أقاصيص -- محمد السياغي

خاص - شبكة الأمة برس الإخبارية
2009-07-22

هجر

أفترش بياض صفحة عذري.. بعد أن ربط حبل أفكاره المتخثر .. وأعيته مشقة السفر إلى عالم شروده  الخلوي..
نفخ نفسا محترقا كان جاثم فوق صدره ، وشرع يلملم من نزيف حبره ، بقايا حلم طري ،  وتنهدات وأشواق وأماني يابسة.. ما تزال كما تركها خربشات شاردة في قصاصات الورق.. وأحاسيس دافئة مصلو قه على جبين الشتات ..

وكعادتها .. تسرقه منه هواجسه  لبرهة من الزمن .. وأفكاره تختمر بأغصان قات وأعواد خضراء رطبة.. تتوقد .. يشع وهجها شرر ، وبوارق مجذوبة في سماء أرض تواقة لنسيمات المطر  .. ترتعش كفه ، تحاول التقاط  تشكلاتها قبل أن تتلاشى ..
 يصدح صدى صوت طفولي فجأة .. يناوح محاولا اختراق عالم شروده الطافي به في الأفق ..

لحظات خاطفة  ..يخترق الصوت  عالمه .. يختفي بريق لحظة السكون المفقودة ، وينقطع حبل أفكار.. وتبقى مناغاة طفله.. وخربشات  .. ووجع.


*******

ذوبان

من رحم عمود جليد شمعي متقولب ؛ ينبثق هلام زلالي مراوغ ، يتراقص على سلالم الأثير ؛ متمايلا تارة ، ومتقمصا أشكالا بيضاوية  تارة أخرى .. حيز حراري عجيب ، تنبعث منه أرتال من الألياف الضوئية .. تمزق أحشاء العتمة.

لسان لهب متوقد ..  يطل من نوافذ لونية متوهجة في شكل أجسام نواتيه مفرغه من الدخان .. من على قمة فتيل خيطي متكربن ، مغروس في عمق الكثبان الجليدي .. يرسل ركباً حرارياً ، وخيوطاً شبكية مشعة ، في رحلة ذوبان الشكل في اللاشكل .

الشمعة تبدأ في الذوبان .. تتما هى .. سائل مائي شفاف .. ينساب من قمة السطح  ، ينهمر في صورة قطرات عرق متبلورة ، وتكورات سرعان ما تتجمد على ظهر العمود المنتصب فوق الطاولة.. هناك..

الجسم الملتهب .. يتمايل .. يتموج .. يطلق أسراباً من الشعيرات الضوئية الرفيعة.. كأنها شهب.. ترتكز في شكل أسهم وشباك عنكبوتية ، وشوكية .. مسلات شعاعية متشابكة ، تحدودب .. تتخلل مسامات الظلام .... وينتهى مصيرها دون رجعه..!

العمود الهزيل  يتآكل  .. يتقزم .. يتلاشى .. جسم اللهب يطفو على سطح بحيرة الجليد المنصهر متمسكا ببقايا فتيل لا يقوى على حملة في محاولة فاشلة للنجاة من الغرق  .. يتأرجح ..ضوء خافت يتضاءل .. يلفظ أنفاسه الأخيرة .. يختنق ........ ينتحر على حائط الظلام .. يمتشق خيطاً دخانياً تتصاعد معه روحه إلى الفراغ...
.......**......


*******

صورة

يجوب بذاكرته ، مستغرقا في البحث عن بقايا صورة طفولة لموضوعه..
صورة وحيدة هي الموجودة وفيها:
نظرات  منكسرة .. تتشبث بتطلع في تحرر الشفقة من وحشية الإفلاس .
وأياد يافعة ..مخضبه بعذابات الكد.. مرتعشة ، كلما امتدت للفراغ ، ارتدت خائبة أحيانا.. ومجروحة أحيانا أخرى ، تنزف من لعنات رائيها  .
ملامح بائسة ، تكتحل الفاقة ، وتفترش العراء ..
هناك ..  في الأزقة وعلى قارعة الطريق ،ملامح بائسة تكتحل الفاقة وتفترش العراء ..
ومجهول مستبد!!
يستبيح براءة طفولة يافعة لجرمه..
كانت قد تعثرت بها قدماه ، قبل ان تعلق في الذاكرة .
00000000//25/7/2004م

*******

صداع

آلم فظيع يطوق خاصرة رأسي .. يقتحم خلوتي فجأة ..
أحاول تجاهله ، مبرما تحالفا مع الوقت لتدبر أمره ... يستخونيي الوقت في غفلة ، ويمكنه من إحكام قبضته علي ..

شيئا فشيئا يزويني الألم  بين تصدعاته ، وبين هاجس التخلص منه .. الألم يشتد .. بدءاً كأنه ضبط اشتداد وطأته على إيقاع درجة تحركي الحذر .. يحاصرني..

وفي غفلة أشيائي المحيطة بمجلسي .. تلتقط أنفاسي المزكومة بأدخنة شواء أسياخ السجائر ، رائحة مساومة رخيصة .. الصداع  يحاول حصد أكبر قدر من التنازلات !

أرفض الاستسلام أكثر من ذلك .. وفي محاولة للمقاومة ، أرمي ما في يدي ناهضا ، للبحث عن أقراص مسكنه للألم ، بعد أن كسرت الحصار المفروض على حركتي ..

أعود إلى مجلسي وسط حالة من القلق والتوتر.. محاولا الحفاظ على ما تبقى من دفء أجواء جلسة "المقيل" .
معركة ضروس تدور رحاها في الأفق ..
نفسي تصرخ في بصوت غير مسموع ، وسط المعركة :
-  لابد من المقاومة.. هيا ..ع..ج..ل...
أطرد ترددي على الفور ، وأسارع  بحقن جسدي بالقرص تلو الآخر.
وقبل أن أعلن الاستسلام.. تكون المعركة قد انتهت مخلفة وراءها ، تدمير ثلاثة أقراص ، وإفساد جلسة  تحولت تجلياتها إلى كومة صداع!!

 

*******

تعب

يتزايد تردده الهستيري كل مساء على دورة المياه المحاذية لغرفتها ..
وفي كل مرة  ، يختلس فيها النظر، يجد والدتها الطاعنة في السن تطل بوجهها الممتلئ بالتجاعيد من تحت غطاء النوم .. وهي مستلقية على أرضيه الغرفة .. تطلق زفرات يائسة ، بعد إنهاك رحلة حياة طويلة حافلة بالمعاناة والألم  !

ويجدها- هي- في مكانها جالسة ..  في الزاوية.. تظهر من خلف طاولة وكرسي عتيقين منهمكة .. تخيط من وجع انحناءتها ، ورشح أرقها وإجهادها ، ما تستعين به لاتقاء فصل شتاء موحش ، وقسوة احتياج محتمله في زمن لعين!!

وفي الغرفة المقابلة .. تجده نفسه ، وقد سرقت منه انشغالات العمل ، وهموم الحياة ، ومتاعب الركض وراء ما يسد الرمق أجمل لحظات العمر ..

وكالعادة ، نهاية كل مساء ..  يحدق كل من الزوجان في وجه الآخر وكأن لسان حالهما يقول :

- تعب كلها الحياة !!
****

_______________________

قاص وإعلامي يمني

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي