بسبب الاستهلال الخاطئ شاشات بلا مشاهدين

2021-05-09

المشاهد عجول بطبعهطاهر علوان *


لا شك أن الشاشات صارت جزءا أساسيا من الحياة اليومية إلى درجة أنه لا يمكن تخيّل بيت بلا شاشة تلفزيون أو شاشة كمبيوتر وبذلك صارت عندنا الملايين بل المليارات من الشاشات.

لكنّها شاشات تكمن حياتها في المحتوى وما تقدّمه لمستخدميها إذ لا يمكن فهم وجودها من دون ذلك السيل من الصور المتحركة التي تتلاحق مثل هطول أمطار غزيرة مع استنفاد الملايين من الساعات التلفزيونية، أو تلك التي يتم استهلاكها عبر صالات العرض السينمائي.

لكنّ الإشكالية تمكن في مسألة عزوف المشاهد عن الشاشة، وهل فكّر في هذه الظاهرة أولئك المخرجون والمنتجون وكتّاب السيناريو، وقد بذلوا جهودا كبيرة ووصلوا الليل بالنهار لتقديم فيلم أو مسلسل وإذا به بلا جمهور.

لا شك أنّ لهذا العزوف أسبابه التي لا بد للمنتجين أن يدركوها وألا يدعوا الأخطاء تتراكم فتزيد من عزوف المشاهدين.

واقعيا تبدأ ظاهرة ترك المشاهد للشاشة من طبيعة ما يُعرَض عليه. وفي الفيلم هنالك المشاهد التأسيسية ومشاهد البداية أو الاستهلال، بينما في المسلسل هنالك الحلقة الأولى التي تؤسس للشخصيات والأحداث. هذا القسم من الفيلم والمسلسل الذي هو في غاية الأهمية، له خواصه ومميزاته التي قد يجهلها كاتب السيناريو عندما يبدأ فيلمه برتابة وإيقاع ثقيل وإسراف في الحوارات الأقرب إلى الثرثرة لا تغني ولا تسمن وكذلك الأمر في الحلقة الأولى من المسلسل.

إنه انصراف وابتعاد عن وظيفة مثل هذه المشاهد الاستهلالية الأساسية وافتراض أن الوقت لا يزال مبكرا لمثل هذا الحسم في مسار الأحداث وهي فكرة خاطئة.

كاتب السيناريو والمخرج مطالبان منذ بداية الفيلم أو المسلسل باتباع ديناميكية خاصة، بالمضي فورا إلى الأحداث المتسارعة والمشاهد الفيلمية القوية، فالمشاهد الأولى ليست مجرد ظهور لشخصيات نسائية أنيقة وما شابه، ولا إلقاء لخطابات وحوارات مطولة فيها الكثير من الإسهاب والتكرار.

في المقابل فإن هذا القسم من الفيلم والمسلسل له وظيفة وهدف، بمعنى أن كل مشهد يقع في البداية، وحتى المشاهد التالية، لكل منها هدف، ولهذا لا يمكن أن يكتب كاتب السيناريو مشاهد سائبة وبلا هدف أو بلا رابط عضوي قوي مع المشاهد التالية.

من جهة أخرى فإن من وظائف المشاهد الاستهلالية التعريف بالشخصيات أو تسليط الضوء على جوانب منها مجهولة أو تسليط الضوء على المكان أو على أجزاء ومكونات منه، وهو أيضا يمكن أن يكون نواة للحبكة أو حبكة ثانوية، أما أن يتخلى كاتب السيناريو والمخرج عن أي من هذه ويغدق على مشاهديه بمشاهد حوارية لا تغني ولا تسمن ولا تعير اهتماما للوقت الضائع، فتلك ثغرة كارثية أخرى، وهي التي تتسبّب في الظاهرة التي أشرنا إليها في بداية المقال.

والحاصل إنها لحظة يأس تنتاب المشاهد سببها أن كاتب السيناريو والمخرج على الرغم من جهودهما والتغطيات الصحافية التي حظيا بها والأموال التي أنفقت، إلا أنهما قد يعجزان عن اجتذاب الجمهور الذي سرعان ما ينفر من مثل تلك الأفلام والمسلسلات بسبب الرتابة والمشاهد الحوارية وبرودة الأجواء التي تقع كلها مع المشاهد الاستهلالية.

المنظّرون الجماليون والنقاد السينمائيون لطالما سبقونا بعقود ومنذ بواكير السينما وكثيرا ما اهتموا بهذه الخواص والتي خلاصتها القدرة على اجتذاب المشاهدين، في مقابل جمهور واسع ما انفك يعلن أنه لم يتحمّل الثرثرة التي اسمها حوارات في تلك الحلقة المبكرة من المسلسل الطويل أو عن ذلك الفيلم المثقل بالترهّل منذ البداية.

من هنا سوف نعلم أنه في وسط المنافسة التجارية والكمّ الهائل من المعروض على الشاشات، فإن المشاهد الذي هو عجول بطبعه، سرعان ما يطفئ شاشة أو يتجه للبحث عن قناة أخرى أو إلى البحث عن فيلم آخر، وكله بسبب رداءة بناء المشاهد الاستهلالية سواء من طرف السيناريو أو المخرج، فالبدائل لا تعدّ ولا تحصى.


*كاتب عراقي مقيم في لندن







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي