الحزن.. خاتم الاصدقاء!! - هايل علي المذابي

خاص - شبكة الأمة برس الإخبارية
2009-03-30

منذ تاريخ لا ضفاف له صافح الحزن قلبي.. لكنه نسي ان يسترد كفه، وخجل قلبي من سحب كفه لا لشيء الا اجلالاً واكباراً لعظمة من صافحه..
الحزن هو اللعبة الصعبة التي لا يجيدها الا اصحاب القلوب العظيمة.
الحزن هو طوق الالم الذي نتشبث به حتى لا نغرق في بحر أذية الآخرين.
الحزن هو الشماعة التي نعلق عليها معطف الايام المبتذلة من عمر الانسان، وغبن الليالي وهفوات وزلات من احببناهم فخذلونا.
ايه.. ايه.. لقد اسرف الحزن في حتى اتخم.. فيالشرهه..
قصتي مع الحزن هي قصة البدوي الذي امضّه الحزن فاخترع له معزفاً له ستة اوتار تفيض منها كل الوان الحزن والالم والمعاناة.. ومن بعد البدوي جاء اخرون فرحين راقصين ليضيفوا الوتر السابع ليس من اجل ان يكون وتر الفرح والسعادة فحسب بل من اجل ناموس الثنائيات المتضادة المطلق في هذا الكون، وناموس النسبية المطلق ايضاً في هذا الكون..
اوتار معز في حين اتحدث عن قصتي «الحزن والوتر السابع» لم تكن ناقصة اي كانت سبعة بيد ان هذا الاخير كان معاقاً، فصرت لا اجيد فناً الا مثل ما اجاد ذلك البدوي «فن الحزن» يفيض من كل مسامة من مسامات روحي، يتدفق كالشلال من بين جوانحي، الى حد اني لم اعد اعزفه انا بل صار هو من يعزفني، يستلذ بسادية بتحريك ريشته على جراحي والامي ذات الاوتار المشدودة.. لقد احترفني عزفاً كقناص بارع يجيد العزف على زناد قناصته، وما انطلقت رصاصة من فوهتها يوماً الا وهي تعي ان لن تضيع منها ذرة واحدة او جزيئة من شررها دون قلب الضحية..
انني رغم ذلك كله في اوج بهجتي وسعادتي استشيط في كل ليلةٍ فرحاً لا لشيء الا لاني وجدت من يأبه لي ويرعى شؤوني، وليس ذلك فحسب بل وانه ليملأ عليّ فضائي الذي ما عهدي به الا متخماً مزدحماً بطوابير من الفراغ وطيوف «الاعدقاء»..
ربما ان لم يكن اكيداً انه لم يعد بمقدور تداعياتي استحضار اللحظة من ارشيف الذاكرة التي لم الف نفسي فيها الا وقد صار هذا الحزن صديقي فهاهو ذا منذ اليوم ذاك الذي لا اتذكره يأتي معي ويأكل معي ويشرب معي ويقطع الشارع معي، وينام كالدمية معي، ويشرب القهوة معي، ويصغي الى صوت «فيروز» و«يا جارة الوادي» و«العندليب» و«ام كلثوم» معي، حتى وانا امتحن ثقافتي بحل الكلمات المتقاطعة يحلها معي، ويطالع الصحف الصفراء والحمراء والزرقاء والسوداء والخضراء في كل صباحٍ معي..
لقد اكتشفت وان كان ذلك متاخراً انني كنت في حالة بطالة بيد أني بعد تلك المصافحة صرت مشغولاً على الدوام..
هو لا يعمل عندي.. وانا لا اعمل عنده، لكن هو يعمل معي وانا اعمل معه.. هو يدفع لي اجري لقاء عملي وانا ادفع له اجره لقاء عمله وكلانا يدفع للآخر وقبل ان يجف عرقه..
نفلس احياناً انا وهو فيقرض كل منا صاحبه الى اجل مسمى، اما نهاية الاسبوع على الطريقة الامريكية، واما نهاية الشهر على الطريقة العربية.. الاطرف من ذلك ان كلانا يعرف ان ليس لصاحبه مرتباً او حوافز او اكراميات او اجازات او حتى بدل انتاج حزني نبذله طيلة الشهر حتى ولو بثمنٍ بخس..
حزني العزيز: «لا تحزن» (Don"t be sad)
فلولا الظلام لما عرفنا قيمة النور، ولولا الدمعة لما عرفنا قيمة البسمة..
بالمناسبة:
حكاية البدوي والمعزف وهمية من خيال الكاتب
___________________________
 * قاص وكاتب يمني

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي