خسرتُ صديقي

2020-05-22

 خوناف أيوب*

ضممنا جراحنا نحترقُ نحو آخر شمس

الخرابُ مترفٌ في البقاع

أغلقِ القناص حقيبته

قليلٌ ونعيد سنيننا المقتولات

المنتصرون هم من ملكوا رفيقاً..

المهزومون هم الذين أسندوا ظهورهم للصدى..

لسراب من رحلوا…

حين خطى الخاسرون نحو الخلاص

خسرتُ من تمسكت به

خسرتُ صديقي في نهايات الحرب

كان قد وعدني بأننا سنلم القمح معاً

لحين أن يكبر ابن الفلاح الشهيد

وعدته أن نضيء إنارات البيوت

لحين عودة فرسانها المهجرين

قضينا الحرب مبتسمين

أشدُّ على يده كل فقدان

ويشدُّ على يدي كل فقدان..

خسرتُ الذي ربحته من خسارات العمر كله

خسرتُ صديقي قبل القمح والإنارات

قبل أن يكبر فلاح الوطن الصغير

وقبل أن يتعلم كيف يصنع خبزاً للجياع

كلماتنا الجائعة في تالي الطريق

خنّا السنابل ومضينا نسمي الخسارة كرامة…

خنّا البيوت التي انتظرتنا،

وهبناها لعتمتنا

ورحنا نصنع للتخلي مبرراتنا القبيحة

لم يكن صديقاً وحسب…

ابن ترابي دفء آخر

صوت حقل قديم

ملجأ من عناق كلما اشتدت القذائف.

احترقنا ليبقى آخرنا

فسرقتهُ أحقاد الحروب

لم يكن صديقاً وحسب…

كان يعني لي بلادي السمراء

وصورة أمي حين كانت صبية

كان شجرة التوت في بيتي العتيق

حفنات الضوء على النوافذ

كان السكر بمرارة الخذلان

وألوان أجنحتي التي رسمها هو لي

وحلّق بها

طار بسماء قلبي.. واختفى.

ممرغة المسافات

ألملمُ انكسارنا أنا وأنا التي هو

على أرصفة مدينتنا المهمشة

المهمشة مذْ خلقتْ الخسارات.

مذْ سموها القامشلي

وناديناها قامشلو

فضاعت بيننا تبحث اسمها

لا خريطة تحملها

لا مدينة لنا على الخرائط

لا شيء لنا

لذا نغلقُ يدنا

لتعانق أناملنا أناملنا

لا شيء سوى صديق بكل شيء

خسرتُ الآن يدي

وأناملي

وصفقة الابتسامات..

صديقي الذي كتبَ لي على جدار زنزانتا:

«حرية»

فاطلقتُ سراحي ورحتُ انتظرهُ على باب السجن

سجننا الطويل

سجننا الكبير

اسمهُ الآن «خسرتُ صديقي..»

في غدهِ يصلّي للريف

للطيبين الذين أمسوا أضاحي المدافع

يذبحُ غدهُ شاة لإسماعيل

يعيشُ إسماعيل

ونُشتقُ كلنا

بلادنا المذبوحة بنا

نحنُ سكاكينها الصدئة

ونحنُ عنقها الهزيل.

خسرتُ صديقي في نهايات الحرب

حرب الخسارة لا تنتهي

مغرورة كأبد العار في جبين الضعفاء والفقراء،

نحو المتاهة شردنا واحداً

فوصلنا اثنين اثنين

نتبرعُ للتّعبِ بنا.

 

  • شاعرة من سوريا






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي