هل النجاح حليف الأغنياء فقط؟.. دراسة جديدة تجيب

2022-09-17

هل النجاح حليف الأغنياء فقط؟.. دراسة جديدة تجيب (ا ف ب)

شيماء محمود

نسمع كثيرا في محاضرات التنمية البشرية والخطابات التحفيزية عن تحقيق النجاح فقط عن طريق العمل الجاد والاجتهاد حتى لو كنت فقيرا معدوما ولا تملك أي فرص، وأنه على العكس كثير من الأغنياء مجرد فاشلين ولا يستطيعون تحقيق النجاح، لكن بعض الدراسات العلمية تقول النقيض تماما.

إذ خلص تقرير حديث صادر عن مركز "جورج تاون" للتعليم والقوى العاملة "سي إي دبليو" (CEW)، إلى أن ولادتك غنيا قد تكون مؤشرا على تحقيق نجاح أكبر من الأداء الأكاديمي والموهبة والذكاء على الأقل في الولايات المتحدة، حيث أجريت الدراسة.

"ولدوا ليربحوا".. النجاح حليف الأغنياء

"لتحقيق النجاح في الولايات المتحدة من الأفضل أن تولد غنيا أكثر من أن تكون ذكيا"؛ هذا ما قاله أنتوني كارنيفال مدير مركز "جورج تاون" والمؤلف الرئيسي للدراسة الصادرة في العام 2019. وأضاف في تصريح لشبكة "سي إن بي سي" (CNBC) أن "الدراسة خلصت إلى أن الأشخاص الموهوبين الذين ينتمون إلى أسر فقيرة ومعدمة لا ينجحون بقدر أصحاب المواهب القليلة من الأسر المحظوظة والغنية".

وحلل كارنيفال وفريقه بيانات المركز الوطني لإحصاءات التعليم "إن سي إي إس" (NCES) لتتبع نتائج الطلاب من رياض الأطفال حتى مرحلة البلوغ في مدارس الولايات المتحدة، وقيموا الذكاء وفقا للأداء في اختبارات الرياضيات الموحدة. ثم صنف الباحثون الطلاب حسب الحالة الاجتماعية والاقتصادية، مع الأخذ في الاعتبار دخْل الأسرة والتحصيل التعليمي والوضع المهني للوالدين.

ووجد الباحثون أن الأطفال الفقراء الحاصلين على درجات جيدة في روضة الأطفال كانوا أقل حظا للتخرج من المدرسة الثانوية أو الكلية أو الحصول على أجر مرتفع، مقارنة بأقرانهم الأثرياء ذوي الدرجات السيئة.

وتوصلت الدراسة إلى أن طالب الروضة من الطبقة الاجتماعية والاقتصادية الأقل من 25% وحصل على درجات اختبار من أعلى 25% من الطلاب، لديه فرصة 31% للحصول على تعليم جامعي والعمل في وظيفة تدفع ما لا يقل عن 35 ألف دولار عند بلوغه 25 عاما، و45 ألف دولار عند بلوغه 35 عاما.

على العكس؛ كان أمام الطالب من الربع الأعلى من الطبقات الاجتماعية والاقتصادية مع درجات اختبار من أدنى 25% من الطلاب، فرصة 71% لتحقيق النجاح المادي نفسه.

كذلك، بيّنت دراسة "جورج تاون" أن أطفال الروضة من ذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي المنخفض الذين حصلوا على أعلى 25% من الدرجات وحصلوا لاحقا على شهادات جامعية، كان لديهم فرصة بنسبة 76% للوصول إلى وضع اجتماعي واقتصادي مرتفع بحلول سن 25 عاما. أما أقرانهم ذوو الدرجات المنخفضة والحالة الاجتماعية والاقتصادية العالية وحصلوا على تعليم جامعي، كانت لديهم فرصة بنسبة 91% في الحفاظ على مكانتهم.

وبحسب هذه البيانات، فإنه حتى لو تفوق الطلاب من الأسر المحرومة على الصعاب، وحصلوا على شهادة جامعية، فإنهم ما زالوا يواجهون تحديات.

ويعتقد باحثو الدراسة أن هناك عددا من المتغيرات التي تساهم في هذه الديناميكية، إذ قال كارنيفال "يميل الناس إلى إلقاء اللوم على المدارس، وهم مخطئون، فهناك مجموعة متنوعة من العوامل التي لها علاقة بالعرق والجنس ومزايا أخرى إضافية مثل توفر الكتب في المنزل وتوفر الأنشطة الجانبية".

ومن المزايا التي توفرها الأسر الأكثر ثراء هي مقدار الإنفاق على الأنشطة؛ فبحسب الدراسة، أنفقت العائلات من الخمس الأعلى دخلا بنحو 8600 دولار سنويا على أنشطة إثراء الأطفال في العام 2016، في حين أنفقت العائلات في الخمس الأدنى ما يقرب من 1700 دولار.

وبمتابعة هؤلاء الأطفال، تبيّن أن هذه الموارد والدعم ساعدا الطلاب ذوي الدرجات المنخفضة في التغلب على التحديات والوصول إلى النجاح، كما كان بإمكانهما مساعدة الطلاب المحرومين الحاصلين على درجات عالية.

كما وجدت الدراسة أن نصف الأطفال الفقراء الذين حصلوا على درجات اختبار عالية في رياض الأطفال قد تأخروا في الصف الثامن، وأن الأطفال الفقراء الأكثر موهبة لم يتمتعوا بأداء جيد مثل الأطفال الأغنياء الأقل موهبة، وأن الطلاب الفقراء ذوي الأداء الأفضل لديهم فرصة أقل للتخرج من الكلية من الطلاب الأغنياء ذوي الأداء الضعيف.

الاستثمار في التعليم

ويقول جون غولدثورب عالم الاجتماع البارز في جامعة أكسفورد ومؤلف دراسة عن حراك الطبقات الاجتماعية في بريطانيا الحديثة، إن "عقود من السياسات التعليمية أغفلت أن الأجيال الشابة تواجه الآن فرصا أقل في الترقي الاجتماعي مقارنة بآبائهم وأجدادهم، على الرغم من حصولهم على مؤهلات تعليمية أعلى".

وأظهرت هذه الدراسة أن الاستثمارات في التعليم لها تأثير ضئيل للغاية على الحراك الاجتماعي، لأن العائلات الغنية تستخدم رأس مالها الاقتصادي والثقافي والاجتماعي لضمان بقاء أطفالها في المقدمة.

ووفقا لهذه الدراسة، فإن العامل الوحيد الذي يمكن أن يزيد الحركة الاجتماعية صعودا ليس مقدار التعليم الذي يحصل عليه الأفراد، بل مقدار ما يتلقونه من معرفة عموما مقارنة بالآخرين.

بدورها، أوضحت الدكتورة واندا ويبورسكا المديرة التنفيذية لمنظمة "ذا إيكولتي ترست" (The Equality Trust) البريطانية التي تقوم بحملات من أجل المساواة الاقتصادية، لموقع "فايس" (Vice) الأميركي أن "التعليم مهم، لكن من الواضح أنه لا يكفي لتكافؤ الفرص، أو لرفع الناس من خلفيات فقيرة وطبقات اجتماعية أدنى".

وأضافت أنه "في العديد من المهن، يتلقى الطلاب المتعلمون في القطاع الخاص رواتب أعلى بكثير من نظرائهم في المدارس الحكومية، حتى عندما يتلقون بالضبط الدرجة نفسها من الجامعة ذاتها".

لكن هذا لا يعني أنه لا توجد قيمة مطلقة من التحصيل التعليمي أو الاستثمار فيه، بيد أن الدراسة هذه تركز على أن التعامل مع التعليم من منظور نسبي يرتبط بالوضع المادي للأفراد وعائلاتهم مقارنة بتحصيلهم التعليمي لم يتغير كثيرا.

على النقيض، قدمت ورقة بحثية من "معهد بروكينغز" الأميركي أسبابا للتفاؤل.

إذ وجدت أنه على المدى الطويل قد يكسب الأطفال الأذكياء أكثر من الأطفال الأثرياء، وإن وجدت أن هذا لا يعني انزلاق الأطفال الأثرياء ذوي القدرات المتوسطة إلى الفقر، وذلك بعد دراسة العلاقة بين الأدمغة والتحفيز والحراك الاقتصادي بين مجموعة من الشباب بدأت الحكومة في تتبعها في عام 1979.

وبحسب نتائج اختبار القدرات المعرفية في أواخر سن المراهقة؛ تبين أن الأطفال الأكثر ثراء يسجلون نتائج أعلى، إذ يحتل 6 من كل 10 أطفال من أغنى شريحة المراتب الأعلى في الاختبار، في حين يحتل 6 من كل 10 أطفال من أفقر شريحة من العائلات الثلث الأدنى.

لذلك أكدت الدراسة أنه قد يكون "من الأفضل أن تكون ذكيا وغنيا على أن تكون ذكيا وفقيرا"، حسب تقرير نشرته مجلة "ذا أتلانتيك" (The Atlantic) الأميركية عام 2013.

وخلصت الدراسة إلى أن الأطفال الفقراء الأذكياء يتمتعون بفرصة جيدة ليصبحوا من الطبقة المتوسطة أو العليا، لكن أيضا لم ينزلق الكثير من الأطفال الأثرياء ذوي "المهارات المتوسطة" إلى الفقر.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي