كارلو أوسّولا: فضائل تكاد لا تُرى لفرط عاديّتها

2023-06-03

ما الذي يُمكن للعاديّ أو المألوف أو المتوقَّع أن يفعله في عالَم يرفع من شأن كل ما هو استعراضيّ وصارخ، ويُسلِّط أكبر قدر ممكن من الأضواء على كلّ ما هو صادم وغرائبيّ؟

في كتابه "الحياة البسيطة"، الذي صدرت ترجمته الفرنسية حديثاً عن منشورات "لي بل ليتر" في باريس، يدافع المفكّر الإيطالي كارلو أوسّولا عمّا يسمّيه "الفضائل الصُغرى والمشترَكة"، أي تلك التي قد تمرّ حتى من دون أن يُنتَبَه إليها، لفرط امّحائها.

ينتمي الكتاب إلى حقلٍ من التفكير الفلسفي الأخلاقي بات يتّسع في السنوات الأخيرة، إن كان في إيطاليا أو فرنسا، مع كتبٍ تسلّط الضوء على الهوامش المنسية في زمن تسوده قيَم الفردانية والأبّهة والتبذير، ليس فقط في السلع، بل وكذلك في المظاهر، والكلام، وتوافه الأمور. ومن هذه الأعمال يُمكن، على سبيل المثال فقط، ذكرُ "لزوم ما لا يلزم" للمفكّر الإيطالي نوتشيو أوردينه (نُقل إلى العربية، لدى "دار الجديد"، تحت عنوان "لوجه ما لا يَلزم").

ويخصّص المؤلّف كلّ فصلٍ من فصول كتابه لواحدةٍ من هذه الفضائل، حيث ينتقل من اللباقة إلى مُراعاة الآخرين، ومن الامتنان إلى التمدُّن. وإذا كانت هذه المفاهيم متوقّعةً في كتابٍ كهذا، فإنه يذهب إلى أماكن أقلّ توقّعاً حينما يدافع عن التهكُّم "الذي دائماً ما يكون فيه شيءٌ من اللُّطف ومن التعاطُف"، ولا سيّما عندما يحضر في الفنون والآداب.

ويذكّرنا أوسّولا بأن الفضائل ــ صغيرةً كانت أم كبيرة ــ وحدها لا تكفي، ولهذا فهو يربطها دائماً، وحتى في عنوان كتابه الفرعي، بـ"المشترَكة". فالفضيلة اجتماعيةٌ في جوهرها، وهي رابطٌ من الاعتناء والتقدير يجمعنا بالآخَر.

ويبدو كتاب المفكّر الإيطالي أشبه بتفكيرٍ في التفكير، حيث يعزّز أطروحاته في كلّ واحدٍ من فصوله بالعديد من المقولات والنظرات لفلاسفة ومفكّرين وكتّاب وفنّانين، كما هو الحال عندما يُعيدنا، في سياق حديثه عن اللباقة، إلى غرامشي وإلى هذه الرسالة التي كتبها إلى أمّه من السجن حول كيفية تعاطيها مع إدميا، حفيدتها وابنة أخيه نانارو: "سيكون على إدميا أن تشقّ طريقها بنفسها يوماً ما، وهو ما يعني أن علينا الوقوف إلى جانبها وتقوية حسّها الأخلاقي (...) أعتقد أن عليكِ أن تخبريها ــ بكثير من اللباقة، بالتأكيد ــ سبب عدم قدرة أبيها على الاعتناء بها في الوقت الحاضر. عليكِ أن تشرحي لها سبب استحالة عودته إلى البلد حالياً (...)، تماماً كما سيكون عليكِ أن تُخبريها، بكلّ وضوح، أنني في السجن".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي