
حسن سلمان
دعا نواب تونسيون إلى محاسبة القضاة الفاسدين وإصلاح المنظومة القضائية، بعدما كشفوا عن تلقي عدد من القضاة رشاوى من رجال أعمال فاسدين، في وقت رفض فيه المجلس الأعلى للقضاء الحديث عن وجود “قضاء أسود” في تونس، لكنه أقر بوجود قضاة فاسدين، وطالب أيضاً بترميم المحاكم وتحسين الأوضاع الوظيفية للقضاة.
وخلال جلسة مخصصة للحوار مع ممثلي المجلس الأعلى للقضاء، بالخصوص، أثار عدد من النواب مسألة شبهة تورط الرئيس الأول لمحكمة التعقيب في قضية فساد تم بموجبها رفع الحصانة عن قاضيين وعزلهما بعد ثبوت تورطهما في قضايا فساد في سلك الجمارك، فيما لم ترفع الحصانة عن رئيس محكمة التعقيب.
وتساءلت النائب عن الكتلة الديمقراطية، سامية عبو، عن سبب تأخير النظر بملف “فساد” رئيس محكمة التعقيب لمدة عشر سنوات، مشيرة إلى أن “القاضي المعني يملك عقارات بالمليارات ولم يتم تتبعه (…) تونس تسير نحو هاوية”.
فيما انتقد النائب حاتم القروي (الكتلة الديمقراطية) البطء في إصدار الحركة القضائية منذ ارساء المجلس الأعلى للقضاء، بالإضافة إلى البطء في البت في الاعتراضات، مشيراً إلى أن ذلك “أثر سلباً على مصداقية المجلس، الذي لم يقدم مبادرات لإصلاح مرفق القضاء”.
كما تساءل النائب المستقل خالد قسومة، عن أسباب عدم إدراج القطبين القضائيين (المالي، ومكافحة الإرهاب) في الحركة القضائية الأخيرة، في ظل افتقادهما للموارد البشرية الضرورية.
كما انتقد عدد من النواب “تأخر البت في قضايا الفساد السياسي والمالي، بالإضافة إلى البطء في البت في القضايا الإرهاب وقضايا الأمن القومي، على غرار العملية الإرهابية التي طالت الأمن الرئاسي، وملفي شكري بلعيد ومحمد البراهمي”.
وفي تعليقها على الانتقادات الموجهة لسلك القضاء، قالت رئيسة مجلس القضاء العدلي، مليكة المزاري: “على من يملك أدلة وإثباتات تدين قضاة، أن يقوم بتوجيهها للتفقدية العامة، بعيداً عن ممارسة مثل هذه الضغوط على عمل القضاء”، معتبرة أنه كان من الأجدى أن يثير النواب تردي ظروف عمل القضاة وتدني أجورهم وتحسين البنية التحتية للمحاكم.
وأضافت: “كنت أتمنى ألا يخوض أعضاء مجلس نواب الشعب في قضايا منشورة لدى المحاكم، وأن يلقوا جزافاً اتهامات تجاه القضاة، ويتحدثوا عن قضاة مرتشين”.
كما عبرت المزاري عن استيائها الشديد من حديث بعض النواب عن “قضاء أسود” في تونس، مشيرة إلى أن هذا الوصف “لا يليق لا بالقضاء ولا بمجلس نواب الشعب”.
وكشفت عن إعفاء 24 قاضياً تعلقت بهم شبهات فساد، فضلاً عن “البت في 54 مطلباً لرفع الحصانة ورفض 16 مطلباً من بين 108 مطالب وردت على مجلس القضاء العدلي، والاستجابة لـ4 مطالب استقالة تعهد بها المجلس منذ 2018”. وأضافت: “نحن بصدد تنفيذ استراتيجية مجلس القضاء العدلي الرامية إلى إعادة التوازن بين المحاكم التونسية حسب حجم العمل في كل محكمة، والعمل على تسمية مستشارين في الدوائر الجنائية في سبيل ضمان المحاكمة العادلة”.
في حين دعا رئيس المجلس الأعلى للقضاء، يوسف بوزاخر، نواب البرلمان إلى الإطلاع على الكم الهائل من التعقيدات الواردة في تقارير المحامين التونسيين المكلفين باسترجاع الأموال المنهوبة، مضيفاً أن من بين هذه التعقيدات عدم ترويج بطاقات الجلب، وبطلب من الدولة التونسية.
وأقر بالبطء في التقاضي بالنسبة لملفات الفساد، وذلك لأسباب موضوعية، من بينها طول مدة الأبحاث التي تقوم بها لجنة التحاليل المالية، داعياً إلى التأكد من مدى قانونية عضوية هذه اللجنة.
كما أرجع هذا البطء إلى الإشكال في عدم تعاون الإدارات العمومية والكثير من التعقيدات الإدارية، بالإضافة إلى عدم مصداقية بعض المعطيات الإدارية، فضلاً عن عدم توفر فرق مختصة في محاربة الإرهاب، مضيفاً: “من يريد محاربة الفساد، عليه أن يضع فرقاً مختصّة لذلك”.
وحول بعض الانتقادات التي وجهها عدد من النواب لعمل المجلس الأعلى للقضاء، قال بوزاخر: “لم يتم إلى الآن تركيز إدارة المجلس الأعلى للقضاء لكي يتمكن من القيام بالمهام الموكولة إليه، كما أن قانون المجلس، وخاصة في فصله الأول المتعلق بصلاحيات المجلس، لم يطبق بعد، وبالتالي لا يمكن الحكم على مدى نجاعته”.