من قرية في الجبل أتيت

2020-06-17

طه الجند *


أنا بلا أصدقاء
بلا رغبة أكيدة لشيٍء ما
بلا أم منذ زمن
أعرف لا أحد يهمه الأمر
لا أحد يستند إلى ظل وينصت إلى البعيد
لا أحد يصلي في الغسق
لا أحد ينام وهو يحتضن زوجته
لا احد يرى السهل من ثقب الإبرة
لا أحد يسأل عن خنجره الثمين
عن وتر في الغيب
عن رائحة تقترب لذئب خائب
عن التفاتة مباغتة لأفق الراعي المبتعد
أنا بلا أصدقاء
بلا غرام أحرثه في الصيف
بلا جدار كفيف أقوده في الزحام
من قرية في الجبل أتيت
يراها القادمون من الجنوب
العابرون من الشرق بميلان
أراها أنا من كل الجهات
أراها تحت المطر
آرى الزهر مندهشا
الطائر وهو يحلم
أراها في الليل تنتبذ
النباح وهو يقفز
أرى فوانيس خافتة
الحكايات من لحاف الجدة تطل
تنهب أرضاً وتشعل أخرى
الأطفال تحملق ولعابها يسيل
أرى الطلح خلفي بيقين
أرى ما يكفي من الحطب
أرى أشياء لا تخصكم
أنا هناك بعد العاصفة
كمن يصحو في مكان أخر
كمن يسري في ليل بعيد
كمن يستيقظ مع المراكب ولا يذهب إلى الصيد
أنا هناك في الجزء الممتلىء
في النصف المفقود من الزفرة الاولى
دعوني أوضح...دعوني أتذكر ما جرى
من منكم بلا حكاية
من يراها تتشرنق فلا ينصرف
من يراها عارية فلا يتشفى
من يرى نملة لا تعمل فهو كفيف
من يراني بلا حكمة فهو محق
تعالوا أدلكم
تعالوا نتهادى كالعميان في هذا الحيز المتبقى
تعالوا نقترب من الحافة
نلقي نظرة على فيالق الرياح المدججة
نتعلم كيف نموت
كيف نعود إلى ركن في الغيب
نهش عزلتنا الشهباء
أنا هناك قطرة تتأمل السقوط
ظل حائر في نجد
ذبابة وحيدة في إسطبل
أنا هناك في الطرف القصي من النص
أنصت لنوايا العشب
لقامة الليل الرهيفة
لمصائر بأقدام ذهبية
لدبيب الغيب في الدروب
بماذا تذكروني أيها الصبار
لماذا تقف بين صخور المنحدرات
غامقاً ومتهدجاً
كمن فقد رجاه
كالخائف من البوح
من الرغبة في الحضور
على مشارف الشفق إتكىء
الأرض الخصبة
لا تجعل من العابر سيداً.


*شاعر يمني
*من مجموعة ( أشياء لا تخصكم ).







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي