ختام مهرجان القاهرة .. الفرصة الضائعة على السينما المصرية والجمهور !

2020-12-15

كمال القاضي*

انتهت فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي، دون أن تُحدث أثراً يُذكر على أي من المستويات الفنية أو الثقافية، فغاية المهرجان قد تحققت في ما هو خارج الإطار الطبيعي للفن والثقافة والتذوق، فثمة طابع إعلاني، دعائي قد ميز الدورة الثانية والأربعين فصارت النتائج كلها في الاتجاه ذاته المُتفق عليه بغير ما يعكر الصفو، بأفلام سياسية أو اجتماعية من العيار الثقيل، الذي قد يُزعج الجهة المنظمة أو الجهات المعنية، في حال ظهور علامات ودلائل لنوعيات سينمائية تثير الاهتمام، وتدفع إلى التساؤل حول القضايا المصيرية المهمة، التي تشغل عقل المشاهد المُثقف المختلف في منظورة للسينما عن الآخرين، الذين تُباع لهم البضاعة الممتعة والمُسلية في مهرجانات البيزنس العالمية والدولية.

خلال فترة انعقاد المهرجان والتي استمرت نحو ثمانية أيام، من 2 ديسمبر/كانون الأول الجاري وحتى العاشر منه، تم التركيز على حفلي الافتتاح والختام كبداية مُبهرة، ونهاية أكثر إبهاراً، للحفاظ على الشكل اللامع البراق للمناسبة السنوية السعيدة، التي يتلاقى خلالها المبدعون من كل حدب وصوب على السجادة الحمراء، لينيروا مشاعل التنوير، ويعلنوا الحرب على الجهل والرجعية، في تحد لكل الطاقات السلبية الكونية المحيطة بالإبداع والفن، كمقومات للحياة الراقية المستقرة، ورغم أن الغاية سامية والنوايا مُخلصة، إلا أن ما يحدث فعلياً يأتي على عكس المراد والمُستهدف، فلا طاقة إيجابية تولدت بفعل السينما، ولا توافق دولي وشعبي نتج عن مظاهر الاحتفال الضخم والفخم، ولم يشعر المواطن البسيط، الذي شهد الاحتفال عبر الشاشات الفضائية بأدنى تغيير، اللهم إلا زيادة الحنق وارتفاع ضغط الدم من البذخ والإسراف في الشكل على حساب الجوهر والمضمون.

لقد بدا ظهور الممثلات الصغيرات، وأنصاف النجمات بملابس السهرة المكشوفة كسمة أساسية مُستفزة للفت الأنظار، وتعويض النقص في الحضور الفني والموهبة، وهو ما دعا إلى توجيه وسائل التغطية الصحافية كافة، إلى فرد العناوين والمساحات للحديث عن فن الإثارة، في أحدث صيحات الموضة وبيوت الأزياء والمتخصصين في التصميمات الدعائية اللافتة، لرفع أسهم الصغيرات على الهوى في ساحة الدعاية والاستعراض غير المُنضبط، أو المرتبط بشروط الشياكة واللياقة والمقبول والمرفوض، لذا فإن انصراف الآراء عن التقييم الموضوعي للأفلام والجوائز في حفل الختام، كان منطقياً ومُتسقاً تماماً مع الفكرة المتهافتة للاهتمام بشكل النجمة ومظهرها، ومواطن الفتنة في تكوينها وتأثيرها، وهو رد فعل لحالة الفوضى العامة التي حولت بعض المهرجانات الفنية والسينمائية في مصر إلى مجرد ديفيليهات مفتوحة للأزياء من دون تقنين، أخذاً بقاعدة الإبهار المغلوطة التي جعلت من البهرجة مقياساً ومعياراً للقيمة والجمال !

الجوائز التي ذهبت إلى عدد من الأفلام، لم تأت كلها من قبيل الإجادة أو التميز، وإنما يمكن اعتبارها نوعاً من المواءمة للإشارة إلى وجود مقاييس موضوعية في الرؤية العامة للجنة التحكيم، ففيلم «التيه» بطولة أمير المصري الحاصل على جائزة الهرم الذهبي، لم يكن متوقعاً له الفوز على هذا النحو الفارق، ومع ذلك برز كأحسن وأهم الأفلام، كذلك تباينت الآراء حول فيلم «عاش يا كابتن» الذي فاز بجائزة الهرم البرونزي، فهناك من رأى أنه الأكثر تميزاً، بينما جاء فوز إلهام شاهين بجائزة أحسن ممثلة عن دورها في فيلم «حظر تجول» للمخرج أمير رمسيس، مناصفة مع النجمة العالمية ناتاليا بافلينكوفا بطلة فيلم «مؤتمر» مشكوكاً فيه، لاعتبارات المجاملة المعهودة في المهرجانات، حفاظاً على الشكل العام للدولة المضيفة والمكانة الجماهيرية والشعبية التي تحظى بها النجمة المنافسة، التي تحتم عادة المجاملة في مثل هذه الحالات فتذهب اليها الجائزة كنوع من ذر الرماد في العيون، كي لا يصدر عن اللجنة ما يثير الحرج، وهو أمر يراه البعض ضرورياً من باب اللياقة والحفاظ على البروتوكول .

نأتي إلى ما صرح به رئيس المهرجان محمد حفظي، وتناقلته المواقع الصحافية كحقيقة مسلم بها، وهو أن حصيلة التذاكر المباعة خلال فترة الفعاليات، وعلى مدار عشرة أيام بلغت 30 ألف تذكرة، وهو تصريح يستدعي التدقيق، لأن معظم دور العرض السينمائية كانت في حالة ركود كامل تقريباً، بسبب عزوف الجمهور عن ارتيادها خوفاً من كورونا، غير أن قاعات العرض المُخصصة للصحافيين والنقاد في دار الأوبرا كانت تؤكد على ضرورة توافر التذاكر كشرط لمشاهدة الأفلام، رغم وجود بطاقات صحافية مخصصة لهذا الغرض، وهو ما يُفسر القيمة الإحصائية لعدد التذاكر البالغ 30 ألف تذكرة، حسب التصريحات المنسوبة لرئيس المهرجان، لأن عدد الصحافيين والنقاد والإعلاميين هو بالقطع رقم مضاف إلى النسبة المذكورة سلفاً، بما يعني أن الجمهور وحده لم يكن صاحب الامتياز في مشاهدة أفلام المهرجان، بل يصح أن يوصف بالغائب المتميز عن الفعاليات برمتها، وهو الأوقع وفق المتابعة الدقيقة والمشاهدة الحية، بعيداً عن التصريحات والعبارات الدعائية الرنانة.

 

  • كاتب مصري

 

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي