فِي رَأْسِي أُفْرغُ رَصَاصَ الْحَيْرَةِ

2020-09-13

صالح لبريني*

 

فِي رَأْسِي أُفْرغُ رَصَاصَ الْحَيْرَةِ

صَوْبَ الرِّيحِ

تَنَامُ الْغُيُومُ عَلَى شَجَر الْعَاصِفَة

تَسْتَيْقِظُ عَصَافِيرُ الطَّمي بِلَا مَاءٍ

الطِّينُ وَجْهِي

أَنَا الْمَلَّاحُ الرَّاكِبُ سَفِينَةَ التِّيهِ

خَلْفِي تَرَكْتُ الْيَابِسَةَ تَعْوِي

يَلْبَسُهَا فَرَاغُ الْحَيْرَة

تَلْطِمُهَا أَمْوَاجُ الْجَرَادِ الْإِلِكْترُونِيِّ

وَتَقُودُهَا بُوصَلَةُ الْفَيْرُوساتِ نَحْوَ حَتْفِهَا الْأَزَلِيِّ

تُطَوِّقُهَا صُوَرُ الْفَايْس الَّتِي فَقَدَتْ صَلَاحِيةَ الْحَيَاة

وَنَامَتْ فِي سَلَّةِ الْحَاسُوبِ الْمُهْمَلَةِ

لَا آدَمَ يُدْرِكُ أَيَّ الْأَسْلَاكِ الْمَعْدِنِيَّةِ تَسْكُنُهَا

وَحَوَّاءُ تَأْسِرُهَا بُروفَايْلَاتٌ مُزَوَّرَةٌ

تُشْعِلُ الْعَالَمَ بِكَرَزِ الْأَنْفَاسِ

وَتَغَارُ مِنْ مِقَصِّ الْحَذْفِ

وَأَنْتَ وَحْدَكَ تُرَوِّضُ خَيَالَ اللّيْل

مَجَازَاتِ النُّجُومِ الْمَأْسُورَةَ فِي سَمَاءِ الْحَرْبِ

تَعُدُّ الرَّصَاصَاتِ الَّـتِي اغْتَالَت شَمْسَ الْعَرَبِ

وَسَكَنَتْ فَجْرَ الْخَرَابِ

خَرَابٌ يَصُولُ… خَرَابٌ يَجُودُ… خَرَابٌ يَجُولُ

خَرَابٌ يَقُولُ:

هَذَا أَوَانُ الطُّوفَانِ فَارْكَبَ يَا صَاحِبِي بُرَاقَ الدَّهْشَةِ

عَلَّ الْفَنَاءَ يَأْتِي بِحُشُودِ الْقِيَامَةِ

لِيُصَلِّيَ عَلَى جُثَّةِ الْمَعْنَى وَخُذْ مَعَكَ ما تَبَقَّى مِنْ رِيشِ الذَّاكِرَةِ

وَمِنْ نَكْهَةِ البُنِّ الصَّاعِدة مِنْ إِبْرِيقِ الْوَالِدَة

وَمِنْ نَبِيذِ الْحَنِينِ مَا يَكْفِينَا فِي لَيَالِي الْمَجَرَّاتِ

هَاوِيَةٌ تَصُبُّ مَاءَ الْجَسَدِ

تَرْشُقُ الْمَدَى بِزَغَارِيدِ الْحِدآتِ

تَرْتُقُ هُوَّةَ الْفَرَاغِ بِصَدَى شُعَرَاء ثَمِلُوا فِي حَانَة الْجَاذِبِيَّةِ

وَنَامُوا عَلَى لَيْلِ الْمِصْبَاحِ فُرَادَى

وَاحِدُهُمْ تَأْكُلُهُ أَرَضَةُ النَّارِ

ثَانِيهِمْ تَلْبَسُهُ غِبْطَةُ النَّاي

ثَالِثُهُمْ يَسْلَخُ غُمُوضَ الْمَغَارَاتِ

رَابِعُهُمْ يَفْتِلُ حَبْلَ الْمَشِيئَةِ

وَخَامِسُهُمْ تُلَعْلِعُ فِي رَأْسِهِ رَصَاصَاتُ الْحَيْرةِ

وَسَادِسُهُمْ يَنْغَلُ فِي دَمِهِ فُقْدَانُ الْخَيَالِ

وَسَابِعُهُمْ يَجْلِسُ نَحِيلَ الرُّؤَى

يُشَيِّدُ كَيْنُونَةَ الْعَمَاءِ

وَثَامِنُهُمْ أَنَا الْأَعْمَى

أُطَرِّزُ غُنَّةَ الْمَجْرَى بِنَحِيبِ الْجِبَالِ

أَتْبَعُ النَّهْرَ إِلَى آخِرِهِ

وَأَخِيطُ طَرِيقِي بِعُكَّازِ التِّيهِ

لَا أَلْوِي سِوَى عَلَى رَائِحَةِ التُّرَابِ

وَجُذُورِ مِحْنَةِ الْأَسْلَافِ

وَهَمْهَمَاتٍ يَقْطُنَّ فِي مَشِيمَةِ الذَّاكِرَة. أصْغِي لِفَاتِحَةِ النَّبْعِ

لِطَيْرِ الْفِجَاجِ السَّابِحِ

فِي ظِلِّ الْأَعَالِي

أُطَارِدُ أَيَاديَ تَسْتَحِمُّ بِمِلْحِ الْأَرْضِ

تُغَنِّي جُرْحَ الْأَبَدِ

تَخُطُّ وَتَمْحُو أَثَرَ الْقَادِمِينَ مِنْ قصِيِّ النَّسْغِ

تَقُضُّ أَضْرِحَةً تَشْتَعِلُ بِبَخُورِ الْمَوْتَى

وَتَكْتُبُ سِيرَةَ الْمُنْحَدرَاتِ

نَشِيدَ الْأَغْوَارِ

حَرَائِقَ تَغْسِلُ رَمَادَ الْقَبِيلَة

وَأَنْتَ مَعِي

تَرُشُّ بَلَلَ الْحَيْرَةِ عَلَى سَمَاءٍ تَبْكِي

صَوَارِيخَ تُوَزِّعُ الْجَثَامِينَ

طَائِرَاتٍ تُشَيِّعُ الْحَيَاةَ إِلَى الْقَبْرِ

قَنَابِلَ تُلْقِي التَّحِيَّةَ الْأَخِيرَةَ عَلَى جِذْلِ الزَّيْتُونِ

وَتَطْرُدُ الْهَدِيلَ مِنْ ذَاكِرَةِ الْحَمَامِ

وَتَضُخُّ النَّعِيقَ فِي الْيَابِسَة نُونُ أَنَا بَيْنَ أَلِفَيْنِ حَائِرَةٌ

حَبِيسَةُ خَطَّيْنِ مُتَآلِفَيْنِ

وَدَائِرَةٍ تُفْرِغُ سُؤَالَ التُّخُومِ عَلَى مَدَى يُفَكِّكُ مُعَادَلَةَ الظُّنُونِ.

 

  • شاعر مغربي

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي