قصة قصيرة.. الحفلة!

2021-08-19

فادية الرفاعي

«كل كويتي غني، وكل بيت كويتي لا يخلو من تاجرٍ، وكل من يدخل الكويت لا يخرج منها إلا ومعه ما يُطعم حيّاً كاملاً في السودان!». هكذا قال لي ابن عمي عثمان قبل أن آتي إلى الكويت.

كنتُ في السودان سائق للحارة. أنقل أفراد الحيّ من مكان إلى آخر. اعتدت، بعد وفاة أبي، أخذ أمي إلى مستشفى أمراض القلب في الخرطوم في شارع «أفريقيا»، الذي يبعد عن بيتنا الواقع في منطقة «أبو حليمة» حوالي ساعة. وكانت أختاي فاطمة وسارة تجلسان في الخلف ترددان ما حفظتاه من آيات قرآنية على صدر أمي، وكأنما تُريدان لهذه الآيات أن تغير نتائج تخطيط القلب المعتاد لأمي.

قال لي عثمان: «اذهب إلى الكويت واشتغل سائقاً، فالسائق السوداني مرغوب هناك، ويتباهون به مقارنة بالسواقين الآسيويين، الذين لا يتكلمون العربية».

بعد سنتين من العذاب والتعقيدات، والصعوبات، ودفع كل ما أمكنني، وبالرغم من بقاء قلبي في السودان بين أمي وفاطمة وسارة، جئت إلى بلاد النفط والتجار!

«كومار» استقبلني في المطار، طبّاخ بيت أبي راشد: «أنتَ يونس؟»، سألني بلغة عربية مكسّرة، وبما أشعرني وكأنه مشمئز مني، «نعم». لوّح لي بيده أن أمشي وراءه حتى وصلنا إلى السيارة.

دخلتُ معه سيارة «مرسيدس» سوداء، أبوابها تقفل لوحدها! «البس حزامك». أمرني صوته وأنا ضائع بانبهاري بالسيارة وأضوائها وفرشها ومكيف هوائها البارد.. سيارة لم أرَ مثلها في أبو حليمة طوال حياتي.

«سمعتُ أن الكويت غنية وأن جميع أهلها تجار»، قلت لكومار.

«أهلها تجار، ونحن نخدمهم»، ردَّ كومار، وأضاف: «بابا لن يحب ثيابك». لم أفهم عبارته، وبقي طوال الطريق بصمته، حتى وصلنا إلى البيت فقال: «اسم المنطقة الضاحية».

توقّفنا أمام فيلا كبيرة يزيّن الرخام واجهاتها، وحولها حديقة كبيرة، وموقف سيارات، يحوي أكثر من خمس سيارات!

لم أقابل أحداً وأنا اتبع كومار لغرفة السواقين. بعد وصولي بساعة، نادى عليَّ رجلٌ في حوالي الخمسين، شعرتُ وكأن رائحته نفط، يلبس ثوباً أبيض، ويحمل في يديه مسباح.

«أنتَ يونس؟»:

«نعم».

«قل، نعم عمّي!»، نبهني بنبرة حادة، والتفت يخاطب كومار: «خذه الآن واشتر له ثلاث دشاديش بيضاء، وغترتين وعقال. هذا اللبس لا يصلح لبيتي».

«حاضر عمي»، ردَّ كومار.

«ليس لك ساعات عمل محددة»، عاد الرجل يكلّمني: «وقتك وعملك يتوقف على احتياجنا لك، يوم الجمعة يوم إجازتك وستأتي معنا إلى الشاليه».

لم أفهم معنى كلمة شاليه، ولماذا أقضي يوم إجازتي فيه، لكني هززت برأسي موافقاً وقلت «حاضر عمي».

استدارَ ذاهباً وقبل أن يبتعد التفت قائلاً: «ستقود السيارة المرسيدس السوداء، وأنت مسؤول عن نظافتها وأي شيء يصيبها». وسكت لثوانٍ ناظراً في وجهي، فأخافني وهو يقول: «أنا وزوجتي وأبنائي لا نفتح الباب. عندما نصل إلى المكان الذي نريد، تخرج أنت مسرعاً وتفتح لنا الأبواب».

منذ وصولي إلى الكويت قبل شهرين، حفظت المناطق القريبة التي اعتادت مدام غنيمة وابنتها عمتي تالا الذهاب اليها: منطقة الشويخ حيث بيت أختها، ومجمع الصالحية، وبيت صديقة عمتي تالا في منطقة النزهة، ومقاهي الستاربكس التي ترسلني إليها، ووحده ولدهم عمي راشد كان بشوشاً لا يتعبني حينما يركب معي.

عندما أرجعت عمتي تالا في بداية الأسبوع من مجمع الصالحية إلى البيت قالت لي: «في نهاية الأسبوع سنحضر عرساً كبيراً، البس أنت دشداشة نظيفة، واستخدم سيارة أبي وليس هذه السيارة»، ونبّهتني: «العرس سيكون في فندق «الفور سيزنز»، في الساعة الثامنة والنصف مساء بالضبط، جهّز نفسك من الآن!».

في ذلك المساء اتصلت بعثمان والفرح يقفز من نبرة صوتي، أخبرته: «سأذهب إلى عرس كويتي! لا أعلم ربما هذه من عادتهم أن يتباهوا بسوّاقيهم السودانيين، أعدك بأن أصوّر صوراً كثيرة من العرس!».

صباح اليوم جهزت ثوبي وعطرته. أعتقد أنها ستكون أجمل ليلة في حياتي! أخبرت كومار عن ذهابي إلى حفلة العرس، فنظر إلى بنظرة لم أفهمها، وعلت وجهه ابتسامة ظننت أنه يغار مني وذهابي مع عمتي تالا. وتعبت وأنا أحاول تخيّل شكل العروس الكويتية، بنت التجار والنفط والدنانير.

في السادسة لبست ثوبي المعطر، ورتّبت غترتي وعقالي كما علمني عمي راشد، وجعلت كومار يصوّرني، وبعثت بالصور لأختيّ وأمي، وقبل الثامنة خرجت إلى الموقف، ووقفت قرب السيارة انتظر المدام غنيمة وعمتي تالا.

طوال الطريق كنت أتخيل العرس والبنات الكويتيات والرقص والغناء ولحظة وقفت بسيارتي أمام باب الفندق، أسرع أحد موظفي الاستقبال ليفتح الباب للمدام، التي خاطبتني قائلةً: «الآن، اذهب إلى السوق لتشتري فحم، فراشد وأصدقاؤه عندهم حفلة الليلة، وستُساعدهم بشوي اللحم في الحديقة».

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي