كيف يمكن التمرّد على مسطرة أرسطو

2021-05-20

جمهور لا يريد سوى حُسن الخاتمة

طاهر علوان*

اعتاد الجمهور العريض على النهايات السعيدة التي تقدمّها المئات من الأفلام والتي تنتهي بنوع من التطهير المريح الذي تحدّثت عنه مبادئ أرسطو في الدراما منذ قرون وما تزال قائمة حتى الساعة.

نحن واقعيا في نوع من الكلاسيكيات السينمائية وحتى التلفزيونية، نوع واقعي صار سائدا ويشكّل العالم الذي يشتغل عليه كُتّاب السيناريو كابرا عن كابر.

كانت وما تزال القصص والشخصيات التي تنتمي إلى الواقع المعيش هي المفضّلة وهي التي يتم الإنفاق عليها في ذلك النوع من الإنتاج السينمائي والتلفزيوني الكبير.

ولا يجد المنتجون في غير هذا النوع ما يشجّعهم على الدفع بأموالهم وإمكاناتهم الإنتاجية لكي ينفقوا عليها ضامنين قبولا جماهيريّا وجمهورا لا يريد سوى حُسن الخاتمة أي النهايات السعيدة.

بالطبع يشاهد المخرجون وكُتّاب السيناريو أفلاما ومسلسلات تلفزيونية عالمية تتميّز بالنهايات المفتوحة على العديد من الاحتمالات، وهنا سوف يظهر قسم من الجمهور معبّرا عن حيرته أو حتى خيبة أمله في فيلم أو مسلسل لم يحمل معه الأخبار السارّة بلقاء الحبيب مع حبيبته أو بانتصار البطل على خصومه الأشرار حتى لو كانوا من أقرب الناس إليه.

هذه الإشكالية المركّبة تبدو محيّرة حيث لا تخرج على قاعدة النهايات السعيدة سوى أعمال تجريبية أو انطباعية متمرّدة على مسطرة أرسطو وقوانينه.

واقعيّا وبعيدا عن قوانين الدراما فإنّ فكرة الصراع التي تشكل دعامة الوجود الإنساني تجدها متحققة في حالة من اللاشعور التي يعيشها الجمهور العريض، ولهذا فإنه لا يرى من محور اشتغال في عالم الدراما أو الأعمال السردية الروائية سوى هذا العنصر الذي هو الأكثر أهمية وقبل النهايات إذ لا يمكن تخيّل الفيلم أو المسلسل أو شخصيّاته من دون وجود الصراع الذي هو جوهر كل ما نشاهده من أعمال درامية.

شخصيات متناثرة متعدّدة تظهر في وسط تلك الأعمال التي نشاهدها وكأنّها كورال كبير في أوبرا مشوّقة وعليها أن تساعد في كل ما من شأنه أن نصل إلى إيجاد أسباب إضافية للصراع ما بين متآمرين وبين أرباب خيانات، وأنانيين في مقابل خصومهم في ذلك الخليط العجيب الذي يجب أن يتكامل في السيناريو.

وفي موازاة ذلك هنالك السؤال الذي سوف نبحث جميعا كمشاهدين عن إجابة له، وهو ما الذي أراد كاتب السيناريو والمخرج أن يقولاه أو يخرجا به مما قدماه.

ليس الأمر مرتبطا بنهايات سعيدة أو غير ذلك بل بالمفهوم والقيمة والخبرة والحصيلة والموقف الأخلاقي التي يمكن التوصل إليها ولا نقول قيمة فلسفية وقراءة منطقية للواقع وليس نقله كما هو كما قلنا في ما يتعلق بالشكل الواقعي، فكل هذه اعتبارات نسبية مرتبطة بوعي وفكر الكاتب والمخرج ورؤيتهما معا.

لا توجد في هذا السياق فرضيات ولا شروط يمكن فرضها أو المطالبة بها بقدر الضرورة الجمالية التي تتلازم بشكل وثيق مع أي عمل إبداعي ناضج، الإحساس الجمالي بديهية لازمة ربما تسبق تلك النهايات السعيدة، وينطبق ذلك على شكل المكان وطبيعته وما تدافع عنه الشخصيات وما تؤمن به بما يثير أسئلة جدّية حول الكثير من الأفلام والمسلسلات التي نشاهدها والتي تكرّس انشغالات أخرى عدا هذا الذي نتحدّث عنه.

النهايات السعيدة المتوقّعة سوف تحيلنا إلى افتراض يتعلق بذكاء المشاهد وهل تراه في انتظاره لتلك النهايات يتوقّع مسبقا كيف ستكون وأما إذا عجز عن التوقّع وكانت النهايات مفاجئة فتلك نقط مهمة تُحسَب لصالح كاتب سيناريو قادر على قلب التوقّعات وبالتالي تجاوز فرضية النهايات السعيدة والسائدة والتي تحوّلت إلى لازمة متكرّرة في أفلام مسلسلات تكرّر نفسها أو تستنسخ دون قصد ربما ما كنّا قد شاهدناه منذ زمن.

 

  • كاتب عراقي مقيم في لندن






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي