شاعران بولندي وأميركي في مختارات جديدة

2020-05-26

جون آشبري شاعر تفوق على والت ويتمان وعزرا باوندترجمة الشعر من أصعب عمليات الترجمة التي تتطلب جهدا وبحثا كبيرين من المترجم لنقل نص شعري من لغة إلى لغة أخرى. وصعوبة ترجمة الشعر مردّها إيقاعه اللغوي الخاص في لغته الأصل ومعجمه واشتغالاته اللسانية والجمالية المكثفة، ما يجعل من المترجم ليس مطالبا بنقل الكلام فحسب، بل بنقل روحه وإيقاعه كذلك، ولعل ما خاضه الشاعران العراقي هاتف الجنابي والسعودي غسان الخنيزي مغامرة هامة في ترجمة قصائد لاثنين من كبار الشعراء الغربيين.

الشارقة- تفتح دار روايات للمرة الأولى أمام القارئ العربي عوالم اثنين من كبار الشعر الغربي والعالمي، حيث تقدم الترجمة العربية الأولى لقصائد مختارة من أعمال الشاعرين البولندي زبيغنيف هربرت، والأميركي جون آشبري في نسخ جديدة للقراء.

وعلى امتداد قرن من الزمن لم يقدّم هذان الشاعران إلى المكتبة العربية سوى بنصوص منفردة، نشرتها مجلات متخصصة وملاحق ثقافية لصحف عربية.

ويأتي الكتاب الأول بعنوان “أشعار زبيغنيف هربرت”، ليمنح القارئ العربي فرصة الاطلاع على تجربة شعرية كبيرة رشحت مرات عديدة لنيل جائزة نوبل للأدب، ونالت جائزة الدولة النمساوية للأدب الأوروبي، وترجمة أعماله إلى 38 لغة لم تكن العربية من بينها.

وعلى الجهة الأخرى تنشر دار روايات “صورة ذاتية في مرآة محدبة وقصائد أخرى”، للشاعر الأميركي جون آشبري، لتلفت النظر إلى تجربة شعرية عالمية توجت مسيرتها بالعديد من الجوائز كانت من أبرزها جائزة بوليتزر عن فئة الشعر.

مختارات مشبعة بالخصوصية والفرادة

شاعر الفكر
يأتي كتاب “أشعار زبيغنيف هربرت”، في طبعة تمسح 427 صفحة، يتعرف خلالها القارئ على مختارات شاملة ومتنوعة جمعها وترجمها الأديب والشاعر العراقي هاتف جنابي، الذي لعب دورا مشهودا كوسيط بين الثقافة البولندية والعربية، مترجما أهم شعرائها إلى العربية وناشرا الكثير من الدراسات عن الأدبين العربي والبلوندي خلال الثلاثة عقود
الماضية.

تروي المختارات البلاغية اللفظية والجماليات التي تكتنف النص، وتعرف برمزية الكلمات وشعرية القصائد التي اشتهر بها هربرت، والتي امتازت بكونها معارضة للتيارات السياسية التي سادت خلال خمسينات القرن الماضي في بلاده، وبكونها مشبعة بالخصوصية والفرادة.

لم يحظ شاعر بولندي في الثلاثين سنة الأخيرة بإجماع النقاد والشعراء والقراء كما حظيت به شخصية الشاعر زبيغنيف هربرت وشعره. لقد رأى في الشعر مجالا وأداة للغضب والتنفس والتأمل وتصفية حسابات مع رداءة العالم. الشعر بالنسبة إليه يعني أيضا امتلاك قوة خفية، والقدرة على التخفيف من وطأة المعاناة والازدراء في المجتمع.

واستطاع هربرت الذي حظي بسمعة وشهرة كبيرتين بين الأوساط الشعرية الأوروبية والعالمية أن يوظف في أشعاره الأفكار والشخصيات المستوحاة من التاريخ المعيش، كما ضمّن قصائده بالكثير من الأساطير الإغريقية التي أسقطها كمقاربة ضمنية للواقع المعاصر، في الوقت ذاته ضمّن قصائده بثيمات فلسفية تدمج ما بين الفرد والطبيعة وبين الشخصي والمحيط، علاوة على تناول العلاقات بين الأفراد والأنظمة الشمولية وغيرها من التشابكات التي جعلت الكثير من النقاد يصفونه بـ”شاعر الفكر”.

يضم الكتاب العديد من القصائد أبرزها؛ “لا يملك أجنحة”، “يضرب الهواء”، “ليسقط فورا”، “يحلق بعلو ثلاثة أشبار”، “فقط يده اليمنى”، “الشاعر شاعر”، “ذات ريش”، وغيرها.

من القصائد مثلا حول الخوف يقول زبيغنيف هربرت:

خوفنا

ليس له وجه ميت

الموتى لطفاء معنا

 نحملهم فوق الأكتاف

 ننام تحت الدثار نفسه

 نسبل العيون

 نعدل الأفواه

 نختار مكانا يابسا

 وندفنهم…

 

قامة أميركية
ترجم ديوان “صورة ذاتية في مرآة محدبة وقصائد أخرى”، للشاعر الأميركي جون آشبري، الشاعر السعودي غسان الخنيزي، وجاء الديوان في 209 صفحات. وهو ديوان صدر في العام 1975 واعتبره النقاد نقلة جديدة في الشعر المكتوب باللغة الإنجليزية، لما تمتلكه قصائد آشبري من شاعرية وقدرة تتفتح على الكثير من المعاني وتسبر أغوار العديد من مناطق الوعي في النفس البشرية، وتضيء على مساحات واسعة لم يتمّ اكتشافها في الشعر الأميركي.

واستطاع الديوان أن يحصد العديد من جوائز الشعر الأميركي أهمها: جائزة الكتاب الوطني، والجائزة الوطنية لحلقة النقاد، فيما اعتبره الكثير من المثقفين والمتخصصين واحدا من أهم المجموعات الشعرية الأميركية المنشورة خلال الخمسين عاما الماضية، حيث كتب عنه لونغدن هامر، رئيس قسم اللغة الإنجليزية في جامعة ييل “لا قامة تلوح في أفق الشعر الأميركي خلال الخمسين عاما الماضية أكبر من آشبري… ولم يمتلك شاعر أميركي قط ما امتلكه من تنوع وثراء لغوي، لا والت ويتمان، ولا حتى عزرا
باوند”.

قصائد تمتلك شاعرية وقدرة تتفتح على الكثير من المعاني

يضم الديوان مجموعة من القصائد منها؛ “هذه الغرفة”، “تاريخ حياتي”، “شغب الطيور”، وغيرها.

يقول مترجم الكتاب الشاعر غسان الخنيزي إنه اختار القصائد بعد اطلاعه على أزيد من ثلاثة آلاف صفحة، توفر بعضها ورقيا، والآخر إلكترونيا، عبر صيغ مختلفة.

ويضيف “من فهرس الكتاب يتضح أننا لا نقدم سوى عينات ونماذج قليلة من أعماله واشتغالاته، فبعضها قصائد ذائعة الانتشار أشبعت درسا وتدريسا، مثل ‘زهرة الليلك‘ لبعدها الأسطوري، و‘الصمت أوجز‘ لبعدها الاجتماعي، و‘بعض الأشجار‘ لصفتها الاستعادية، وبعضها الآخر أضيفت لخصوصيتها الأسلوبية، مثل ‘الروح الجديدة‘، و‘فندق لوتريامون‘، ومن ثمّ تأتي غيرها ممّا تظافرت قابليتها للترجمة مع الذائقة الشخصية”.

ونذكر أنه تماشيا مع إجراءات الحجر الصحي توقيا من انتشار فايروس كورونا المستجد، ترافق الدار قراءها إلى هذه العوالم الشعرية، وتتيح إمكانية الحصول على هذه المؤلفات من خلال موقعها الإلكتروني، موفرة خدمة التوصيل بشكل مجاني داخل الإمارات ودول الخليج العربي، حيث تأتي هذه المبادرة من مجموعة “كلمات” تشجيعا للقراءة في هذه الفترة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي