حصافة آن برونتي في رواية أغنس غري

2023-07-04

رند علي

« بنات أدركتهن حرفة الأدب» هكذا قيل عن الأخوات برونتي (شارلوت وإيملي وآن) اللاتي يعدّن من أبرز الأسامي الأدبية في التاريخ الإنكليزي، رغم أعمارهن القصيرة إلا إنهن تركن إرثاً أدبياً رصيناً من الشعر والروايات، ومن اللافت أن الأخت الصغرى للأخوات برونتي، التي لم تعيش أكثر من 28 سنة، كتبت روايتين متميزتين توازيان روايات أختيها شارلوت وإيميلي، فقد قال عنها الروائي الإيرلندي جورج مور (لو عاشت آن عشر سنوات بعد لأصبحت جين أوستن أخرى وربما في مقام أعلى).

المتتبع لأدب الأخوات برونتي يشعر بمظلومية أعمال آن برونتي، فقد توارت في ظل أختيها، غير أن القارئ لروايتها الأولى «أغنس غري» التي نشرتها باسم رجالي مستعار آكتون بيل، يرى فيها نصاً متكاملاً بعيداً عن الترهل، ورغم أن أغلب النقاد يرجح أن أدب الأخوات برونتي مرآة عاكسة لحياتهن الشخصية، إلا أن كل رواية من رواياتهن تعتبر لوحة قصصية خالدة في تاريخ الأدب الإنكليزي في العصر الفيكتوري، خصوصاً رواية «أغنس غري» لآن برونتي (الصادرة عن منشورات جدل بترجمة لولو البريدي) فيلاحظ القارئ حصافة آن في تسلسل أحداثها ومناقشتها لموضوع يخص المرأة في النصف الأول من القرن التاسع عشر وهو موضوع (المربيات ومعاناتهن). فمهنة المربية كانت رائجة في ذلك الوقت لعدم انخراط البنات في الجامعات التي كانت مخصصة للذكور فقط.

وتكتب السيدة أمبيرلي (واحدة من أوائل النسويات الإنكليزيات المدافعات عن حقوق المرأة) في يومياتها: «أقرأ أغنس غري، وعلى كل عائلة تملك مربية أن تقرأها، وسأقرأها مجدداً إذا حظيت بمربية، لتذكرني بأن أكون إنساناً».

ومن الجدير بالذكر أن آن برونتي عملت مربية مرتين لدى إحدى العوائل النبيلة الإنكليزية، في المرة الأولى تم الاستغناء عنها قبل أن تكمل عاماً في عملها، أما في المرة الثانية فعملت لدى آل روبنسون قرابة الخمسة أعوام، فلذلك نقلت الصورة الحقيقية لمعاناة المربيات وصراعهن مع العائلات اللاتي يعملن عندها، بين إثبات ذاتها أمام مستخدميها وهم يعاملوها وكأنها كائن لامرئي، وتعليم وتهذيب أبنائهم الذين يقللون من احترامهم لمربيتهم، إذ لم يبصروا احتراماً لها من ذويهم، كما أن اخطاءهم كلها تقع على عاتقها، ولا يحق لها محاسبتهم أو تأنيبهم، فغالباً ما يطلب المستحيل من المربية، عندما يريدون منها أن تجمع بين تربية طلابها وعدم محاسبتهم.

«وخشيت خشية عظيمة، لعجزي عن تهذيب رفقائي الصغار من أن يفسدوني، وأن ينزلوا مشاعري، وعاداتي، وقدراتي تدريجياً إلى مستواهم، لكن دون أن ينقلوا إليّ خلوهم من الهموم، وحيويتهم المرحة».

تصور عزيزي القارئ أن هنالك كاتبة عاشت في النصف الأول من القرن التاسع عشر (ولدت آن في 17 يناير/كانون الثاني 1820 فى ثورنتون، غرب يوركشاير، وتوفيت في 28 مايو/أيار 1849 في سكاربورو، شمال يوركشاير). ذلك الزمن الذي يعتمد فيه النساء اعتماداً كلياً على الرجال، تمكنت من كتابة رواية خالية من عقدة سندريلا! فبطلة «أغنس غري» مربية بسيطة من عائلة فقيرة ما جَملها في نهاية الرواية، إنها لم تتزوج الأمير، مثلما وظفت شارلوت برونتي في روايتها «جين إير» زواج البطلة من سيدها، بل اختارت آن لأغنس (الخوري أوستن) حبيباً لها وهو رجل تقي وورع ذو قلب عطوف على المرضى والفقراء، فكانت الكاتبة تتمتع بعقل سابق للزمن الذي عاشت فيه. «نحن نحسن العمل حين نبجل الله في مخلوقاته، ولست أعرف مخلوقاً من مخلوقاته تشرق فيه العديد من صفاته والكثير من روحه مثل خادمه المخلص هذا، الذي إن عرفته ولم أقدره سيعدُ ذلك لا مبالاة بليدة مني، أنا التي ليس لديّ إلا القليل لأشغل به قلبي». «بوسعي أن أنظر دون خوف من الازدراء أو اللوم إلى جسد ووجه يسرني أكثر من أجمل مخلوقات الله، بوسعي أن أصغي دون مقاطعة إلى صوت أشد سحراً من أعذب موسيقى لأذني، يبدو أنني قادرة على تأسيس صلة حميمية مع تلك الروح التي شعرت تجاهها باهتمام عميق». علاوة على ذلك بينت جناية زواج المصلحة من خلال علاقة السيدة آشبي بزوجها، وناقشت الرواية مواضيع أخرى مثل التربية، النقد الاجتماعي والإنساني والتأديب النفسي والكفاح في الحياة، وسواء كانت أغنس غري هي سيرة حياة آن برونتي مثلما رجح النقاد والمتتبعين لأدب الإخوة برونتي، أو من وحي خيال كاتبتها، فإن الهدف الأسمى للأدب هو أن يكون انعكاساً للواقع .

كاتبة عراقية








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي