جورج ستاينميتز: في علاقة علم الاجتماع الفرنسي بالاستعمار

2023-04-30

كثيراً ما تُكَرَّر الأسطوانةُ نفسها حول ولادة علم الاجتماع (أو السوسيولوجيا) كمجال بحثيّ وكفرع أكاديمي مستقلّ مطلع القرن الماضي، حيث يجري الحديث عن أنه وُلد فعلياً على يدَي كلّ من إميل دوركهايم في فرنسا، وماكس فيبر في ألمانيا، اللذين استكمل جهودَهما عددٌ من تلامذتهم ومن المهتمّين بالبحث الاجتماعي بين الباحثين في البلدين وخارجهما.

غير أن هذه السردية نفسها تفتقد إلى أبسط معايير الفهم السوسيولوجي، حيث تُخرَج ظاهرة نشوء علم الاجتماع وتطوّرها من سياقها التاريخي والثقافي، وتُقَدَّم وكأنّها حدثٌ لا تأثيرات سياسية أو اقتصادية أو طبقية فيه، وهو ما يتناقض مع العديد من القراءات النقدية التي يقدّمها مؤلّفون معاصرون حول تاريخ هذا العِلم الإنساني.

عن "منشورات جامعة برينستون" في الولايات المتّحدة، صدر حديثاً كتاب "الأصول الكولونيالية للفكر الاجتماعي الحديث: علم الاجتماع الفرنسي وإمبراطورية ما وراء البحار" لأستاذ علم الاجتماع في "جامعة ميشيغان" الأميركية جورج ستاينميتز.

يضع المؤلّف، في كتابه هذا، تاريخ علم الاجتماع الفرنسي وتطوّره في سياق السياسات الفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية، ولا سيّما سعي فرنسا، مثل بلدان استعمارية أوروبية أُخرى، إلى الاستفادة من العلوم الاجتماعية الصاعدة من أجل تعزيز سلطتها على مستعمراتها الحالية والسابقة، وهو مسعىً لعب فيه علم الاجتماع دوراً أكبر ممّا يُعتقَد، كما يحاجج ستاينميتز.

ويذكّر الأكاديمي الأميركي بأن العديد من الباحثين الفرنسيين حظوا باهتمام واضح من قِبَل دوائر القرار الفرنسي التي دعتهم، عبر العمل المؤسّساتي أو بطريقة مباشرة، إلى إبداء آرائهم ووضع أبحاث تساعد على حلّ "مشاكل اجتماعية" في البلاد التي استعمرتها فرنسا، ولا سيّما في القارة الأفريقية، أو في فرنسا نفسها بعد أن وصل إليها ملايين من أبناء المستعمرات القديمة. "مشاكل" مثل الفقر والاندماج والهجرة وغيرها.

بعد فصول تقديمية ومقارنة حول استخدامات السياسية لنتائج أبحاث علماء الاجتماع واللقاءات والأرقام التي حصّلوها في "أراضي بحثهم"، يركّز المؤلّف على أربع حالات فرنسية من القرن الماضي، هي: جاك براك، وجورج بالاندييه، وبيير بورديو، وريمون آرون.

ويتناول كلّ واحدة من هذه الحالات بالتحليل، حيث نقف معه على الدور الكبير الذي لعبه آرون في تأسيس ما سيُعرَف بعلم اجتماع الإمبراطوريات، في حين كان كلٌّ من براك وبالاندييه مؤسّسين في علم الاجتماع التاريخي، في حالة الأول، والسوسيولوجيا الأفريقية، في حالة الثاني.

أمّا بورديو، فيدرس المؤلّف كيف أنّه طوّر العديد من مفاهيمه وأدواته الفكرية خلال فترة متأخرة من احتلال فرنسا للجزائر، حينما ذهب إلى هناك جندياً (درس الفلسفة) ليتحوّل إلى عالم اجتماع "كان تجديده محكوماً بالسياقات الثقافية والسياسية والكولونيالية" التي عاش فيها واستفاد منها، بحسب المؤلّف.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي