بين الجاموس والكرة… النحات سامر روماني يطلق مشروع «بقاء» من دمشق

2021-01-13

زينة شهلا

 

اختتمت يوم السبت الفائت فعاليات معرض النحت الفردي «بقاء» في صالة تجليات في العاصمة السورية دمشق، مع ثلاث وعشرين منحوتة برونزية، تلعب دور البطولة فيها جاموس بشكل فريد إلى حد ما، وكرة ناعمة ثابتة أو متدحرجة باتجاهات مختلفة.
المعرض هو الجزء الأول من مشروع متكامل يعمل عليه النحات السوري سامر روماني منذ حوالي عامين، وسيتضمن معرضين مقبلين تحت العنوان نفسه، وباستخدام الرموز ذاتها، التي يعمل الفنان على أن تكون بمثابة «موضوع» خاص به، كما تحدث لـ«القدس العربي» يوم اختتام المعرض.
«البقاء هو عبارة عن مجموعة من الأسئلة، أكاد أجزم بأن أي إنسان في العالم، أينما كان مقيماً، يطرحها على نفسه بشكل شبه يومي. «ما هو المغزى من حياتي؟ لماذا أنا حيّ؟ ماذا أنتظر؟ وما هو معنى الاستمرارية؟». هذه الأسئلة تأخذ بعداً أعمق في سوريا، حيث تغدو للحياة والموت معاني أخرى بعد سنوات الحرب، وهو ما أحاول تجسيده بطريقتي الخاصة» يقول الفنان الحاصل على دبلوم من معهد الفنون التطبيقية في دمشق عام 2006.

جاموس وكرة ورموز أخرى

على ملصق المعرض عند مدخل الصالة، نرى جاموساً مستندة بإحدى قوائمها الأمامية إلى كرة كبيرة، وبقائمتها الخلفية على كرة أصغر، ويبدو وكأن عينيها تحدقان بالزوار مع ابتسامة خفيفة. «هو جزء من محاولتي لإضفاء شيء من الروح والعقلانية على الجاموس، الشخصية التي تجسد كل أفكاري، ويمكنني القول بأنها تشبهني ربما» يشرح لنا سامر روماني. وداخل القاعة المستطيلة تتوزع الأعمال ضمن عدة كتل متجاورة، ونرى فيها الجاموس، أو مجموعة من الجواميس، ضمن وضعيات مختلفة، تمثل مجموعة أفكار يرى الفنان أنها تعبر عن حالات لا بد أن معظم الناس مرّوا بها يوماً ما.


من جاموس مستلق على ظهره ضمن حلقة مفرغة، وأمام ناظريه كرة صغيرة كأنه يلاحقها، إلى جاموس يقف على قدم واحدة برشاقة فوق كرة كبيرة ويحمل أخرى بقائمتيه الأماميتين، إلى واحد راقدٍ باسترخاء ضمن حوض استحمام بالكاد يتسع له، وهو يحدق بكرة صغيرة لا تبعد عنه كثيراً، أو مستلقٍ بسعادة على الأرض والكرة بين يديه، وآخر يكاد يصل للكرة بعد أن لاحقها طويلاً، لكن خمسة رماح تنغرز عميقاً في ظهره وتمنعه من تحقيق هدفه، إضافة لجاموس يقف وسط متاهة خشبية فيها عدة كرات صغيرة للغاية، لكن الوصول إليها ليس سهلاً بالضرورة.
منحوتات أصغر نرى فيها بطل الحكاية، الجاموس، وهو يسعى جاهداً للوصول لهدفه، الكرة، لكن الحركات التي تتطلب ذلك صعبة للغاية، فهو تارة واقف أعلى عمود خشبي رفيع على وشك السقوط، وتارة أخرى يمنعه العديد من الأعمدة الخشبية متفاوتة الطول من التقاط الكرة التي تستقر بينها، لتغدو عملية إخراجها غاية في الخطورة، أو نراه وهو واقف على قدميه بثبات، ممسكاً الكرة بقوة، ودافعاً إياها بعيداً عنه بواسطة «نقيفة» خشبية.
وفي أعمال أخرى يظهر أكثر من جاموس معاً، ففي واحدة منها نرى اثنين وكأنهما يتصارعان على حلبة شبه عامودية، وفي أخرى ثلاثة جواميس تتسلق بعضها بعضا والسفلي منها يقبض بقائمتيه الأماميتين على كرة صغيرة، وفي ثالثة نرى أربعة جواميس تدور ضمن حلقة مفرغة في حين نلمح الكرة الصغيرة وكأنها أفلتت منها وتحاول إحداها إعادتها لحضنها. «هي محاولة للوصول لأحلامنا وأهدافنا، والمسافة التي تفصلنا عنها هي البقاء بما يحمله من معانٍ مختلفة» يختصر الفنان فكرة المعرض بعبارة بسيطة.

نستنفر للبقاء على قيد الحياة

البقاء بالنسبة لسامر روماني هي كلمة عميقة لها الكثير من الأبعاد، ولا شك في أن للحرب المستمرة في سوريا منذ سنوات دوراً كبيراً في إضفاء المزيد من المعاني عليها، كما يشرح لنا. «كثيراً ما سألت نفسي خلال السنوات المنصرمة لماذا أعيش’. كنت أشعر وكأن أمامي ضباباً أخوض فيه كل تجاربي، وربما ذلك نتيجة الضغوط اليومية التي نعاني منها في سوريا». لم يطل الزمن ليعرف الجواب عن سؤاله، فهو يعيش لأن لديه أملاً يريد أن يصل إليه، بل يشعر وكأنه مستنفر للبقاء على قيد الحياة وتحقيق ما يريد من أهداف وأحلام. «هو خليط بين إحساس فردي بصعوبة الحياة، وتجارب جماعية يعيشها جميع السوريين. أكاد أجزم بأن أي سوري مهما مرّ بظروف صعبة، كان يبعد عنه شبح الموت لأنه يريد الوصول نحو هدف ما» يضيف.


وقد اختار الفنان لتجسيد هذه الأفكار شخصية ابتكر توليفتها بنفسه، لتكون حاملة لأفكار مشروعه، وهي مزيج من الجاموس والثور، وتحمل خصائص القوة والثبات والتمرد على حالة الجمود والضعف، ونرى فيها حركات وتعابير إنسانية وحيوانية في الوقت ذاته.
ويتابع سامر: «إلى جانب الجاموس، وهو الكتلة الخشنة ضمن جميع المنحوتات، نرى كتلة أخرى ناعمة هي الكرة، ونلمس حالة صراع ودوران دائمة بين الكتلتين المتحركتين والثابتتين في الوقت ذاته، فالجاموس يسعى للحصول على الكرة، ويركض وراءها، ويتوه في طريقه إليها، ويتصارع مع أقرانه للاستحواذ عليها، وفي لحظة ما عندما يمسكها يرى أنها أقل مما كان يسعى إليه أو يحلم به، فيقرر التخلص منها وإفلاتها نحو فضاء بعيد، والهدف النهائي من كل ذلك هو البقاء بشكل أو بآخر».
وكان توجه الفنان لاختيار مادة البرونز لتكون حاملة لهذه الأفكار، حيث يرى أنها قادرة على التعبير عن جميع الحالات التي يريدها، والتفاصيل التي يسعى لإيصالها للمتلقي. وجاءت القواعد الخشبية لتكون حاملة للكتل البرونزية ومتناسقة معها بالشكل واللون والروح.
«هذه العناصر سأحملها معي إلى «بقاء2» و«بقاء3» فمفهوم البقاء ما زال يحمل الكثير من الأفكار التي أريد العمل عليها، ويمكنني القول بأن غليلي لم يشفَ بعد من هذا الموضوع، والكلمة التي ما زلت أكتشفها يوماً بعد آخر، ويمكنني من خلالها أن أجسد عشرات المعاني والتصورات والانطباعات» يختتم الفنان حديثه.

 

*كاتبة سورية







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي