا يرام،

يفكر في قصائد الشاعر بوشكين لأنها ستحدث فرقاً.

إلّا أنني أفكّر في نواحي كواهتيموك وجادة ألفارو أوبريغون.

الليل مُظلم. أفكّرُ فيكِ. أفكّرُ في مناطق أخرى.

أريد أن أقولَ لكِ من أنا لكن لا أستطيع.

وراء الأشجار

تستدعيك الطيور وفضائحها،

تستدعيك النسمات بين الأوراق

وتصمت المدينة من بعيد.

ستصلين. كل شيء يجيء في الوقت المناسب. سنصل.

بخطى بطيئة أعبرُ الكرملين. أتخيّلكِ.

كازاخستانيون وأزباكستانيون وعذارى شقراوات من أوكرانيا.

طوابع ونوافذ.

أوه ما أثقل هذا الضوء الخافت! صمت ثقيل.

صمت يمتدُّ

كأنه هاوية مفتوحة على جُرف الكلمة.

إنها العاصفة.

بوسعك أن تعبري الجسر.

تتدلى هذه الحروف في الهواء

كمثل درجات هشّةٍ

وليس ثمّة إلّا الحضور يتربص.

عصف ريح مَرَّ مسرعاً.

اقتربي. الضوء جسدٌ عارٍ

من الأسماء والإشارات. الضوء

جسد يهتزّ في جسمٍ آخر.

هذه يدي. خذيها.

اتركي وراءك العَفن

وكل ضررٍ قديمٍ.

تعاليِ.

ولتنشب نار الفراشات.

ستُعمينا الشمس في حديقة غوركي.

أنتِ هنا. ونحن الآن معاً

جسداً وحضوراً وإشارات

تتحقق؛ نبوءات.

هذه الكلمات ندائي.

فلتكن.

■ ■ ■

القديس فيتو في براغ

الضوء كثيف.

إنه البرد والبخار

والظلّ الذي أنا، الظلّ الذي نحن،

تحت الزجاج المعشق والمظلم

لكاتدرائية سان فيتو.

ثمّة شموع ونوايا تحترق.

جسدها الدافئ بجانب جسدي.

الجدران المتجمّدة والموت

الذي ينام على خاصرة من نحبّ

وأشيائه.

كتفي وخدّها

ومن بعيد القديس وينسيسلاوس.

الأرواح تنتظر مترصدةً

وباندهاشة يوم القيامة.

ها هنا نحن،

أنفاسي

تتبدد في ارتفاعات الكاتدرائية وأعمدتها.

فجأة يصير الشرر ظلّاً

والنار أكثر نحولاً في خيوط الشموع.

■ ■ ■

رسالة إلى أهل كورنثوس

أنا قليلٌ،

بالكاد أيام زرقاء

وجيش من لا أحد

وشمس طفولة،

أنقاض خراب.

ثمّة أجراسٌ تكسر الصمت

في القطعان. إنّها كورنثوس.

نتجوّل في القرية، ونتنبأ

الأمل الشاحب، وردة الرياح.

وحدنا. نمحو وجهينا

في الذاكرة الخفية للأشياء

وبلا طريق،

لا شيء يجمعنا إلّا الكلاب.

ما أهمية إن ضاعت دانيلا أو أي شيء آخر!

يحلُّ الليل في أفسس.

ألم يكتب ذلك المبشّر من هناك

ما سيكون عليه القلق الطفيف

والعابر؟ أقرأُ في ما تحيط بي

أمارات الانكسار،

أبحث في جيبي. لا شيء:

جروح وضربات وندبات لا تزال حيّةً

كلمات لا معنى لها،

أشياء تنفصل عن أسمائها.

لا شيء. ريبة أضواء

قادمة من خليج بعيد

إشارات لا يمكن قراءتها

منخفضة، غامضة ومرتعشة،

لكنها تشهد بواقع آخر محتمل

ليس حياً، بل غريباً ومجهولاً

خصوصاً الآن

بعد أن عبرت السماء بشعرها الأسود

في حين كانت تراقبنا

الأيقونات بلا مبالاة.

ترجمة عن الإسبانية: جعفر العلوني

بطاقة

Alí Calderón شاعر وناقد أدبي مكسيكي من مواليد مدينة مكسيكو عام 1982. حاصل على شهادة دكتوراة في الأدب المكسيكي، ويعمل كأستاذ في "الجامعة الوطنية" في مدينة بويبلا. له العديد من الدواوين الشعرية، نذكر منها: "أن تكون في العالم" (2008)؛ و"في مياه جارفة" (2013)، و"الرسائل/ الصورة" (2015). حاز على عدة جوائز أدبية؛ منها: على "جائزة رامون لوبيس فيلاردي الوطنية للشعر" (2004)، و"جائزة أميركا اللاتينية للشعر" (2007).








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي