السودان في شعر الدكتور محمد عبده غانم - عبدالغفار أحمد جميل

خدمة شبكة الأمة يرس الإخبارية
2010-01-02

الحديث أو الكتابة عن الشاعر الباحث التربوي والكاتب الفذ المرحوم (د.محمد عبده غانم) لا يسعه هذا المجال، فالرجل طرق أبواباً كثيرة في مجالات تأليف الاطروحات الجامعية، كما كتب في اللغة والنقد الأدبي والجغرافيا وله إسهام ملحوظ في الأغنية اليمنية...وإذا ضمنت هذا البحث نشاطاته الأدبية والثقافية والفكرية في اليمن لاحتجت إلى مجلدات ومجلدات. وقد وصفه الشاعر الفيلسوف (عبدالله البردوني) رحمه الله بــ(النهر الجاري) ولهذه اللفظة مدلولاتها التي لا تخفى على القارئ.. وخلال بعض جلساتي مع (البردوني) سألته عن الدكتور/محمد عبده غانم فقال لي بالحرف الواحد(أي جانب من هذه الجوهرة. إنك كلما سلطت عليه ضوءاً من جهة شع بألوان عدة في جهات أخرى).
وقد قال عنه الأخ/ صالح قاسم المفلحي(لقد كان للدكتور محمد عبده غانم قصب السبق والريادة) فهو الرائد في أنه أول طالب تخرج من الجامعة الأمريكية في بيروت على مستوى الجزيرة والخليج..
وهو الرائد في حمل مشعل التجريد متأثراً عمن سبقوه من الرواد الأوائل وهو الرائد في الكتابة عن الوحدة اليمنية.. والوحدة اليمنية تسري في عروقه لتضخ في قلبه العاشق المزيد من الحب لتجعل منه حادياً للعروبة والوحدة العربية داعياً لها ولو على مستوى بلاده:-
دياري دياري ديار اليمن
ومن سفح صنعاء وحتى عدن
وهبنا لك الروح قبل البدن
وقلت لك الروح منا ثمن
وعن هذا الشاعر العملاق، حادي ركب الوحدة، والحادب على العروبة وأهلها والباحث عمَّا تبقى لها من أصول.. كتب «محمد أحمد النهاري» قائلا:
«من أبرز صفاته أنه كان حريصا على المواعيد، فلديه ذاكرة مدهشة مهما كانت المشاغل كثيرة، وكأن هذا الالتزام يعلمنا الفضيلة والشجاعة الأدبية والاعتداد بالذات كما أن من صفاته أنه علم تلاميذه كيفية الوصول للموضوع من أقصر الطرق.
وكان يتوهج سعادة عندما يناقش أحد تلاميذه فكرة جديدة غير مسبوقة».
أما أنا فقد كنت أعمل بمدرسة (آزال الوادي) معلما، وبحكم أنها تحت إدارة جامعة صنعاء وموقعها ومدخلها مجاور لسكن د. محمد عبده غانم.. كنت أنتهز الفرص لأجلس معه يحدثني عن السودان ويحدثني عن المنتديات الثقافية وعن أصدقائه وكان يسهب في الحديث عن المرحوم: بروفيسور/ عبدالله الطيب.. كنا نجلس تحت ظل شجرة قرب سكنه .. وكان يفيض في الحديث عن السودان وهو مغرورق العينين وتتدافع الذكريات هنا وهناك ... يقفز بأفكاره  في مواقع كثيرة .. وأحسست أن هذا الوفاء لبلدي الحبيب وأن هذا العطاء غير المنقطع وأن.... وأن.... وأنها ينبغي أن يوثق لها... وقررت بتواضع جم أن أبدأ بإلقاء دلوي في هذا البحر الخضم.. وكان ما يحيرني ... من أين أبدأ؟ أما كيف أنتهى فذلك أمر لا نهاية له وسيتضح للقارئ صدق قولي في أبيات تعتبر وصية يقوم بالوفاء بها ابنه د. نزار وذلك حين قال د. محمد عبده غانم:

ولقد خلفت للعهد على الشط سليلي
يرد الحوض ليسقي من نمير سلسبيل
واثقا أن سوف يحظى كأبيه بالجزيل

ومما شجعني أيضا على الخوض في الأمر أن الإخوة بالسفارة السودانية وعلى رأسهم الأخ الدرديري محمد أحمد - الدبلوماسي والذي كان بالسفارة السودانية باليمن أصر ولاحقني كثيرا لأكتب عن هذا العملاق وخاصة عندما أصدر ابنه الدكتور/ نزار محمد عبده غانم (السوماني) كتابه. (جسر الوجدان بين اليمن والسودان).
وحثني الكثير أن اكتب عن (جسر الوجدان) وعن الدكتور (محمد عبده غانم) وبينما أنا في حيرة من أمري نعى الناعي الشاعر الفحل (د. محمد عبده غانم) عم أكتب: عن وفائه؟.... عن حبه للسودان؟.... عن أصالته وإخلاصه؟ عن حسه المرهف؟...... عن مجالسه الأدبية في السودان، حين كان أستاذا دكتوراً بقسم اللغة العربية بكلية الآداب... في الفترة (4791م - 7791م) حين عرض عليه البروفيسور/عبدالله الطيب - الذي كان مديراً لجامعة الخرطوم أن يعمل بالسودان - وبالفعل اصطحب معه شريكة حياته السيدة/ منيرة محمد علي لقمان وابنه الأصغر (نزار)ومن هنا بدأت العلاقة الحميمة.
الذكريات والتي تجسمت لدى ابنه (د.نزار) حتى أنه قال لي مرة صدقني أنني لا أخال سودانيا يفوقني حبا للسودان !!.
وفي إحدى المرات وعند زيارتي لصديقي د/نزار جلست مع والدته وكانت تحدثني عن السودان وسألتني عن المدة التي مكثتها في اليمن. فكانت إجابتي (طاشر سنة) فقالت لي (لو جلست نصف قرن ما أظنك تحب اليمن زي ما نزار حب السودان - يا أستاذ: نزار أصبح سودانياً وكلامه كله سوداني - «الزول دا أكان ما مشى السودان ما بيرتاح» وذلك كان قبل أن يذهب للعمل بالسفارة اليمنية في المستشارية الثقافية، وحقيقة أنا أحب اليمن لكن.. يا ترى هل أفوق د/نزار في حبه للسودان؟.
اسمح لي أيها القارئ أن أرجع قليلاً - ألم أقل في بداية حديثي (من أين أبدأ) أجلس مع د/ محمد عبده غانم قليلا تحت ظل الشجرة يحدثني عن بلدي... وأنا أسأل وأسأل فأجد نفسي أمام علماء السودان كله.. وليس في ذلك مبالغة... كان يسألني عن بروفيسور/ عبدالله الطيب صديقه الصدوق.. وكانت إجاباتي ترضيه وتظهر على قسمات وجهه مشرقة ... كنت أحدثه عن نشاطه المستمر في أجهزة الإعلام وأنه مازال يغوص في بحار الأدب حتى قاع الجاهلية ..ومازال ينقب عن جواهر بلاغة القرآن... وكان يسألني عن الكثيرين من الأدباء وبكل أسف لم تكن إجاباتي بالقدر الكافي الذي يرضيه.. حيث كنت أجيب مستقيا معلوماتي مما يكتبون ومما أسمع عنهم... كان يسألني عن:
د/ الحبر نور الدائم و د/علي الريح وعن عز الدين الامين ود/ يوسف فضل وعن صلاح الدين المليك ومحمد الواثق وغيرهم ... وغيرهم.
يسألني عن ملتقى النيلين (المقرن) وعن شوارع الخرطوم - شارع البرلمان - شارع الجمهورية - شارع النيل - شارع الجامعة - السوق العربي - المكتبات - الصحف - وعن القارئ السوداني - والمواصلات - سوق الفواكه والكباري والحدائق والزهور والأشكال الهندسية.
ثم يسألني عن حرارة بلدي في أشهر معينة ويقول لي إن حرارة السودان لا تفوقها إلا حرارة حبي للسودان ولأهل السودان». ثم تنحدر دمعة حرى تتهادى على خده تتعثر حيث تعترضها التجاعيد التي تذكرني بالأرض الخصبة حين ينحسر عنها النيل .. أو كالمنجم الذي يزخر بالجواهر والتي اصبح بعضها تيجانا تزين هامات الزمن تتمثل في أشعاره وما أنشأ وربى عليه أبناءه حاملين نفس المشاعر .. نفس الوفاء .. باذلين الجهد ليكونوا خير خلف لخير سلف كما تمنى.. وما دور ابنه دكتور (نزار) يخفى على أحد فإن الجهد المقدر والدور الكبير الذي يقوم به لتوثيق العلاقات بين الشعب السوداني والشعب اليمني يدل على عمق هذا الحب.
وهذا يظهر جلياً في كتاب (بين صنعاء والخرطوم والمجلد الثاني (جسر الوجدان بين اليمن والسودان).
حيث تتجلى (السومانية) في أسمى معانيها.
هنالك الكثير مما يمكن قوله .. وأراني قد أصبحت أسير مثل وقيم وأدب ووفاء وإكبار ونعوت لا فكاك منها.
عفواً عزيزي القارئ تظن أنني أسهبت .. ويقيني أنني أقللت.
هاهو الشاعر الوفي يتذكر الأيام الخوالي في قصيدته بعنوان (فوق السحاب) بديوانه الثاني (موج وصخر) وذلك حين سافر للسودان وصادف ذكرى استقلاله:

وأمسينا بوادي النيل نصغي
إلى أنغام خرته العذاب
ونلقى عنده قوما كراما
واخوانا من العرب العراب
بنو السودان جارهم منيع
وضيفهم المحكم في الرقاب
وكم فيهم لنا خل وفي
نبيل النفس سمح كالرباب
يذكرنا بعهد قد تولى
بأثواب الشباب وبالشباب
بيروت الجميلة حين كنا
رفاق العلم ندأب في الطلاب
نقضي ليلنا جداً وعزماً
على سنن اليراعة والكتاب


ولا يفوتني أن أذكر بأن الأديب الشاعر د/ محمد عبده غانم كان زميلاً وصديقاً لعدد من الطلاب السودانيين في بيروت ومن هؤلاء الزعيم/ إسماعيل الأزهري - ويوسف بدري - ونصر الحاج علي - ومحمد أحمد المرضي - ومكي شبيكة - وعبدالحليم علي طه ... وغيرهم وغيرهم.. ثم يمضي الأديب الشاعر ويراعه يقطر حبا للسودان... دار العروبة .. والتي لا تنطفئ فيها نار القرى... المنارات السامقة هي وهي المآذن والقباب.. فيقول بمناسبة ذلك العيد:

بني السودان والسودان دار
ليعرب سامق طلق الرحاب
بنته في ضفاف النيل أيد
مؤيدة بأفئدة صلاب
نزلت بأرضكم فدعيت فيها
إلى نار القرى من كل باب
فكدت لكثرة الترحاب أنسى
حنيني للأحبة والصحاب
بني السودان والسودان شعب
أحق الناس بالقدر المهاب
نزلت بقطركم في يوم عيد
نديّ اللحن مصطفق الملاب
ترف بنوده في كل دار
وتخفق في المنابر والقباب
برزتم فيه في حفل بهيج
تألق بالقشيب من الثياب
وأجمعتم به رأياً وسرتم
بجمع الرأي في النهج الصواب


ولا يخفى على أحد ما يكنه السودانيون لليمنيين من معزة ومكارم كما لا يخفى على أحد ما في قلوب اليمنيين من إخاء واحترام... فالشعبان يتشابهان ثقافة وتاريخا.. فالعادات والتقاليد الأصلية لم يبلها الزمن ولم تمحها السنون ومناسبة الاستقلال في السودان صادفت مناسبة أفرحت د/محمد عبده غانم وهي ترقية صديقه البروفيسور/ عبدالله الطيب إلى درجة أعلى.. ثم أن الأديب القاص الأستاذ (الطيب صالح) قد أخرج للدكتور غانم مسرحية (والمعروف أنه قد طبعت دار النشر بجامعة الخرطوم مسرحيتين شعريتين للدكتور غانم هما: (أروى - وعامر بن عبدالوهاب) وبذلك أصبح العيد ثلاثة أعياد.
وفي 13/21/6791م أنشد الشاعر د/ غانم قائلا:-

يانديمي إنها ليلة العيد بها نستضيف عاماً جديداً
فلنكرمه بالقيام إلى الفجر ونستقبل الضياء الوليدا
ولنبث القريض في ملتقى النيلين يجري على الضفاف نشيدا
يتغنى عيد الكرامة في استقلال شعب يحيا كريما مجيدا
فنحيي بذاك عيدين للسودان يلقاهما اللقاء السعيدا
بين قوم طابت بهم ليلة العيد وفاضت لحنا رخيا مديدا
أنطقتني بالشعر فيهم سمات بعد صمت أنسيت فيه القصيدا
وأنا المادح الوفي أرى المدح وفاء للمكرمات حميدا
يانديمي فارويا ما يقول الشعر عني عيداً فعيدا فعيدا

الغرام بالسودان وبأهل السودان وبليالي ذلك البلد الذي يعتبر النيل شريانه والخرطوم قلبه النابض حيث الملتقى، هذا الحب نقرأه في عيون أهل اليمن وما تكنه قلوبهم لنا من ود وألفة يصعب التعبير عنهما.. وفي قصيدة (على ملتقى النيلين) التي يصعب الاستشهاد بأبيات معينة منها لأنها تمتلئ هياما ووجدا فكل بيت فيها يفوق الآخر إشارة إلى ان اليمانيين أوفياء في عهدهم للهوى....

معاذ الهوى أن لا نهيم بذكرها
هياما يحيل الصمت عن ذكرها نطقاً
ومن كاليمانيين في العهد للهوى
وفاء إذا هاج الحنين بهم حقا
تغنوا به من قبل تعرف اللها
غناء وتاهوا في مسارحه سبقا

>>>

أيا ملتقى النيلين بوركت مورداً
تطيب به السقيا فيزكو بها المسقى
ويخفق للعشب الندى على الثرى
طرائق ما أبهى سناها وما أنقى
وتهتز في الصحراء من بعد ريها
جنان يشق الطيب أرجاءها شقا
لقيت بك السودان داراً ندية
كعهدي بها لما نزلت بها دفقا
يقال لنا: أهلاً وسهلا ومرحبا
فنعرف في القول الصراحة والصدقا
فما أنكرت أذني المقال لأنه
تحية قوم أشربوا اللطف والرفقا
ولا استغربت عيني الديار ولا رأت
سوى مارأت من قبل فيهن بل أرقى

>>>

أيا ملتقى النيلين بوركت مرتعا
وزاد بك السودان من خيرها رزقا
ولازالت الأغصان فيك رطيبة
على الضفة الخضراء تفعمها ودقا
ولا زالت الأزهار فواحة الشذى
تغازل بالعطر البلابل والورقا
ولازالت الأحرار تبني على الذرى
حماها وتبنى في حمايته الطرقا
ولازلت تجري ثائراً متمرداً
تصول على الاحداث إن أحدثت فتقاً

هذا، وقد ورد في كتاب « جسر الوجدان بين اليمن والسودان» وبناء على وقائع وحقائق « قد استثمر الشاعر وجوده في الخرطوم، فوثق صلاته بأدبائه أمثال (محمد المهدي المجذوب، ومحمد عثمان ياسين، ومحمد محجوب، وتاج السر الحسن).
وكان للأديب الدكتور « محمد يحيى الشرفي» دور  عظيم في تعريف السودانيين بمنزلة د/ محمد عبده غانم الأدبية، حتى أنه كان يحفظ شعره، ويلقيه عن ظهر قلب.
وهكذا تعرف «غانم» على الندوات الأدبية بأم درمان مثل ندوة/ عبدالله حامد الأمين وندوة مبارك المغربي.
والشاعر رغم أنه قد رحل عن السودان لكنه والسودان باق في وجدان الشاعر .. احتله وملك كل مساحاته:
وأخيراً صفق البين ونادى بالرحيل
وكأن الجسر والنيل بلاجسر ونيل
والتقاء النهر بالنهر محال من محيل
أو تباريح شجى أو تهاويل عليل
بات يشكو أثر الوهم على الجسم الهزيل


ثم تعلمون.. حنين الورقاء.. الحنين من حيث هو .. الوطن الأم.

وللأوطان في دم كل حر
  يد سلفت ودين مستحقُ
تذكر الشاعر أصدقاءه .. أرقه الفراق .. حن إلى المهد .. وفي ذات الوقت تشده رغبة البقاء .. وتقفز إلى أفكاره أسماء يلتقط كل مرة واحدا منها .. ولا يسمح له المجال بذكرهم جميعا:
ملتقى النيلين هل من بعد التلاقي من مثيل
من كريم الصحب ما طوق عنقي بالجميل
أو صلاح الدين والواثق والحبر الجليل
ولو أنصفت لما أغفلت ذكراً لزميل
سيما الطيب عبدالله ذي الباع الطويل
فلقد عشت وحولي منك في البذل المنيل
ومن كفتحي والفتى الريح في الخير الجزيل
أو كعز الدين أو يوسف ذو الفضل الفضيل
حاضرٌ أو غائبٌ عن ظاهري لا عن دخيلي
وبالفعل كان (لا بد من صنعاء وإن طال السفر)
وهكذا بقى د. محمد عبده غانم في وجدان كل سوداني عرفه أو اطلع على شعره، ثم تكررت زياراته للسودان بسبب العلاقات الوثيقة بين نظام التربية والتعليم في البلدين وتحل بالسودان كارثة الفيضانات والسيول في عام 1988م فإذا بيراعه ينزف دما .. والقصيدة كلها دموع ولوعة وهذه مقتطفات منها:
كم ذهلنا (خرطوم) للنبأ المشوم لما إطار منها الصوابا
أين سود العيون كم سحرتنا وعرفنا منها الهوى والشبابا
أين سمر السيقان يعزفن على القاع بأبنوسها اللحون العجابا
ما دها النيل يستبد بخرطومه وبالمقرن النبيل رحابا
لو بكيناك بالدموع إلى أن جفت الموق لم تحرنا جوابا
لو نوفي المصاب (خرطوم) ما في النفس من حرقة لزاد التهابا
لو نواسيك بالمئين وبآلاف لم نقض حقك المستجابا
ولا يخفى على أحد تلك الوقفة حين تدافع الشعب اليمني للتبرع بالمال والغذاء حتى يقال أن الخبز اليمني كان يصل إلى اقصى المناطق المتضررة ساخنا أو (حاميا، باللهجة اليمنية) وهذا مثال صادق لعمق العلاقة.
واليمنيون أنفسهم لا ينسون مساندة أشقائهم السودانيين حين ضرب الزلزال منطقة (ذمار) حينها وقف السودان حكومة وشعبا مع إخوته اليمنيين في تلك المحنة.
وعندما شبت واندلعت حركة الانفصاليين وقف الشعب السوداني كله مناصرا الوحدة.
ولا أخالني مبالغا لو قلت أن مساجد السودان كلها كانت تعج بالمصلين مبتهلين بالدعاء لنصرة الحق ودحر الباطل .. وأن أي سوداني عائد من اليمن في تلك الأيام كان يستقبل استقبالا ينبئ  بأنه قد قام بالواجب وعاد مكللا بوشاح النصر .. هذا ..
وفي هذا الكتيب قصيدة لي نشرتها صحيفة الثورة اليمنية أشكر فيها الإخوة اليمنيين لموقفهم حين فيضان السودان:
أنتم أوفى من النيل فيضاً
  وأعتى من مارب شموخا وبنيانا
ولأعود بعد هذا الخاطرة إلى دكتور محمد عبده غانم
وكأنه يذكرنا بأن العمر فان وأنه قد بلغ السبعين في قصيدته (السبعين) حين بلغ السبعين من عمره ورغم ذلك يعتمل حب السودان في مشاعره وشعوره ويخفق قلبه كالأبيض الدفاق وكالأزرق العملاق .. يقول:
وأخيراً وافت السبعون من أيام عمري
بين بيروت وسط (التمز) شهرا تلو شهر
مدنف يطلب برءاً من أذى داء وضر
واستقر الشوط في السودان في خفض ويسر
في ضفاف النيل الأزرق في الأبيض يجري
حيث أم درمان والخرطوم بحري وبري
حيث للمقرن نهر لاب مشدوها بنهر
ملتقى النيلين أكرم باللقا طيبا وأحر
أي عيب في الفتى أن يخلط البيض بسمر
أن يجد في (الثوب) (كالشرشف) ما يسبي ويغري
يتهادى وهو والصندل في طي ونشر
حيث للعلم شعاع فاض في بر وبحر
حيث ما زال (نزار) وهو في بحث وذكر
دائما يسعى إلى الغاية في كد وصبر
يطلب (الطب) الذي يقضي على الداء ويبري
وإذا أنهكه البحث واضناه التحري
كان في العود له خير ملاذ ومفر
يجمع اللحن كما يهوى إلى اللحن الأغر
ويغني بأغاني الحب في أجمل نبر
بالملاء الأبيض الناصع قد جال بخصر
إن الدكتور محمد عبده غانم الشاعر الأديب الوفي قد جعل حبه للسودان وهيامه به يدخل في وصية الوالد لأبنائه والتي أصبح من الواجب الوفاء بها.
فهذا الدكتور (السوماني) نزار يحمل موروثات هذا الحب .. والدليل على ذلك ما بين أيدينا من مؤلفاته (بين صنعاء والخرطوم) والكتاب الذي صدر في ابريل 1994م (جسر الوجدان بين اليمن والسودان)..
كما ورد من أمثلة تجعلك تقف أمام شيخ الطريقة (السومانية) مشدوها .. يحدث عن أي شيء في السودان .. يقول (ويغني أغاني غرب السودان .. وأغاني (السماكة) في شرق السودان ويغني أغاني الوسط ويقول الشعر (الحلمنتيشي) باللهجة السودانية ويحدثك  عن شخصيات وعن ثقافات سودانية لا يعرفها إلا من عاش في السودان كل عمره، ومالي اذهب بعيدا فإنه صديقي أزوره في منزله..
التقيت والده رحمه الله مرات عديدة ولي معه جلسات أدبية حبلى بذكريات السودان بل إن والدته كانت تقول لي دوما (أن نزار يذوب حبا في السودان .. نزار في اليمن بجسمه وفي السودان بمشاعره وحسه).
إن ما قادني أن أدلف نحو هذا الموضوع - وصية والده المرحوم الدكتور محمد عبده غانم والتي وردت في قصيدة (وداع الملتقى) يودع الخرطوم وزملاءه من هيئة التدريس ويذوب وجدا بالسودان ولكنه يتوقع ما يشفي الغليل ذلك هو ابنه النبيل والذي نفذ الوصية وما زال يوفي بالعهد الأصيل.
ملتقى النيلين قد كنت إلى الخير دليلي
ملتقى النيلين مازلت على العهد الأصيل
ولقد خلفت للعهد على الشط سليلي
يرد الحوض ليسقي من نمير سلسبيل
واثقا أن سوف يحظى كأبيه بالجزيل
وأخيراً أيها القارئ العزيز - من حظي بالجزيل؟

بالتأكيد السودانيون جميعا .. إنه من الواجب علينا أن نتقدم بأجل الشكر لهذه الأسرة الوفية الكريمة ممثلة في (السليل) د.نزار...
أو لا تجدني محقا أن أوثق لهذه الشخصية الوفية؟؟
أو لم يخطر ببالك أن الفرصة أتيحت لي لأقوم بالواجب نيابة عنك؟
إنه جهد المقل حين وجدت نفسي مجبرا أن أفي ببعض الدين .. إن الأمر يحتاج إلى دراسات وأبحاث و.. و.. أتمنى أن يقوم بها غيري ممن تتوفر لديهم الإمكانات المختلفة ليكتبوا عن:(السودان في شعر الدكتور محمد عبده  غانم).

(أمين الثقافة بالجالية السودانية)بالجمهورية اليمنية

 

 السيرة الذاتية

د/ محمد عبده غانم في سطور
ولد الشاعر د/ محمد عبده غانم في الخامس والعشرين من المحرم سنة1330هجرية الموافق 15 من يناير سنة 1912م بمدينة عدن وتوفى في الثاني من ربيع الأول سنة 1415 هجرية الموافق 9 أغسطس سنة 1994م في صنعاء ودفن فيها في مقبرة خزيمة وقد حضر مواراته الأخيرة رحمة الله ثلاثة من أولاده وعدد كبير من الأهل والأصدقاء والمثقفين والأعيان ورجال الدولة والمواطنين. 
 دراساته ومؤهلاته العلمية والمهنية:
1ــ بكالوريوس آداب بدرجة ممتاز من الجامعة الأمريكية ببيروت عام1936م وكان بذلك أول خريج جامعة حديثة في الجزيرة العربية( أي اليمن ومنطقة ما يعرف اليوم بمجلس التعاون الخليجي).
2ــ  شهادة فن التدريس من الجامعة الأمريكية ببيروت عام 1936م
3ــ دبلوم ما بعد التخرج في التربية من جامعة لندن عام1949م
4ـ بكالوريوس آداب بدرجة الشرف الأولى في اللغة العربية من جامعة لندن عام1963م
5ــ دكتوراه في الفلسفة في آداب اللغة العربية من جامعة لندن عام 1969م
محطات في حياته المهنية:
1ــ تدريس العربية والانكليزية بمدارس عدن الثانوية1937 ـــ 1941م
2ــ مساعد ضابط المعارف بعدن 1941ــ 1945م
3ــ ضابط دائرة المعارف في كل مراحل التعليم بعدن 1945 ــ 1956م
4ــ وكيل مدير المعارف بعدن 1956 ــ 1960م
5ــ مدير المعارف بعدن 1960 ــ 1963م
6ـ التقاعد الاختياري لدراسة الدكتوراه كطالب خارجي والعمل مديرا في شركة شهاب للتامين1963 ــ 1967م
7ــ عمل رئيسا ً لمجلس إدارة ميناء عدن 1967 ــ 1968م
8ــ هاجر من عدن للعلاج عام 1672م ثم عمل مديرا لشركة تجارية في جيبوتي حتى عام 1974م
9ــ أستاذ بدرجة بروفسور ورئيس قسم اللغة العربية في جامعة الخرطوم1974 ــ 1977م
10ــ عميد كلية التربية وأستاذ الأدب العربي بجامعة صنعاء 1977 ــ 1980م
11ــ المستشار الثقافي بسفارة اليمن في دولة الإمارات العربية المتحدة 1980 ــ 1984م
12ــ أستاذ الأدب العربي ومستشار مدير الجامعة وأول عميد لكلية الدراسات العليا بجامعة صنعاء 1984 ــ 1993م
من إسهاماته في الحياة الاجتماعية والثقافية:  
ــ ترأس نادي صيرة للتنس منذ تأسيسه في الخمسينيات إلى أن غادر عدن عام1972م
ـــ أسس وترأس مؤسسة نوادي الأحداث لسنوات طويلة
ــ ترأس نادي الإصلاح بالتواهي وحلقة شوقي  عدة سنوات وكان والده السيد عبده غانم عضو مجلس التشريعي والكنترول أول رئيس لذلك النادي
ــ كان رئيسا للجنة تأليف الكتب المدرسية التي كانت تضم أمثال الأساتذة عبد الرحيم لقمان وإبراهيم روبله وهاشم عبدالله والشاعر لطفي جعفر أمان وكانت بعض اجتماعات اللجنة تعقد في منزل غانم
ــ شارك في عشرات المؤتمرات التعليمية والأدبية في دول عديدة ومنها مهرجان شوقي وحافظ في مصر عام 1982م وندوة الهمداني في صنعاء كما ساهم في عدد من المشاريع الثقافية ومنها معجم قابوس للأسماء العربية في مسقط.
ـ  كان من مؤسسي ندوة الموسيقى العدنية عام1949م وكتب كلمات أول أربع أغنيات عدنية غناها خليل محمد خليل ثم كان من مؤسسي رابطة الموسيقى العدنية عام 1951م وغنى له عدد كبير من الفنانين اليمنيين أكثر من 50 أغنية ومن هؤلاء الفنانين خليل محمد خليل وسالم أحمد بامدهف وأحمد بن أحمد قاسم وفرسان خليفة ومحمد سعد عبدالله وأيوب طارش وعبدا لقادر بامخرمة وعلي أحمد الجاوي وفتحيه الصغيرة وأمل كعدل وهيام يونس, وغيرهم.
- حصل على العديد من الجوائز ومنها الجائزة الأولى للشعر من جمعية العروة الوثقى ببيروت عام 1936م وخمس جوائز عالمية ومحلية للشعر من هيئة الإذاعة البريطانية خلال سنوات الحرب العالمية الثانية بين 1940- 1945م.
- كان رئيساً لجمعية الشعراء في عدن في الخمسينيات وكانت اجتماعات الجمعية تعقد في منزله، كما شارك في تأسيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين عام 1970م.
- نشرت قصائده ومؤلفاته في الصحف والمجلات والدوريات العلمية في مختلف البلدان ومنها فتاة الجزية العدنية والرسالة القاهرية والأدب البيروتية والآداب البيروتية والعربي الكويتية والدوحة القطرية والفيصل السعودية والشعر القاهرية واليمن الجديد اليمنية ومجلة كلية الآداب في الخرطوم وفي صنعاء.
- له أكثر من عشرين كتاباً منشوراً بين ديوان ومسرحية ودراسة وقد نشرت بعض كتبه دور نشر رئيسية مثل دار المعارف بمصر ودار العلم للملايين ببيروت ودار العودة ببيروت وبعض مؤلفاته نشرت بعد وفاته.
- منح وساماً من درجة عضو عام 1955م ثم من درجة قائد من الملكة اليزابيت الثانية لخدماته في حقل التعليم عام 1961م، كما منح وسام الآداب الفنون من رئيس جمهورية اليمن الديمقراطي عام 1989م قبيل الوحدة.
- كرم مرات عديدة أثناء حياته فقد كرم في عدن إثر حصوله على الجوائز الشعرية العالمية في المسابقات الشعرية التي أقامتها هيئة الإذاعة البريطانية خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، وكرم من قبل نادي المعلمين بعدن عند ترقيته إلى منصب مدير المعارف، وكرم من قبل اتحاد الأدباء والكتاب بصنعاء في حفل خاص به، وكرم من قبل ندوة الثقافة والعلوم بدبي إثر أمسية شعرية مشتركة مع نجله د. شهاب غانم عام 1989 وكرم مع آخرين ساهموا في مشروع قابوس للأسماء العربية بمسقط، وأمر الرئيس اليمني أن يبقى في السكن الجامعي عقب تقاعده دون إيجار وأن يبقى له ولزوجته مدى حياتهما.
- كرم عقب وفاته بإطلاق اسمه على مدرسة ثانوية بخور مكسر بعدن وعلى قاعة من قاعات جامعة صنعاء وأقيم أسبوع ثقافي في صنعاء عام 1999م لإحياء ذكراه وأقامت مؤسسة أحمد جابر عفيف الثقافية أثناء ذلك الأسبوع حفلاً لذكراه وقدمت ميداليتها لأرملته وأبنائه، وكرمه اتحاد الأدباء والكتاب بصنعاء في أكتوبر 2007م.
- كان يعامل بالإكبار من قبل رجالات اليمن وأعيانها. وممن زاره في منزله في عدن من كبار الحكام والسياسيين وممن شاهدت والي عدن الأسبق السير توم هيكيمبوتام ووالي عدن الأسبق السير وليم لويس (الذي استدرجني إلى نقاس في السياسة لم نتفق فيه) وشريف بيحان ورئيس وزراء عدن الأسبق السيد زين باهارون والرئيس الأسبق علي ناصر محمد والرئيس الأسبق عبد الفتاح إسماعيل وعدد كبير من الوزراء والمسئولين. كما زاره معظم أبناء جيله من الأدباء والشعراء اليمنيين أمثال القاضي الشهيد الزبيري والشيخ أحمد نعمان والسيد أحمد الشامي والشهيد القاضي الموشكي وعلي أحمد باكثير ولطفي أمان ومحمد سعيد جراده وعبد الله فضل فارع وطبعاً كل آل لقمان الذي كان لهم صهراً. وزاره في منزله في السودان أمثال رئيس الوزراء الأسبق أحمد محمد محجوب والدكتور عبد الله الطيب وكبار الأساتذة والأدباء وفي منزله في صنعاء زاره أمثال الدكتور عبد الكريم الأرياني وعبد العزيز عبد الغني والدكتور عبد العزيز المقالح ومحمد سالم باسندوه كما زاره عدد من الشعراء العرب أمثال عمر بهاء الدين الأميري والشاعر المهجري إلياس قنصل وعبد الوهاب البياتي وعبد المنعم عواد يوسف وحسن فتح الباب، أما فخامة الرئيس علي عبدالله صالح فقد قدم غانم إلى سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمة الله في حفل إستقبال في أبو ظبي بعد تعيين غانم مستشارا ً ثقافيا ً لسفارة اليمن في الإمارات عام1980م قائلا ً بأن اليمن بتعيينه تكون قد أوفدت إلى أبو ظبي أكبر مفاخرها وشعرائها ومثقفيها.
مؤلفاته محمد عبده غانم من الكتب
دواوين شعرية:     
1ــ على الشاطئ المسحور, كطبعة فتاة الجزيرة بعدن,1946بمقدمة للشاعر.
2ــ  موج صخر, دار المعارف بمصر, 1962م بمقدمة لإبراهيم العريض.
3ــ حتى يطلع الفجر, المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع ببيروت, 1970م.
4ــ في موكب الحياة, دار الأفاق الجديدة ببيروت 1973م.
5ــ في المركبة, دار العودة ببيروت1979م.
6ــ الموجة السادسة, دار آزال للطباعة والنشر ببيروت, 1985م.
7ــ الأنامل الجافة, مركز عبادي للدراسات والنشر بصنعاء, 1999م بمقدمة للدكتور شهاب غانم.
8ــ ديوان محمد عبده غانم 5 دواوين, دار العودة ببيروت, 1981بمقدمة الدكتور عبدالعزيز المقالح.
9ــ الأعمال الشعرية الكاملة 7 دواوين, وزارة الثقافة والسياحة بصنعاء, 2004م تقديم الدكتور عبدالعزيز المقالح.
10ـ حمينيات صدى صيرة كلمات الأغاني باللهجة العدنية, دار الحداثة ببيروت 1994م مع دراسة للدكتور نزار غانم.
المسرحيات الشعرية:
1ـ سيف بن ذي يزن , دار العلم للملايين ببيروت 1964م, والدار اليمنية للنشر والتوزيع, 1986م.
2ـ الملكة أروى, دار جامعة الخرطوم للنشر, 1676م بمقدمة للدكتور خالد المبارك.
3ــ عامر بن عبد الوهاب, دار جامعة الخرطوم للنشر, في مجلد واحد مع الملكة أروى.
4ــ فارس بني زبيد, منشورات جامعة صنعاء1984م, والدار اليمنية للنشر 1985م تقديم الدكتورة رجاء عيد.
5ــ الثائر الأحمر, مركز عبادي للدراسات والنشر بصنعاء عام 1999م.
كتب نثرية:
1ــ قواعد لغة عدن الإنكليزية بالاشتراك مع أمرسن, مطبعة المعري بعدن, 1943م.
2ــ عدني يتحدث عن البلاد العربية والعالم 8 طبعات منذ 1952م, وآخرها في دار مصر للطباعة 1966م.
3ـ لغة عدن المبتدئين بالإنكليزية,مطبعة السلام بعدن 1955م, ومطبعة ستيفن أوستن بلندن 1958م بمقدمة لحاكم عدن يوم ذاك لسير وليم لوس. وقد أرجعها د/ عصام غانم ونشرها تحت عنوان لغة عدن اليمن للمبتدئين, مركز عبادي للدراسات والنشر بصنعاء, 1999م.
4ــ شعر الغناء الصنعاني, مركز الدراسات بصنعاء 1973م, ثم طبعات عديدة, دار العودة ببيروت بمقدمة للدكتور شوقي ضيف.
5ــ زمان الصبا تحقيق مركز الدراسات والبحوث بصنعاء 1981, الدار اليمنية للنشر والتوزيع 1987م, وزارة الثقافة والسياحة2004م.
6ــ صنعا حوت كل فن تحقيق , مركز الدراسات والبحوث بصنعاء1983م, الدار اليمنية للنشر والتوزيع الطبعة الثانية1987م, وزارة الثقافة والسياحة بصنعاء2004م.
7ـ مع الشعراء في العصر العباسي, المكتبة اليمنية وللنشر والتوزيع بصنعاء1985م.
8ــ دراسات في الشعر واللغة, ندوة الثقافة والعلوم بدبي 1999م, جمع وإعداد د/ شهاب غانم. 
 
 

موقع الدكتور محمد عبده غانم

http://mghanim.net/index.php?action=pages&id=1







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي