فيلم "منزل مشتعل": دراما وكوميديا

الأمة برس
2025-07-30

ملصق فيلم "منزل مشتعل" (ضفة ثالثة)سمير رمان - تعرض شاشات السينما هذه الأيام فيلم "منزل مشتعل/ Casa en flames" للمخرج الإسباني داني دي لا أوردين/ dani de la Orden.
فبعد حصوله على إحدى جوائز مهرجان موسكو السينمائي الأخير، يُعرض الفيلم الكاتالوني ليضيف مزيدًا من التنوع على مجموعة الأفلام الصيفيّة. غير أنّ بعض النقاد يرون أنّ الفيلم لم يستطع إسعاد الجمهور بالرغم من جهود مؤلفيه، وأنّه فشل أيضًا في إثارة مشاعر قويّة.
يحكي الفيلم عن جلسةٍ عائلية مثيرة في مناسبةٍ مهمّة. حضر الاجتماع أفراد ينتمون إلى أجيالٍ مختلفة، ليرفع الستار عن أنواع متنوعة من الأسرار المخفية، وليجعل الهياكل العظمية تتداعى من خزائن منزل العائلة. في عصر النسويّة، تركّز مثل هذه الأفلام عادةً على الأمّ المتسلطة، التي تحاول جاهدةً الحفاظ على تماسك الأسرة عبر تحكمها بالقرارات المهمة التي تهمّ أفراد أسرتها الكبيرة، لتتحوّل، في الوقت نفسه، إلى مخلوق معقّدٍ في حدّ ذاته.
في حالة مونزا التي بلغت الستين من العمر يبدو هذا الأمر واضحًا، حتى قبل ظهور شارة البداية. في أثناء توجهها مع ابنها ديفيد وعروسه الأخيرة مارتا للمشاركة في تجمّعٍ عائليّ في فيللا ريفية منعزلة قررت بيعها، تذكّر مونزا الجميع بصديقات ديفيد السابقات. تتوقف سيارتها أمام المنزل التي تسكنه والدتها المسنّة، وتصعد مونزا وحدها إلى الطابق العلويّ، لتجد أمّها العجوز قد فارقت الحياة. بعد بعض التردد، تعود المرأة إلى السيارة لتواصل طريقها من دون أن تنبس ببنت شفةٍ، فقط، كيلا تُفسد الاجتماع الذي طال انتظاره. تقول في نفسها: حسنًا سيكون هنالك وقتٌ كافٍ لدفن العجوز.
ينعقد اجتماع العشيرة العائلية في تلك الفيللا القريبة من برشلونة، التي يصفها أحد أبطال الفيلم بالقول: "إنّها البرجوازية الكاتالونيّة النموذجية: منزلٌ فاخر، وحسابات بنكية فارغة".
جوليا، ابنة مونزا وشقيقة ديفيد، أمّ لطفلين، تمضي حياةً غير سعيدةٍ مع زوجها البليد، وتقيم علاقة غراميّة مع نادل وسيمٍ من البار. لم يقم كارلوس، زوج مونزا السابق، بعملية نصبٍ واحتيال، ولم يكتف بنقل ملكية منزل زوجته إلى اسمه فحسب، بل قام أيضًا بإحضار بلانكا، صديقته الجديدة معه إلى الاجتماع. يُعرب كارلوس عن استعداده لإعادة الممتلكات إلى زوجته، لكنه يوضّح أنّ الأمر يتطلّب القيام بإجراءات معقدة، ويتطلب إجراء تدقيق ضريبيّ واسع، وهذا آخر ما يحتاجه الآن. أمّا صديقته بلانكا فهي معالجة نفسيّة، كان كارلوس زبونها. هكذا التقيا، لتنشأ من ثمّ بينهما علاقة غرامية.
بمجرد انضمامها إلى "العائلة"، تقوم المرأة بإجراء اختبارٍ للجميع، وعلاجهم باستخدام أسلوب (غشتالت)(*)، حيث تطلب منهم أن يتخيلوا أنفسهم في موقعٍ اندلع فيه حريق. ليس هنالك من شكّ في أنّ الشعلة سوف تتّقد بالفعل: تضع مونزا سيجارتها المشتعلة على حافة الطاولة بصورةٍ استعراضية وقحة. ولكن، وحتى قبل اندلاع الحريق الحقيقيّ، سوف تشتعل شعلةٌ مجازية في قلب كل شخص، فيدلي باعترافاتٍ مثيرة.


"يحاول الفيلم أن يكون منصفًا بين الكشف عن حقائق مؤلمة
وبين النكات الخفيفة التي تكون مضحكةً أحيانًا، وغبيّة أحيانًا أُخرى"

 

يتضح أنّ جوليا لا تكنّ أيّة مشاعر لزوجها ولأطفالها وحسب، بل ولا تهتم أبدًا بما يحدث لهم.
أمّا كارلوس، المحطّم بسبب التهاب جذور الأعصاب، "فقد أمضى كلّ عمره لاهثًا لإطعام أسرته"، ومونزا، وعلى الرغم من أنّها لم تعمل يومًا واحدًا خارج منزلها، فقد "ضحّت هي الأخرى بكلّ شيءٍ من أجل أسرتها"، متخليةً عن حلمها بأن تصبح مغّنيةً. ديفيد، على العكس من ذلك، وعلى الرغم من أنّه لم يعد شابًّا، فما يزال يحاول إسعاد العالم بألبوم أغانيه، الذي أصدره، بالطبع على حساب والديه. إنّه رجلٌ رومانسيٌّ يقع كلّ مرّة في غرام زميلاته، اللاتي إمّا يحسبنه أحمق، أو يسخرن من الأغاني التي ينظمها لهنّ.
يحاول الفيلم أن يكون منصفًا بين الكشف عن حقائق مؤلمة وبين النكات الخفيفة التي تكون مضحكةً أحيانًا، وغبيّة أحيانًا أُخرى. تبلغ القصةّ ذروتها المضحكة عندما يتمّ العثور على واقٍ ذكريٍّ مستعمل تحت السرير، فيدور عندها نقاشٌ طويل عمّن يكون قد رماه هناك. يقوم أفراد الأسرة بمراجعة قائمة المشتبه بهم المحتملين، ويتهم أحدهم الآخر بممارسة التمييز على أساس الجنس، يجد أعضاء مجلس العائلة أنفسهم مضطرين للوثوق باعترافات مونزا: هي المذنبة، وهي التي كان لديها عشّاق كثر... على عكس الجميع، يعتقد الابن ديفيد أنّ أمّه رمت الواقي الذكري عمدًا تحت السرير لتثير غيرة زوجها السابق.
مخرج الفيلم داني دي لا أوردين ليس موهوبًا بقدر بيدرو ألمودوفار/Pedro Almodovar، مثلًا، لجعل حزمة هذه التفاهات الغبيّة تتألّق بألوان من الرعب الهمجي. أوردين لا يمتلك على ما يبدو هذه الموهبة، ولم يجد خيارًا آخر سوى تنفيذ دراما كوميدية عالية بعناية فائقة وفق السيناريو المعدّ مسبقًا.
بالطبع، شعرت الممثلة إيما فيلار أساو بأنّها الشخصية الرئيسية في هذه المجموعة: فشخصية مونزا مثيرة للمشاكل إلى حدٍّ كبير، ولكن كيف لا تكون هناك مؤامرة وهناك مجموعة أقارب مرتبكين عاجزين؟ "بالنسبة لابنتي، عليّ أن أرتّب مقلبًا قاسيًا لمساعدتها في الخروج من الأزمة التي تخنقها". هذا المشهد المذهل، الذي جرى تصويره أمام البحر مباشرة، على خلفية جمال ساحلٍ كاتالونيٍّ فريد، ساهم في تميّز الممثلة ماريا رودريغيز سوتو، التي تلعب دور جوليا. كان دور الأمّ هو الدور الذي رأت فيه لجنة تحكيم مهرجان موسكو السينمائي الدولي الدور الأفضل في المسابقة الرسمية.
أما المشهد الأفضل في الفيلم فهو المشهد الذي تمكن فيه العروسان ديفيد ومارثا من حلّ عقدة علاقتهما التي كانت على وشك الانهيار في أثناء تحليقهما معًا وهبوطهما بالمظلّة نفسها وهما على مقربة من الأرض.

هامش:
(*) غشتالت: أسلوب علاج نفسي يهدف إلى مساعدة الناس على إدراك جوانبهم اللاواعية المكبوتة، وتقبلها ودمجها، وبالتالي تحقيق كمال جديد.









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي