سعد العجمي

أيهما أشد إيلاماً، الخيانة أم الخذلان؟ هكذا بدأ صديقي حديثه عن شعوره بالمرارة من الخذلان ممن كان صديقاً ظنه يوماً صدوقاً.

والصديق يعرف أيضاً بـ"الخليل"، وحذر الشاعر القصيمي محمد القاضي من نوع خائب من الخلان:

حذراك خلان الرخا عدّهم قوم*** خلان من دامت نعيمه ودامي

إن أدبرت دنياك عدوك معدوم*** مرّوا ولا ردوا عليك السلام

ويسمى الصديق "الرفيق" في منطقة الخليج، وهو يختلف عن "رفيق" اليسار والشيوعية والبعث. وفي مصر يسمى "صاحب"، ومن أشهر أفلام عادل إمام مع صاحبه سعيد صالح فيلم "سلام يا صاحبي". ويعكس الفيلم عمق العلاقة بين الفنانين عادل إمام وصديقه الراحل سعيد صالح وكفاحهما المشترك كصديقين صدوقين في هذه الدنيا ضد الجشع والطمع والغدر.

وبدّل أحمد شوقي صحبه بالكتب، "أنا من بدّل بالكتب الصحابا"، وأظن جيل الألفية يصدق فيه القول:

"أنا من بدّل بالجوال الكتابا والأهل والصحابا".

فهو جيل يعيش في هواتفه الجوالة ليل نهار.

ويقال إن الصديق أعمق علاقة وأطول معرفة من الصاحب، فالصديق "أخو دنيا"، و"رب أخٍ لك لم تلده أمك". وقد تصاحب شخصاً تعرفه في رحلة أو سفرة، ثم تصبحان أصدقاء، أو تنتهي علاقتكما بنهاية الرحلة.

ولعل الصدق مع من تود هو أهم جسور العلاقة بينكما، فإن لم تصدق معه فإنه سيكتشف ذلك يوماً، وعندها سيشعر بالخذلان لأنك قلت له ما لم يكُن صدقاً، فقطعت حبل المودة بينكما. ومن أشهر ما قيل في صدق الصداقة:

سلام على الدنيا إن لم يكن بها*** صديق صدوق صادق الوعد منصفاً

والصدق والصداقة متلازمان ومشتقان من جذر واحد، ومن الجذر نفسه اشتقت "المصداقية" التي انتشرت خطأ بدلاً من "الصدقية". ففلان ذو صدقية كبيرة، ووسيلة الأخبار تلك أو تلك القناة الإخبارية لا صدقية لها ولا تتمتع بكثير من الصدقية.

ويرتبط الكذب بالساسة وتصريحاتهم، ولا أدري من القائل: "السياسي الناجح هو الكذوب الذي يصدقه الناس". ممكن أن يكون هذا القول من تأليفي!

دار جدل هذه الأيام حول لقاء جمع الرئيس السوري أحمد الشرع ومجموعة إعلامية عربية متنوعة، كان يفترض أن أكون بينهم لكن ظروفاً خاصة حالت دون ذلك. انصب الجدل حول صدقية الرجل في ما يقول، فمن قائل إنه تغيّر كما يتغير الثوار عندما يتعاملون مع واقع السياسة ويصبحون في موقع المسؤولية والقرار، بعدما انتقلوا من خندق الثورة والثوار، إلى قائل إن الرجل "جولاني" في ثوب "شرع"، وإنه لم يتغير وإنما يتمسكن حتى يتمكن، مدللين على انتهاكات الساحل والسويداء ومحيطه "الإخونجي" و"الداعشي" الصرف.

 مقياس صدقية السياسات هو أحوال الناس ومعيشة البشر واستقرارهم وازدهارهم. فالكذب حبله قصير كما يقولون، والوعود السياسية تتبخر بالهواء أو تتحطم على جدران الواقع، فالقول شيء والفعل شيء آخر مختلف تماماً.

كرر صديقي سؤاله، أيهما أمر وأشد إيلاماً؟ الخيانة أم الخذلان؟ قلت الغدر، فالخيانة قد تكون لحظة ضعف عابرة، أو سوء تقدير لموقف ما، والخذلان قد يكون تهاوناً أو ضعف شكيمة، لكن الغدر هو الجمع بين الخيانة والخذلان مع سبق الإصرار والترصد، وذلك أمرّ أنواع الألم في العلاقات بين الناس، بل بين الدول، وما أكثر الغدر في هذا العالم يا صديقي.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس - الاندبندنت عربية