فيلم "الضيف" صراع بين الإرهاب والتنوير

2021-06-19

 متطرف يتسلل إلى منزل المفكر

طاهر علوان*

الحوارات المطولة والتي هي أقرب إلى الجدل ليست في كل الحالات بديلا مفيدا يساعد الفيلم السينمائي للوصول إلى جمهوره بنجاح.

فصانعوا الدراما السينمائية يعلمون جيدا أهمية جماليات الصورة وغزارتها التعبيرية التي يجب أن تغني عن السجالات والحوارات والتي جاءت بداهة محمولة من عالم المسرح وحيث الحوار هو القناة الأكثر فاعلية وجدوى دون سواها.

في فيلم “الضيف” للمخرج هادي الباجوري سوف نبدأ من الحوار، من صورة البروفيسور والباحث المثير للجدل يحيى (الممثل خالد الصاوي)، وحيث يلقي كلمته الأخيرة مصوبا المسدس إلى رأسه معلنا هزيمته في إقناع الرأي العام بصواب وجهات نظره خاصة حول الدين بعد سلسلة كتب كان قد ألفها وندوات ومحاضرات كان قد ألقاها.

لكننا سرعان ما سوف ننتقل إلى مفردات بسيطة تتعلق بحياة يحيى مع زوجته ميمي (الممثلة شيرين رضا) وابنته الوحيدة فريدة (الممثلة جميلة عوض) ثم ليحل الضيف أسامة (الممثل أحمد مالك) إلى عالمهم بوصفه صديق فريدة والذي يريد الزواج بها.

وببساطة شديدة يضعنا المؤلف إبراهيم عيسى، الإعلامي المشغول بأطروحات التناقضات في الخطاب الفكري الإسلامي في قلب تلك الأفكار ما بين رأيين ندّيين يمثلهما أسامة الشاب في مقابل الدكتور يحيى، لنكتشف أن الفتى أسامة يحمل أفكارا سطحية يرددها ببغاويا ودون وعي عميق في كل شؤون الدين من الحجاب إلى الشريعة إلى الاختلاط إلى العلاقة مع الأديان الأخرى.

تشكل تلك السجالات المساحة الأهم من الزمن الفيلمي ولولا الانتقالات بين غرف المنزل لشعرنا بملل قاتل من كثيرة التكرار وكون الجدال يقترب أحيانا من كونه أقرب إلى سجال في داخل محاضرة وليس في إطار فيلم سينمائي.

وخلال ذلك يقع التصدع في النسيج الاجتماعي الظاهري من خلال مسار سردي مضاف وحبكة ثانوية جديدة تدفع بالأحداث نحو التصعيد، فإذا كنا قد بدأنا مع صدمة الوالدين بقرار ابنتهما ارتداء الحجاب بأمر صديقها أسامة، فإن الصدمة التالية هي اكتشاف أن الزوجة ميمي هي مسيحية وما تزال على دينها.

الفيلم حاول أن يكسر التابوهات من خلال جداله للفكر الأصولي والتكفيري لكنه أغفل عدة تفاصيل مهمة

هنا سوف تضاف قضية سجالية أخرى تزيد الأمور تعقيدا، وليتكشف في ما بعد أن الهدف من مجيء أسامة كان هو الاقتصاص من شخص الدكتور يحيى والسعي لكي يعلن توبته بعد سجالات حول ابن تيمية وابن العثيمين وغيرهما من السلفيين المتشددين وفي ظل المنهل الأيديولوجي الذي استقت منه داعش والقاعدة أفكارهما.

قد يذهب البعض إلى أن الفيلم كسر المحرمات في السينما العربية والتابوهات وأنه جادل الفكر الأصولي والتكفيري وما إلى ذلك من عبارات كبيرة، مع أن الفيلم ليس بصدد ذلك بشكل أساس فليس الفيلم منهجا دينيا ولا خطابا مذهبيا لكي يتم إطلاق كل هذا التضخيم غير الواقعي، بل إن الأمر أبسط من ذلك بكثير من خلال شخصيتين على طرفي نقيض ومن خلال علاقة عاطفية شديدة السطحية تلكم التي ربطت بين أسامة وفريدة.

على صعيد الدراما من الواضح أن الشخصيتين الأكثر هشاشة اللتين نفذ من خلالهما الشر هما فريدة وأسامة، فكلاهما متيّم بعالمه الخاص ولكن بسطحية تامة، فريدة تعلم عن والدها بسبب رابطة الأبوة لكنها لم تقرأ كتبه قط ولم تفهم فكره وهو الآخر اكتفى بعلاقة الأبوة تلك وكونها البنت الوحيدة ولهذا سهل على ذلك الشاب التغلغل إلى عالمها لكي يوجه لطمته لوالدها.

وإذا توقفنا أيضا عند جماليات الصورة فقد لاحظنا أن أغلب المشاهد قد تم تصويرها في الداخل، وفي فصل الشتاء، ولم نشهد للدكتور يحيى محاضرة ولا مرافعة وهو الملاحق من طرف المحاكم وكل ما يصلنا عنه إنما يأتي بشكل غير مباشرمن خلال أسرته ومن خلال بعض المحيطين به الذين يظهرون على الهامش في مشاهد قصيرة ومنهم الضابط الذي يظهر في مشهد قصير.

والحاصل أن الأحداث سوف تكتسب مسارا خطّيا خطابيا حواريا، وغيّب المخرج أي مشهد فلاش باك مع أن ليحيى تراكمات وتقلبات وتحولات في سلوكه، وهو الذي كان متدينا يوما ما ومنتميا إلى الجماعة وهو ما يحاجج أسامة حوله، لكنه غير مساره فجأة إلى مسار آخر مختلف.

الأمر المهم هنا هو أن القناعات أيا كانت إنما تتشكل بالتدريج والتحولات في الشخصية لها أسبابها ولكننا افتقدنا في مسار شخصية يحيى ونحن نستكشفها تلك التحولات الأكثر وجدانية والمرتبطة بطبيعة شخصيته، الإضاءات المطلوبة في السيناريو التي تترجم وتجسد الخبرات السابقة، هذه المعطيات كانت مطلوبة ومفقودة

وجاءنا يحيى جاهزا محمّلا بمرويات وأحاديث وآيات يمكن أن يقدمها أي ضيف على شاشة التلفزيون من الذين اعتدنا مشاهدتهم، والذين هم أقرب إلى ذائقة المؤلف إبراهيم عيسى وهو الأكثر حماسة لكي يقدمهم في فيلم كما قدمهم في برامجه مرات ومرات مما هو مثير للجدل والاختلاف.

يحسب للمخرج قدرته في صناعة المشهد بشكل متميز واجتهاده للتخلص من ثقل الحوارات وتكرارها والمحاولة مستميتة للتخلص من ثقل المكان ورتابته وتكراره فضلا عن موسيقى تصويرية وضعت بعناية ولم تكن صاخبة ولا طغت على حوارات الممثلين كما في العديد من الأفلام المصرية التي نشاهدها بين وقت وآخر.

 

  • كاتب عراقي مقيم في لندن

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي