التمرد الذاتي الصامت بنبرة رواية ليديا تشوكوفسكايا

2023-05-11

ضحى عبدالرؤوف المل

اختصرت ليديا تشوكوفسكايا المجتمع الاشتراكي في روايتها «صوفيا بتروفنا» التمرد الذاتي الصامت بنبرة روائية تحمل الكثير من الانتقادات التي تمر بسلاسة ضمن عالم الرواية المصغر، موضحة المفهوم الثوري من خلال تحويل الشقق البورجوازية إلى شقق مشتركة. متسائلة مع كوليا هل من العدل أن يعيش ديجتيارينكو وأسرته في القبو بينما نعيش في شقة فاخرة؟ إلا أنها تجسد من خلال شخوص حكايتها المصائر والمواقف الحياتية المختلفة، في مواجهة حقيقية لتغيرات اجتماعية وسياسية تصيبنا، دون الإحساس منا بالأسباب التي أدت لذلك كما حدث مع كوليا. إذ «تحكي لها كم كان كوليا صبياً صالحاً» فالكوارث الإنسانية تصيب المجتمعات بالعقم الذي يؤدي إلى القسوة والظلم، والانفعالات المسممة للأجواء التي قلبت ردود الأفعال إلى حكاية تحمل في طياتها تفاصيل الحياة في وطن لم يعد يشعر شعبه بالاستقلالية حتى في بيوتهم، وبشكل أدق حتى في غرفهم الصغيرة «فقد فقدت حميتها فجأة في البحث عن غرفة مستقلة لكوليا» فالاستقلالية للفرد في وطنه هي مطلب حقيقي، ومن أساسيات العيش المتواضع وبحرية، ولا خوف من فقدان الأمن الاجتماعي، الذي من شأنه أن يفقد المواطن راحة البال التي انمحقت، حتى الأحلام التي تشبه الهذيان لإنسان يطمح إلى العيش في أمان بعد أن يصبح لديه من الأحفاد ما يشعره بالاستقرار، فبينما كانت صوفيا تحلم بأن تصبح جدة وتختار أسماء أحفادها انهارت عندما اقترب منها المحاسب وأخبرها أنهم قبضوا على عدد كبير من الأطباء.

فهل نعيش في رواية صوفيا بتروفنا أوجاع المجتمعات التي تعاني تغيرات سياسية واجتماعية باستمرار؟ وهل ما زلنا نتخبط في متاهات الاشتراكية والليبرالية وما إلى ذلك من مسميات عاش من خلال الأجداد الظلم والقسوة وبتر أبسط أحلامهم في العيش الآمن؟

تطرح ليديا تشوكوفسكايا الكثير من المعاني المعروفة اجتماعيا وبشكل شعبي، تلك المصطلحات الأدبية التي تعالج من خلالها الواقع المتردي بامتصاص تصويري، إن صح القول بمعنى تشكيل الصورة بما يتلاءم مع الأدب الروسي وقوته في إبراز التفاصيل التي لا يمكن وضع الإصبع عليها، ما لم تنزف فعليا من البؤس واشتداد الأزمات، كتلك التي تجعل المرء يبدو أكبر سنا من عمره « تبدو الآن في الخامسة والستين، بينما هي في الحقيقة لا تتخطى الخمسين؟ وما الحذاء اللباد الذي انتقدته إلا لتصوير عودة المجتمع آنذاك للخلف وبتخلف مؤذ وبتقهقر المرأة وحقوقها، بل والصاق كل ما هو مؤذ بالرجل بها. «يمكن لأي رجل حزبي شريف أن يقع في حبال امرأة فاتنة». فغواية الرجل هي حيلة ليخرج من تدليسه وكذبه وحتى الأخطاء التي يقع فيها. فالأسلوب الروائي رغم بساطته على القارئ إلا أنه معقد في حبكة لا يمكن القص منها أو حذف جملة قد تصيب الرؤية التخيلية للمجتمع، الذي جعلتنا فيه ناقصة تماما . فالصمت هو فقدان القدرة على التحدث من شدة المرارة التي عاشتها ناتاشا بعد فقدان ابنها كوليا.»إذ يجب على أي انسان شريف أن يعرف أن كل هؤلاء النساء هن زوجات وأمهات مسممين وجواسيس وقتلة» فهل الأدب الواقعي الاشتراكي في هذه الرواية هو انتقاد لاذع لشكل من أشكال الأدب لم يسقط في غياهب النسيان؟ أم أن التفاصيل السياسية في رواية صوفيا بتروفنا هي حياة لم يدركها القاطن فيها وإنما القارئ الذي يرى المشهد المخنوق داخليا؟

رواية تجبرك على الغوص فيها رغم أنها حكاية تحدث في كل زمان ومكان. إلا أنها تبني المجتمع بمآسيه التي عاشها الناس في ظل الإشتراكية السوفييتية والفاشية، وما إلى ذلك من أحداث تأثر بها الناس في المجتمع السوفييتي، وتركهم في حالة من التشوش والتمزق، وفقدان البوصلة الاجتماعية، بل في فقر وعوز وهموم طالت الصحافة والأدب، ودور النشر، وكل مرفق حياتي من شأنه أن يؤثر في التقدم اللازم في مجتمع عاشت فيه صوفيا بتروفنا، التي التحقت بدورات تعلم الكتابة على الآلة الكاتبة، رغم انها تصاب بالصداع النصفي من النقر على الآلة الكاتبة، فالأدب والكتابة لا يمكن أن يتنازل عنهما المرء ولو أصيب بمرض مزمن، وهذا ما تحاول قوله ليديا تشوكوفسكايا في رواية لصيد الأخطاء السياسية والاجتماعية التي عاشتها في حقبة مرّة، أدت الى تغيرات مميتة لشعب بأكمله. فهل يمكن وصفها بالحكاية الخالدة على الألسن الأدبية الروسية؟

كاتبة لبنانية







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي