
صدر حديثا عن دار خطوط وظلال في الأردن كتاب جديد للأديب والباحث العراقي أوس حسن بعنوان « أبناء ديوجين». في هذا الكتاب يستعيد المؤلف روح الفيلسوف الإغريقي ديوجين الكلبي، ليجعلها مرآة للتمرد ونشأته وأسسه السيكولوجية والميتافيزيقية عبر التاريخ.
إذ يرى أوس أن التمرد ليس فقط نتاجا للعبث واللاجدوى عند الإنسان، كما يذهب كامو، فالتمرد هو صيرورة طبيعية للوعي البشري في تجلياته وتمظهراته الوجودية. وعلى هذا الأساس يقسم حسن التمرد إلى نوعين: تمرد خلّاق أو خالق، وتمرد عدمي. فالتمرد الخلّاق ينشأ عند التأمل العميق في المأساة الإنسانية، وما يستند إليه العالم والبشر من أوهام وخرافات وأخطاء في التفكير، ويتعاملون معها على أنها حقائق جوهرية وأصيلة، كالقيم والمعتقدات، والكثير من الآراء والأحكام المتغلغلة في المجتمعات والعقل الجمعي. فالكثير من الفلاسفة والقديسين والعلماء انبثقت لديهم نزعة التمرد من طابعهم التأملي للعالم من حولهم. فلامست أفكارهم وتأملاتهم المناطق المظلمة للحدس الباعث على الخلق والإبداع. هكذا يصبح التمرد في كل حين خلقا متجددا. أما التمرد العدمي، فذلك الذي تحركه نوازع الشر ولا يبشر بقيمة إلا من داخل نفسه، والشر هو قوة خالقة للتمرد، لكن في حالة التمرد الخلّاق، يتم تهذيبه وصقله، فيهدم ليبني على أساس أنقاضه بنيانا جديدا، أما التمرد العدمي فيجنح كليا نحو الشر كقوة هدامة، ولا يرتكز إلى أي مرجعيات أخلاقية وإنسانية. ومثال على ذلك أدب الشر وروايات الشر.
يتكلم الكتاب عن الشر بعيدا عن المنظومات الأخلاقية والدينية، ويرى أن الشر عبارة عن نقص دائم في الوجود، وحالة من التناقض بين الذات والموضوع تستنزف كينونة الإنسان وتفككها إلى حالة ما قبل بشرية وأخلاقية، إلا أن الشر يمكنه أن يكون في بعض الحالات قوة كاشفة للحقيقة ومنتجا لمواهب عظيمة، وقبل كل شيء أساسا للأخلاق الفطرية عند الإنسان، في حالة الوعي به والتعامل معه على أنه نقيض منتج وليس مدمرا.
امتد الكتاب على أربعة فصول و200 صفحة من القطع المتوسط وهو عبارة عن رحلة فلسفية مشوقة، تكشف عن التمرد كمنبع للإبداع وكقوة خالقة، حيث يتقاطع السؤال الفلسفي مع الأدب، ويفتح أسئلة جريئة حول الإنسان، والحرية، والفكر في عالم مأزوم بالمقدسات الزائفة واليقينيات الهشة.
أخيرا يأتي كتاب «أبناء ديوجين» امتدادا لمشروع المؤلف الوجودي عن طريق مساءلته للوصايا المفروضة قسرا على الإنسان من الخارج، وتجلياتها في أنظمة سلطوية وبنى أخلاقية ومعرفية تحد من حرية الإنسان وقدرته على خلق القيم وإحداث طفرة في الوجود.
كانت التأملات والمقارنات التي طرحها المؤلف في الكتاب بين الفلسفة والأدب والفن عبارة عن صرخة وجودية تحرض القارئ على إعادة النظر في ذاته، وفي العالم الذي يسكنه، فالجرأة الأسلوبية التي تجمع بين العمق الفلسفي واللغة الأدبية جعلت من الكتاب نصا يجاور الأدب كما يجاور الفلسفة.