«ألكاراس» للاسبانية كارلا سيمون… الخوف على الأرض ومستقبلها المجهول

2022-02-21

 فيلم «ألكاراس» للمخرجة الإسبانية كارلا سيمون، الفائز بالدب الذهبي (تواصل اجتماعي)نسرين سيد أحمد

ثمار خوخ ومشمش ناضجة، أشجار تحمل الكثير من الخير، بيت عامر بالصخب وأطفال يمرحون في الشمس ومائدة عامرة، هذا ما نراه وما يبقى معنا بعد مشاهدة فيلم «ألكاراس» للمخرجة الإسبانية كارلا سيمون، الفائز بالدب الذهبي، أكبر جوائز مهرجان برلين السينمائي في دورته الثانية والسبعين (10 إلى 20 فبراير/ شباط 2022 الجاري).
في «ألكاراس» وهو اسم قرية زراعية صغيرة في إقليم كاتالونيا في إسبانيا، تقدم لنا سيمون، بحب كبير وبحرفة سينمائية عالية مصقولة، الأرض التي نشأت فيها. في بداية الفيلم نرى أفراد أسرة من أجيال متعاقبة، من الجد إلى الأب والأم والأبناء بأعمارهم المختلفة، وهم يجمعون محصول ثمار الخوخ الناضجة من بستان ممتد وسط شمس الصيف الساطعة. هم يعملون بجد كبير ويكدحون، لكن هذا الكدح وسط الحقول يتخلله الكثير من المرح والفخر بمحصول وفير وثمار من أفضل ما تجود به الأرض. الأسرة التي تزرع هذه الأرض وتجني ثمارها هي عائلة «سولي» التي تعمر تلك المزرعة في تلال كاتالونيا عبر أجيال متعاقبة. لكن حياة هذه الأسرة وأسلوبها في العيش، والبساتين التي كانت دوما شغلها الشاغل ومصدر رزقها، يواجهون تحديا كبيرا من الشركات الزراعية الكبرى، ومن تغير الأولويات الاقتصادية في البلاد. هم يجمعون الثمار وسط إحساسهم بأن الحياة التي عرفوها وسط أرضهم توشك على الاندثار والزوال.
في فيلمها الروائي الطويل الثاني، الذي يأتي بعد فيلمها الأول «صيف 1993» الذي أنجزته عام 2017، والذي شهد انطلاقته الأولى أيضا في مهرجان برلين، تعود سيمون إلى الأرض التي شهدت صباها، لكن التركيز في «ألكاراس» ليس على ذكريات الطفولة، كما كان الحال في «صيف 1993» لكن على واقع هذه الأرض ومستقبلها. هو فيلم نستشعر فيه حب سيمون لتلك الأرض ولتلك الأسرة الكادحة التي تزرعها. وهو فيلم تثبت فيه سيمون تمكنها من صنعتها في الإخراج، وإدارة طاقم كبير من الممثلين غير المحترفين. ذلك الحنين لتلك الأرض المشمسة ذات الثمر الناضج الوفير، ولضحكات هؤلاء الأطفال وسط الحقول، يحمل في طياته الكثير من الأسى والخوف على المستقبل المجهول لتلك الأرض. عائلة سولي التي تزرع هذه الأرض، وتتعهد محصولها بالرعاية، هي أسرة من المزارعين المستقلين أصحاب الملكية الصغيرة، ولا قبل لهم على مواجهة الشركات الزراعية والغذائية الكبرى، التي تسعى لشراء محاصيلهم بثمن بخس، كما لا قبل لهم على مواجهة أصحاب الأراضي، الذين قرروا أن الزراعة لم تعد تجلب دخلا كافيا فقرروا تجريف أراضيهم وقطع الأشجار، لتحل محلها لوحات الطاقة الشمسية، التي تدر دخلا كبيرا. شيئا فشيئا تتوارى حقول الخوخ لتحل محلها حقول من ألواح الطاقة الشمسية. أفراد عائلة سولي ذاتهم منقسمون حول مستقبل هذه الأرض، فعلى الرغم من ارتباط الجد ومعظم الأبناء بالأرض والبساتين، إلا أن بعض أبناء العمومة يفضلون الربح الأكبر والجهد الأقل الذي تتطلبه لوحات الطاقة الشمسية.

تدخلنا سيمون وسط صورة حقيقية للعيش في منزل يضم أسرة كبيرة في قرية صغيرة. تتداخل الأصوات،
يتشاجر الصغار ثم يتصالحون ويمرحون. يتجادل الكبار وتختلف وجهات نظرهم وآراؤهم.

لا تستعين سيمون بممثلين محترفين في الفيلم. طاقم التمثيل بأكمله من السكان المحليين لتلك القرى في تلال كاتالونيا، ويتحدثون اللهجة المحلية. خلقت سيمون أجواء من الأصالة، باستخدام وجوه حقيقية لأهل المنطقة، فهم يعبرون بصدق عن الأزمات التي تعيشها منطقتهم في هذه الآونة. وقدرة سيمون على إدارة هذا العدد الكبير من الممثلين غير المحترفين، دليل على تمكنها الكبير من أدواتها كمخرجة.
تدخلنا سيمون وسط صورة حقيقية للعيش في منزل يضم أسرة كبيرة في قرية صغيرة. تتداخل الأصوات، يتشاجر الصغار ثم يتصالحون ويمرحون. يتجادل الكبار وتختلف وجهات نظرهم وآراؤهم. لكن الجميع يعمل بجد وكد لجني المحصول في وقته المناسب. في المشاهد الأولى للفيلم تعلم عائلة سولي أن ماضيها الطويل وحاضرها في تعهد تلك الأرض بالرعاية والزراعة، يوشك على الانتهاء. تعلم أن أصحاب الأرض يفضلون ألواح الطاقة الشمسية على محصول الخوخ وبساتين المشمش. وبينما تعلم الأسرة أن مصيرها صار محتوما، إلا أن روح المقاومة المستمدة من هذه الأرض والكدح فيها تمدهم بالقوة والتحدي. تمتد مائدة الطعام التي تسع الأسرة وأصدقاءها، ويمرح الأطفال، وتعصر الأسرة العنب، وتصنع النساء الحلوى والمربى للبيت والبيع. كل هذا يحدث والأسرة تخطط للمشاركة في احتجاجات شملت القرى المجاورة والمزارعين ويغطيها الإعلام.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي