ما هي اللمسة التي يفتقدها الناس؟.. نظرة فاحصة على آثار التباعد الاجتماعي

متابعات-الأمة برس
2021-02-22

يمكن لغياب التلامس أن يجعلنا نشعر بالحرمان الذي يؤدي بدوره إلى مشكلات صحية مثل القلق والاكتئاب، وفقا لتيفاني فيلد مديرة معهد أبحاث اللمس في جامعة ميامي والحاصلة على درجة الدكتوراه في علم النفس التنموي. وهي تصف اللمس بأنه "أمّ كل الحواس".

وقال الكاتب محمد حسن، في تقرير نشرته صحيفة "الإندبندنت" (independent) البريطانيّة، إن بعض الأشخاص قضوا شهورا عدة دون تلامس، وكان ذلك أول ما حذّرونا منه، حتى قبل أن يصبح التباعد الاجتماعي وارتداء الأقنعة والبقاء في المنزل الوضع الطبيعي الجديد.

وهكذا أصبحت اللمسة اليومية مصدرًا للتوتر وتجاوزًا للحدود الشخصية بطريقة لم نشهدها قبل جائحة كورونا، حتى بالنسبة لغير المتخصصين في علم الأوبئة. وفي شهر يونيو/حزيران الماضي قال بضع مئات من علماء الأوبئة وخبراء الأمراض المعدية إنه من المحتمل أن يمرّ عام أو أكثر قبل أن يشعر الناس بالارتياح عند احتضان أو مصافحة صديق.

اللمسة التي يفتقدها الناس

يشير الكاتب إلى أن كثيرا من الأشخاص ذكروا أن أكثر لمسة افتقدوها هي العناق. تقول أنيتا برايت (51 عاما)، الأستاذة في جامعة بورتلاند في ولاية أوريغون، إنها تفتقد معانقة طلابها بعد تقديم أطروحاتهم.

وذكرت جو كارتر (50 عاما)، مديرة المشروعات في جامعة ويسكونسن في ماديسون، التي تعيش بمفردها، أنها كانت تحصل بانتظام على التدليك والعناية بالقدمين قبل الجائحة، لكن الإغلاق حرمها من ذلك، فضلا عن النوم تحت بطانية ثقيلة، فأصبحت كارتر تحتضن الدب المحشو الذي تمتلكه منذ طفولتها.

وتستذكر سارة كاي هانلي (41 عاما) التي كانت تعمل مصففة شعر، الإحساس العميق الذي تخلقه الشعيرات الدقيقة على البشرة، وتقول إن "الحرمان من اللمس شبيه بشعور الانفصال التام عن فهم ما أشعر به جسديًا".

وبالنسبة لجينا كوهان (32 عاما)، التي تعمل في مجال المناصرة ضد العنف المنزلي والجنسي في بورتلاند بأوريغون، فإنها كلما رأت كلابا تمشي أمام منزلها تتذكر أنها لا تستطيع الوجود في الخارج ومداعبتها. وتقول برايت إنها كانت تحضن أغصان الأشجار في المتنزه القريب الذي تتمشى فيه يوميا، مشيرة إلى أن ذلك الإحساس "هو الإحساس الجسدي نفسه الذي تشعر به عندما تصافح شخصا ما".

التعامل مع الحرمان من اللمس

ويعتقد الطبيب النفسي نيل بيرتون أن اللمس هو أكثر الحواس المهملة. ففي عام 2017 كتب بيرتون مقالًا في مجلة "سيكولوجي توداي" (Psychology Today) عن سبب إهمال اللمس والنفور الثقافي منه، مشيرا إلى أن هذا النفور يمكن أن يكشف عن وقت وكيفية تأثير الحرمان في الشخص، بناء على العمر وعلم الوراثة وآليات المواجهة ووتيرة اللمس قبل الجائحة.

ووجدت دراسة نُشرت عام 2013 أن اللمس كان أهم سلوك غير لفظي في مهنة التمريض عند علاج المرضى الأكبر سنا "عند التقدم في السن يصبح الحرمان اللمسي أقوى من أي وقت مضى، لأن اللمس هو التجربة الحسية الوحيدة التي تبقى في أذهاننا".

وفي هذا السياق، يشعر تريفور روبرتس، المعالج النفسي في بورنماوث، بالقلق من أن يعتاد الناس على الوحدة والعزلة والافتقار إلى اللمس.

وأضاف الكاتب أن فيلد تقدم علاجًا يدعى "تحريك الجلد"، وهو لا يقتصر على التدليك فحسب بل يتضمن أيضًا الضغط على الجلد بقوة كافية لتنشيط مستقبلات الضغط.

ويمكن كذلك أن يسهم تدليك فروة الرأس، وممارسة تمارين البطن، وفرك كامل الجسم في الحمام، وارتداء الملابس الضاغطة أو حتى مجرد التدحرج على الأرض في تنشيط مستقبلات الضغط.

ووفقا لفيلد، فإن وضع كيس أرز أو دقيق أو مادة مشابهة تزن 10 أرطال على صدرك سيكون له تأثير البطانية المثقّلة نفسه، كما تعتقد أن ممارسة اليوغا فعّالة بقدر التدليك. ويقترح روبرتس أن التركيز على لمس الأسطح الحريرية والناعمة وحتى الخشنة والفرو، يمكن أن يوقظ الجزء الحركي في عقولنا.

التعرف على حدود اللمس

وقبل شهرين دعت كارتر إحدى صديقاتها لتكون ضمن "فقاعة كوفيد-19" الخاصة بها إذ قالت "كان ذلك العناق الأول رائعًا وغريبًا على حد سواء. لم أكن معتادة عدم التلامس مما جعلني أشعر كما لو أنه لا يجدر بي معانقتها".

وبينما كانتا تعيشان بشكل منفصل، كانت كل واحدة منهما تمارس الإجراءات الاحتياطيّة وتتقابلان مرات عدة في الأسبوع. وأضافت كارتر "أصبح يتسنّى لنا التسكع معا بلا قناع، على بعد 6 أقدام، ونحن نتصرف كما لو أننا جزء من أسرة واحدة". وتأمل كارتر توسيع حلقة أصدقائها إلى 10 أشخاص.

سافرت برايت لزيارة والديها وعانقتهما، لكنّ قدرا كبيرا من القلق تملّكها بشأن نقل العدوى إليهما. من جهتها، فتحت هانلي منزلها لاستقبال أختها، بعد أن توفيت عمتها دون أن تقدرا على رؤيتها أو أن تتمكنا حتى من زيارة صديق في المستشفى كان قد أصيب بسكتة دماغية، وتشير هانلي إلى أن قرار عدم البقاء بمفردها لم يعد صعبًا.

وأفادت هانلي بأن انقطاع الاتصال أشهرًا "كان تأثيره في صحتي العقلية مخيفا جدا، فكان الحل الحقيقي الوحيد هو إيجاد طرق لتحقيق تواصل أكثر مع البشر". وبالإضافة إلى ذلك، انضمت هانلي إلى صالة ألعاب رياضية ذات طاقة استيعاب محدودة تتبع احتياطات مثل قياس درجة الحرارة والتعقيم المتكرر، كما استضافت أيضا 5 أصدقاء في أوقات مختلفة في منزلها لكنها حرصت دائمًا على اتباع تدابير الوقاية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي