حقائب

2021-07-29

 تمارا محمد*

 

حقيبة (1)

تخرج أمل مغادرة بسرعة مبنى عملها وبصوت يلاحقها بالسرعة ذاتها يُناديها «أبو أحمد» مراسل الشركة التي تعمل فيها منذ سنوات عدّة «أستاذة أمل.. أستاذة أمل الحقيبة الحقيبة» تقف أمل بشكل مفاجئ قبل أن تخطو الأدراج المتبقية الفاصلة ما بين شارع المغادرة ومقر عملها تلتفت نحو أبو أحمد مبتسمةً تلك الابتسامة التي

حرصت على أن ترتسم على ملامح وجهها، من بين ركام الخوف والدمع الذي يسكنها في تلك اللحظة خِشية أن يُكتشف أمر ضعفها شاكرة أبو أحمد بصوت عجز عن تحديد موقفه، فاستعان بنظرة منها نحوه لربما استطاعت حينها أن تمنح الشعور معنى عجزت الكلمات عن منحه له.

على مقعد الانتظار تضع أمل حقيبتها الصغيرة السوداء ممسكة بيدها هاتفها المحمول والصحيفة التي اعتادت على شرائها صباحاً من بائع الصحف المتجول، إلا أنّ الوقت وفي هذا اليوم لم يسعفها لقراءة الصحيفة التي اعتادت قراءتها في كل صباح، وهي تشرب مشروبها المفضل «الشاي» بكوبها الأبيض خلف مكتبها. باتجاه هاتفها المحمول تارةً وباتجاه الصحيفة تارةً أخرى تنظر أمل بحيرة متسائلة، أيّأ منهما سينقل لها الخبر المُنتظر؟

« على السادة المسافرين التوجه للبوابة رقم (1)» لربما آن لأمل أن تدرك بأن ما حصل أصبح واقعاً، حتى باتت تشعر بأن من يجلس خلف «المايك» قرّر هذه المرة أيضاً أن يتحالف مع كل شيء يواجهها، فبات يعيد جملته الشهيرة كغير العادة، حتى كاد يُخيّل لها بأنه وبعد ثوانٍ سيختصها وتمر حروف اسمها بين رسالته الموجهة للمسافرين.

تقف أمل تضع الصحيفة على المقعد تحمل حقيبتها الصغيرة السوداء، لكن هذة المرة بطريقة مختلفة عن كل مرّة تضمها ضماً وبشدّة كالطفل الذي خاف أن يفقد دميته، متوجهة نحو رحلتها، دونما أن تقرأ ما يُمكن أن تحمل لها صحيفة اليوم من أخبار.

حقيبة (2)

الثامنة صباحاً تشير الساعة المعلقة أعلى باب المنزل بدخول نهار جديد ودونما أن يسأل رامي عن الساعة، كونه ما زال في الصفوف الأولى ولم يُتقن قراءة الساعة بَعد، يستيقظ رامي ملتزماً بالوقت المطلوب، حيث اعتاد أن يعرف وقت الاستيقاظ من أشعة الشمس المتسللة خلف ستارة سريره الصغير، وصوت أمه المتردد دونما انقطاع (صباح الخير يا رامي) (طابور الصباح يا رامي).

وكما المُعتاد ورغم ملاحظات والدة رامي المتكررة بضرورة تجهيز الحقيبة المدرسية ليلاً قبل النوم، وليس صباحاً فإنّ رامي لم يزل لا يعير هذه الملاحظة أي اهتمام يُذكر ويتوجه كل صباح من سريره نحو حقيبته ليضع الكتب فيها.

يُمسك رامي البرنامج الأسبوعي بحذر، رغم وجهه الذي لا تبدو عليه علامات الاستيقاظ بَعد، وبصوت منخفض يردد باحثاً بإصبعه «يوم الأربعاء.. يوم الأربعاء» بابتسامة صغيرة يُخاطب نفسه « ها هو يوم الأربعاء» الحصة الأولى لغة عربية، الحصة الثانية الرياضيات وهكذا.

يبدأ رامي بترتيب كتبه إلى حين الانتهاء، يتوجه سريعاً نحو مكتبه الصغير يُمسك المقلمة يضعها في الحقيبة يُغلقها بإحكام ويرتدي ملابس المدرسة حاملاً الحقيبة التي على الرغم من أنها تبدو ثقيلة بعض الشيء إلا أنّه وفي كل مرّة يرى أنّ الحقيبة لا يليق بها سوى أن تُحمل على كتفه.

تأتي الصباحات أحياناً لتُيقظ ما تستطيع إيقاظه وربما إنقاذه – المحطات الإذاعية يقرأ مذيعيوها أخبارهم العاجلة شاشات التلفزيون بمذيعي نشراتها الإخبارية في أوقاتها غير المعتادة تبث أخبارها العاجلة، لم تستطع مدينة رامي في هذا الصباح أن تنجو من القصف العشوائي على منازلها، هذا ما أجمعت عليه جميع نشرات الأخبار على اختلاف مصدرها.

صباح اليوم التالي تُشير الساعة المعلقة التي استطاعت أن تبقى على حالها بعدما شهدته المدينة أمس إلى دخول الوقت المعتاد، يختفي صوت أم رامي، وفي إحدى زوايا غرفة رامي الصغيرة وُجد على كرسي المكتب حقيبة رامي، التي لربما قام رامي بتجهيز كتبها حسب الجدول الأسبوعي يوم أمس بعد ملاحظات والدته المتكررة، أو أنها لم تزل تنتظر استيقاظ رامي لترتيبها بسرعته المعتادة وبإصبعه الباحث بحذر عن حصص اليوم.

 

  • قاصة من الأردن






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي