دوغلاس ستيوارت يروي سيرة طفولته الموجعة في "شوغي باين"

2020-11-25

من تصميم الأزياء إلى جائزة «بوكر» للرواية 2020

لندن - يبدو أن أغلب النقاد يتفقون على أن فوز رواية «شوغي باين» لمصمم الأزياء دوغلاس ستيوارت الذي تحول إلى روائي، التي تناولت حياة فتى نشأ في غلاسكو في ثمانينات القرن الماضي، هو فوز مستحق. وهي من الروايات القليلة الفائزة بـ«بوكر» من قبل، التي فازت بإجماع حكام الجائزة المعتبرة، كما ذكرت الناشرة والكاتبة مارغريت بوسيي، التي تولت رئاسة لجنة التحكيم.

وتدور الرواية حول الحب غير المشروط بين الأم آغنيس باين التي باتت تعاني من إدمان الكحول بسبب ظروف حياتها القاسية وبين ابنها الأصغر، الذي هو شوغي باين، ويمكن القول إنها شبه سيرة ذاتية للمؤلف نفسه في مرحلة الطفولة والصبا.

نتعرف في البداية على شوغي عندما كان في السادسة عشرة من عمره عام 1992. كان يعيش بمفرده في غرفة بها سرير رث في الجانب الجنوبي من غلاسكو ويعمل في سوبر ماركت، حيث يتغاضى رئيسه في العمل عن إهماله في النظافة، نظراً لرخص أجر عمالة الأطفال.

ثم يعود بنا السرد إلى عام 1981، حين كانت الأم آغنيس باين تعيش هي وزوجها الثاني وأطفالها الثلاثة «في شقة والدتها الضيقة». آغنيس تشرب وتدخن وتلعب الورق، وتراهن على أموال لتدبير شؤون المنزل مع ثلاثة من صديقاتها، «وكانت الصديقات الأربع يقضين وقت راحتهن في الكي أمام التلفزيون، أو يتناولن القهوة فيما يقمن بطهي الفاصوليا لأطفالهن الناقمين دوماً». ثم تنتهي أغلب الأماسي، بعودة «بيغ شوغ باين»، الزوج، من عمله كسائق سيارة أجرة، مصطحباً عدة نساء إلى البيت.

علاقتها به بدأت على هذا النحو. وحين تجلس الزوجة آغنيس وحدها، وهذا نادراً ما يحصل، تتذكر عطلتها الأولى مع زوجها الأولى في «بلاكبول»، حين كان يجرها على سلم الفندق الرخيص من شعرها، وهي مخمورة للدرجة التي لم تستطع معها المشي، ثم يغتصبها، ثم يعرض عليها الرقص معه في الليلة التالية.

إنها قصة عن الفقر والإدمان والظلم، وعن انحدار الأم آغنيس إلى درجة مهينة من الإدمان على الكحول، وعائلة تتفكك شيئاً فشيئاً. فكاثرين، الابنة الكبرى، تتزوج في نهاية سنوات المراهقة لا لشيء سوى الابتعاد عن أمها وتنتقل إلى جنوب أفريقيا.

في المقابل، يحاول ألكسندر، وهو فنان موهوب، حصل منذ عامين على عرض للقبول في الجامعة، أن يعلم شوغي كيفية «التصرف بشكل طبيعي يتفق ومعايير الذكورة وسط الطبقة العاملة في غلاسكو»، وفي الوقت نفسه يحاول بلا أمل إنقاذ آغنيس إلى أن قامت في أحد الأيام بطرده من البيت، تاركاً الصبي الصغير شوغي، ليكون الشاهد الوحيد على حياتها.

ثم، يتولى شوغ الأكبر نقل الأسرة من الشقة الحضرية إلى أرض باتت بوراً في مرحلة ما بعد الثورة الصناعية في قرية صغيرة، في محاولة يائسة لإبعاد آغنيس عن رفيقات السوء، لكن المكان والبيئة التي خلفهما إغلاق المناجم كانا لا يبعثان على شيء سوى على المرض، «كان المشهد عبارة عن تلال سوداء تمتد لأميال مثل أمواج بحر متحجرة»، كما يقول بطل الرواية، شوغي، الذي كان يتعرض، إضافة لمأساته العائلية، للتنمر في مدرسته، ليس بسبب شرب والدته الخمر فقد كان ذلك أمراً شائعاً إلى حد كبير، لكن لأنه لا يتصرف كصبي، ولا يحب كرة القدم، ولا يستطيع أن يخفي افتتانه بتسريحات الشعر والدمى ومسلسل «ماي ليتل بونيز».

إن قراءة رواية «شوغي باين» لا يمكن إلا أن تكون تجربة مزعجة. فقد تعلم شوغي وأخوه وليك كيف يخلعان ملابس أمهما آغنيس بعد قضائها ليلة في الخارج، والنظر بعيداً عن سيقانها وصدرها فيما تبدأ هي في التقيؤ.

هو عالم قاس؛ فالرجال يفعلون ما يفعلون، والنساء والصبيان عليهم قبول الأمر الواقع، سواء ارتضوا به أو رفضوه. لقد هربت الأخت كاثرين من هذا الواقع إلى جنوب أفريقيا، لكن هذا الهروب، كما يقول بطل الرواية فيما بعد، لم يكن سوى مشاركة بشكل آخر في شكل من أشكال القمع.

 لقد واظبت الأم آغنيس على تقديم نفسها للغير فيما تتدهور حالة كبدها، ورغم ذلك لا تنسى أن تتأكد من نظافة منزلها قبل وصول المغتصب التالي. كان الأمر مؤلماً لشوغي، إذ لم يكن ما تفعله أمه اختياراً، بل واقع لا مفر منه.

رواية «شوغي باين» تنبع من فهم عميق للعلاقة بين الطفل والأبوين، وهو ما يظهر عالماً نادراً ما يصور في الروايات

رواية «شوغي باين» تنبع من فهم عميق للعلاقة بين الطفل والأبوين، وهو ما يظهر عالماً نادراً ما يصور في الروايات، وهو بذلك يستحق الإعجاب. يقول أحد النقاد: «أعجبت كثيراً بطريقة شوغي في تصوير النساء المهترئات اللاتي كن أشبه بالخردة، وطريقة لبسهن ومساحيق التجميل المبالغ فيها، ووصفه (لأرجل السراويل الضيقة) التي تشير إلى الأخلاق المفككة، في حين تشير (الأرجل الفضفاضة) إلى الرجولة.

إن نثر ستيوارت من ذلك النوع (الباروكي) الغني بالوصف والإشارات إلى ما يعنيه. لكن أحياناً كان صبري ينفد من النثر المتكلف».

عقب الإعلان عن فوزه بالجائزة، قال ستيوارت للصحافيين، إن الرواية استغرقت كتابتها عشر سنوات، وأنها كانت تلبية لحلم طفولته و«عودة للأحلام السعيدة».

وقال الكاتب إن جائزته التي تبلغ قيمتها خمسين ألف جنيه إسترليني من شأنها أن تسمح له بالتركيز على عمله الجديد، وهو كتابة رواية جديدة، وربما تساعده في تكاليف العودة إلى اسكوتلندا بعد سنوات قضاها في الولايات المتحدة.

إني أبحث دائماً عن طريق العودة إلى الوطن. فبعد المسافة يساعد على الرؤية بصورة أوضح، لكنها تشعل الحنين أيضاً. الحقيقة هي أن قلبي في اسكوتلندا، وأتلمس دوماً طريق العودة إلى الوطن، وربما تساعدني رواية شوغي على القيام بذلك.

وكان ستيوارت قد انتقل، بعد تخرجه في الكلية الملكية للفنون، إلى نيويورك للعمل مع الشركات التجارية، منها «كالفين كلاين» و«رالف لورين»، و«غاب». وبدأ الكتابة في أوقات فراغه منذ عقد من الزمان.

وذكر ستيوارت أن توزيع الرواية تأثر بسبب تفشى وباء «كورونا» في الولايات المتحدة، ومع ذلك، نُشرت نقود جيدة عنها في «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست». وبعد أسبوعين أُغلقت المكتبات في عرض البلاد، لكنه أضاف أن «الترشح للجائزة كان بمثابة دفعة وبداية جديدة».

وقالت الناشرة والكاتبة مارغريت بوسيي، التي تولت رئاسة لجنة التحكيم، إن القرار كان بالإجماع على كتاب قالت إنه «مختلف إلى حد كبير ومثير للدهشة، وغني بالعاطفة وقادر على الإضحاك وفي الوقت نفسه يجعلك تبكي».

الجدير بالذكر أن ستيوارت (44 عاماً) أهدى الرواية لأمه التي توفيت بسبب إدمان الكحول عندما كان في السادسة عشرة من عمره.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي