
نهى سعد
يستخدم الأطفال عند ولادتهم البكاء وسيلة لإيصال احتياجاتهم لوالديهم، وهو استجابة طبيعية للعاطفة والألم، ولكن بمرور السنوات قد تفقد قدرتك على ذرف الدموع عند الشعور بالألم، وتبقى مشاعرك حبيسة لا تتمكن من البوح بها.
ويساعد البكاء على تنظيم الألم والتواصل مع المشاعر، ويحفز الإفراز الفوري للإندورفين في الدماغ لتخفيف الألم والضيق العاطفي، ويساهم في التخلص من هرمونات التوتر، وتحسين الحالة المزاجية، ويتيح الفرصة لتلقي الدعم من الآخرين ويساعد ذلك على تقوية الروابط الاجتماعية.
كما أن للبكاء وظائف حيوية أيضا، إذ تحتوي الدموع على أجسام مضادة تساعد في مكافحة التهابات العين المحتملة والبكتيريا، وتحمي العين من مسببات الحساسية المحتملة مثل الغبار، وتزيل السموم والمهيجات مثل الدخان وأبخرة البصل.
أضرار جسدية وعقلية
ووجدت دراسة أجرتها جامعة كامبردج عام 2017 على ألفي أسرة أن 8.6% من الرجال و6.5% من النساء لا يستطيعون البكاء على الإطلاق.
ويؤثر حبس البكاء على الصحة النفسية والجسدية، وقالت كوني حبش، مختصة علاج الزواج والأسرة لموقع "إنسايدر" (Insider) الأميركي "من واقع خبرتي، يعاني العملاء الذين لا يستطيعون البكاء من أعراض جسدية مثل توتر العضلات المزمن والتعب والأرق والصداع ومشاكل في الجهاز الهضمي"، كما أنهم محرمون من فوائد البكاء العاطفية والجسدية.
أسباب فقدان القدرة على البكاء
وتتعدد الأسباب وراء فقدان القدرة على البكاء؛ منها أسباب طبية وأخرى نفسية وعاطفية، وهذه بعضها:
التقدم في العمر
مع مرور السنوات، تضعف الغدد الدمعية وتعمل بشكل أقل فعالية، لذلك قد تواجه صعوبة في البكاء لأن جسمك يواجه صعوبة في تكوين الدموع.
السكري
يعد السكري أحد الأسباب الأكثر شيوعا لجفاف العين، مما يؤثر على قدرة مرضاه على البكاء، ويعاني ما يصل إلى 54% من مرضى السكري من مشاكل في البكاء والدموع.
أنماط التعلق
تنقسم أنماط التعلق إلى 4 أنواع؛ وهي التعلق الآمن، والقَلِق، والتجنّبي، والغير المنتظم، ويواجه من لديهم تعلق تجنبي صعوبة في البكاء أكثر من الأشخاص الذين لديهم أنماط التعلق الأخرى.
وأفاد بحث أجري عام 2012، أن من لديهم نمط تعلق تجنبي يبكون أقل من غيرهم، وأكثر عرضة لقمع عواطفهم.
العوامل الثقافية
قالت الطبيبة النفسية غونزاليس بريوس "يمكن أن تكون هناك وصمة عار ثقافية مرتبطة بالبكاء، خاصة في المجتمعات التي تنظر للبكاء على أنه علامة ضعف، ما يتسبب في فقدان القدرة على البكاء".
ووجدت دراسة أجريت عام 2017 أن من يبكون يُنظر إليهم على أنهم أكثر دفئا وقبولا، ولكن أيضا يعتبرهم الآخرون أقل كفاءة، ويتسبب ذلك في اضطرار البعض إلى قمع دموعهم لتجنب أن يُنظر إليهم أنهم ضعفاء.
وتعتبر بعض الثقافات البكاء أنه طبيعة أنثوية، ويسمع الذكور منذ الصغر عبارات مثل "يجب ألا تبكي لأنك رجل" أو "البكاء علامة ضعف"، مما يجعلهم بالغين غير قادرين على البكاء والتعبير عن مشاعرهم.
المعتقدات الشخصية الخاطئة
يعتقد البعض أنهم إذا بدؤوا في البكاء، فلن يتمكنوا من السيطرة على أنفسهم وإيقاف الدموع، وتدفعهم هذه المعتقدات الخاطئة إلى كبح جماح دموعهم وعدم البكاء.
سلوك مكتسب
قد يكون عدم القدرة على البكاء سلوكا مكتسبا من الأسرة، فإذا نشأ الشخص في أسرة لا تبكي أفرادها، قد لا يرى البكاء أبدا أنه شكل طبيعي من أشكال التعبير العاطفي، ولا يستطيع استخدامه للتعبير عن مشاعره.
المشاعر المكبوتة
يواجه البعض صعوبة في إدارة مشاعرهم، ويدفعونها جانبا أو يدفنونها حتى لا يضطرون لمواجهتها.
وقد يحدث هذا الكبت عن قصد في البداية، ولكن بمرور الوقت يصبح آلية دفاع تلقائية لتجنب المشاعر السلبية، ويصبح من الصعوبة البالغة إدراك المشاعر واختبارها، وبالتالي صعوبة البكاء.
الإساءة العاطفية
التعرض للإساءة العاطفية أو الجسدية يؤثر سلبا على طريقة التعامل مع المشاعر والتعبير عنها، خاصة في المواقف التي أدى فيها البكاء إلى مزيد من الإساءة من المعتدين، كما يعاني الناجون من الإساءة أحيانا من مشاعر مكبوتة أو صامتة يصعب التعامل معها والبوح بها.
نصائح تساعدك لتحرير دموعك
وحتى تستطيع إطلاق مشاعرك وتحرير دموعك، هذه بعض نصائح المختصين النفسيين لك:
ابحث عن مكان آمن
إذا كنت قلقا أن يسمعك شخص آخر أثناء بكائك، يمكنك البحث على مكان آمن لإخراج مشاعرك، وقد يكون هذا مكتب المعالج أو سيارتك، أو أي مكان يمكنك أن تقضي فيه بعض الوقت بمفردك.
استعن بالعلاج النفسي
يمكنك من خلال العلاج النفسي استكشاف أفكارك ومعتقداتك حول البكاء، ويساعدك المعالج على تطوير مهارات للتعامل مع المشاعر السلبية، وكيف يمكنك البوح بها بشكل صحي وفي بيئة آمنة لتجنب كبت مشاعرك.
حاول التعبير تدريجيا
للتدرب على الاعتراف بمشاعرك وقبولها، يمكن أن تفعل ذلك تدريجيا، عن طريق الاعتراف بالشعور وقول ذلك بصوت عال، حتى لو لنفسك فقط، يمكنك أن تقول "أشعر بالغضب" أو "أشعر بالحزن" أو "أشعر بالخزي".
ويمكنك أيضا الاستعانة بالكتابة، وحاول تدوين ما تشعر به في يومياتك أو تفريغ ما تفكر وتشعر به عند التعرض لموقف ضاغط، ويساعدك ذلك على تخفيف الضغط العاطفي، والتواصل مع مشاعرك بشكل أفضل والتدرب على وصفها لنفسك قبل مشاركتها مع الآخرين.
تحدث مع من تثق بهم
عندما تبدأ في الشعور أنك لم تعد رافضا لمشاعرك كليا، يمكنك محاولة مشاركتها مع من تثق بهم، ويمكنك البدء على نطاق صغير وأشخاص محدودين.
ويساعد التحدث مع الآخرين حول ما تشعر به في تطبيع مشاعرك، وقبول وجودها، وتلقي المصادقة والتعاطف، ومشاركة الآخرين معك لتجاربهم المماثلة، وكل ذلك يسهل لك قبول المشاعر والتعبير عنها، والبكاء إذا احتجت لذلك.
استعن بأحزان الآخرين
إذا كنت ترغب في البكاء فإن مشاهدة أو سماع التجارب العاطفية للآخرين يمكن أن تساعدك لذرف بعض الدموع بنفسك، وتساعدك على التعاطف مع نفسك والآخرين.