معاناة الفردوس - قصص قصيرة

2021-08-16

عبدالوهاب جباري*


غيبوبة

لإمه قال :
_ أريد النوم .. ولو قليلا ياأمي ؟
_ عليك بتقطيع الحطب أعالي الجبل أولا؛ لنشوي جسدك سريعا به !
_ حاضر ..
وبعدما شبع الجميع من لحمه المشوي ، المضبي ، المقلي ، والمسلوق .. عميقا نام .

صديقي

على ضفة بحيرة روتردام الساحره يلتقط صورا للغروب المدهش ، وموجات صغيرة متعاقبة تنفض عنها غبار الزمان ..
فرادا وجماعات تتقافز البط والنوارس والحمام وتتحاشى غضب وسطوة البجع الكبير وبعض الأوز المتنرفز ؟
لمح فأرا أبيض يخرج ويعود بقلق بين شجيرات تفصل البحيرة عن رصيف المشاة ..
وهو يظهر لثوان ثم يختبىء ثانية ويكر هنا وهناك ثم يعود .. أخذ له صورا شتى ..
رمى له قطعة خبز وبعض البسكويت المملح فتردد كثيرا ؛ ثم أتى عليها جميعا ..
جبنة صغيرة ألقاها له ثاني يوم فلم يستطع من فك غلافها ، فساعده ، وقدمها له جاهزة للبلع
وبلعها متأملا ( كأنه يفكر هذه المرة ) ثم ما أنفك هاربا لجحره المغطى بالوريقات المبللة بالمطر ..
تكرر الأمر معه
والفأر الأبيض يبدو على هذه الوتيرة ..
أياما، أسبوعا ، شهرا ..
حتى تبدد الخوف داخل الفأر ؛ وبات يقترب منه أكثر فأكثر كأصدقاء
، حتى لو لم يكن بحوزته ما يقدمه له طعاما أو شيئا من العصائر يرتشفه ( يلطعه ) ..
ذات مساء .. مطمئنا.. عاد لشقته من البحيرة ..
فوجد كل غرفها مضاءة ولا أحد بداخلها فأنتابه الخوف الشديد (؟!)..
وبينما هو يقترب من بابها ، سمع صوت التلفاز عاليا ..
يصدح منه تجويد الشيخ عبدالباسط لسورة النمل على غير العادة !
وحين فتح باب الشقه رأى الفأر الأبيض واقفا ينتظره .. ويلعب بذيله ويحدق فيه ؛ على سطح مآئدة الطعام .

معاناة الفردوس

هبط مضطرا للحياة في هولندا ، دون تخطيط مسبق أو إختيار ..
لهولندا : جاءها سليما، مبتسما، معافى النفس والعقل والبدن ؟
هولندا المملوءة بالورود الجميله النفيسة ،النادرة معا ،
شوارعها وشرفات منازلها المكتظة بالزهور العطرة من كل صنف ولون وشكل وأحجام ؛
أصيب فيها من أريج الزهور ونفثات الورود وغبار الياسمين المتلألىء .. الغير متوقف ليل نهار ( بالحساسية ) ..
في الأنف المتعود على الغبار( الوطني ) والعوادم ( القومية )
وكل الملوثات العضوية منها ، والبصرية ( المتأسلمة ) .. ( قـبله ) ؟
الحساسية تلك أرغمته على العطس الكثير والقوي والمتكرر
ذا العطس أرهق ظهره وأضعفه !؟
وأمسى يعاني منه  حين حمل الأشياء والجلوس على الكنبة
لمتابعة إنتصارات أبقار الله في الشرق الأوسط وتآكل الشرعيات فيها أكثر من ذي قبل ؟
.. كما الجماع بشغف بات من الماضي السحيق الغابر والمشرف معا ..
وصار لايمارسه إلا بحساب _ المرضى من العجآئز _ دقيق ؟
عيناه ألتهبتا جراء العطس اللامتوقف وزيادة جرعات الأنف الدوآئية ..
ما أدى لصداع شبه دائم في مخيخه المتآكل جراء مشاكل الدنيا المعصلجة داخله !!
وأخيرا حل عليه ضيف ثقيل ودونما إستئذان يذكر .. نوبات (النقرس ) المؤلمة ..
بعد علاجات وإسعافات أيام ، وشهور ..
أضحت أمراضه الهولندية تتلاعب به
فتظهر أسبوع ثم تختفي ؟
لتعود فجأة بعد ليلة أو إثنتين على أشد مما سبق .. وهلم جرا ..
وبينما يتوجه متوسلا الرحمن في مسجد روتردام الكبيربحرقة ورجاء ملح ؛
ويتمنى تعجيل الشفاء العاجل من ألم الظهر وحساسية الأنف والعيون والصداع ونوبات النقرس ( ؟! ) ..
خرج باكيا من المسجد هذه المرة (غلب حماره ) ؟!
وهاهو اللحظة :
يجوب شوارع المدينه المزدانة بالورود والأزهار
والرياحين والأنهار
وكل الطيور والعصافير الملونة ، الجد جميلة ..
كما أناسها ..
صغارا وكبارا رجالا ونساء وأطفالا وحيوانات أليفة .. على كرسي متحرك ، جديد ( كهروإليكتروني ) .

مشوار

كان يدرس في القاهرة
حين هاجمته مشاعر الحزن وبداية حالة الإكتئآب
أستنجد بالمشي في الشارع
و ترك شقته بمافيها من مراجع ودفاتر وأقلام جافة ورصاص وملونة لبحوث يحضرها بحرص كبير ..
ولم يكترث لبرنامج (نادي السينما ) لدرية شرف الدين وضيفها د. محمد كامل القليوبي للتعليق على فيلم أجنبي مهم للغاية ؟
وخطر له كسر حالته النفسية الكئيبة بالتوجه من شارع الهرم حتى كورنيش النيل
وبينما يسير ببطء على رصيف الكورنيش الشبه خال ..هذه الليلة ؟
سمع إيقاع أقدام فرس أنثوي قريبة منه فألتفت ليرى ما يحلم به .. كما يأتيه في المنام فأستبشر حينئذ خيرا ..
وهو يقترب منها مغازلا.. لفحته سحابة ورآئحة دخان كثيف لحشيشة مبرومة بحرفية عالية ..
ورغم ذا قال لها مدللآ :
_ يعجبني وأنا أمشي أن يكون في الشارع معي فتاة جميله مثلك ؟ كم أحسد نفسي الآن وأنا أمشي مع أنثى جميلة جدا مثلك ..سأمسك الخشب !
_ روح إلعب بعيد .. باين عليك إبن حلال ومتربي غيرك كنت رميته في الميه على طول ؟
_ نعم ؟
_ أنا ( راجل ) ياروح أمك ببحث عن زبوني الليلة ماتعطلنيش الله .. (؟!)
فأستبد به _ قويا _ الخوف والتوتر فالحزن والسعال والإكتئآب الشديد من كل نوع .

*قاص وسيناريست يمني / هولندي _
-اللوحة المرفقة من الفن التشكيلي اليمني







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي