فورين بوليسي: لا ثوريا ولا سلطويا.. هذه إستراتيجية الكاظمي لإدارة العراق؟

2020-05-19

تناولت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية ما وصفتها بإستراتيجية الإصلاح التدريجي التي يحاول رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي تطبيقها في ظل تفشي الفوضى السياسية في البلاد.

وقال الكاتب ريناد منصور في مقاله بالمجلة إن الكاظمي يقود البلاد في ظل تحديات داخلية وخارجية، أبرزها الأزمة الاقتصادية الناشئة عن انهيار أسعار النفط، إضافة إلى الأزمة الصحية الناجمة عن فيروس كورونا والأزمة الأمنية المحتملة بسبب عودة تنظيم الدولة الإسلامية، لكنه يرى أن جذور كل هذه الأزمات في الواقع سياسية.

وعلى مدى الأعوام القليلة الماضية، تضاءلت قدرة النخبة الحاكمة في العراق على الاستجابة لاحتياجات مواطنيها. ومع استمرار المتظاهرين في ميادين بغداد وجنوبي البلاد في الدعوة إلى الثورة، تتخبّط النخب السياسية في صراع داخلي وتتنافس من أجل السيطرة على الوزارات وما تبقى في خزائن الدولة.

وأشار الكاتب إلى أنه رغم هذه الأوضاع الرهيبة، فإن رئيس الوزراء الجديد لن يكون ثوريا لإصلاح النظام السياسي برمته، ولا رجلا قويا يحتكر السلطة، بل يسعى إلى القيام بإصلاح تدريجي للنظام الحالي. بعبارة أخرى، تتلخّص رؤيته في التعمّق في الصراع القائم بين المواطنين والنخب، والانقسام السياسي بين النخب في حد ذاتها، من خلال إقامة توازن جديد بين الإصلاحات والوضع الراهن.

الرؤية الإصلاحية

ولا يعتبر الكاظمي أول رئيس وزراء جديد يروّج لرؤية إصلاحية شاملة وواعدة، غير أن أيامه الأولى في الحكم تقدم لمحة عن التحديات التي تنتظره. في الواقع، سيتعاون مع الرئيس برهم صالح الذي كان سببا في منع بعض المرشحين السابقين لرئاسة الوزراء، من أجل تطبيق هذه الإستراتيجية.

ومنذ البداية، أراد صالح أن يتولى الكاظمي رئاسة الوزراء. وفي الوقت الراهن، يشغل الرجلان صاحبا العقلية الإصلاحية أهم منصبين رسميين في البلد. لذلك، تقوم الإستراتيجية الأولية لرئيس الوزراء على إقناع المتظاهرين بأنه يمثلهم.

في الأعوام القليلة الماضية، فقدت الحكومة العراقية جزءا كبيرا من شرعيتها، وذلك بعد أن خسرت مصداقيتها في التحدث نيابة عن ناخبيها وقدرتها على توزيع المكاسب الاقتصادية على غرار الوظائف العامة، ولجأت بدلا من ذلك إلى العنف لقمع المظاهرات.

وأشار الكاتب إلى أن إستراتيجية الكاظمي الأولى تعتمد على إقناع المتظاهرين بأنه يسمع مطالبهم ويمثل أصواتهم، حتى لا يقع في فخ فقدان الثقة بالحكومة العراقية والتي أفقدتها الشرعية خلال السنوات الماضية، وكانت مبادرته الرمزية بإعادة الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي الذي أقيل من دائرة مكافحة الإرهاب أواخر سبتمبر/أيلول الماضي إلى منصبه وترقيته على رأس هذا الجهاز، إحدى أبرز هذه الخطوات التي اتخذها بعد تسلمه منصبه.

وعندما قتلت الجماعات المسلحة متظاهرا في البصرة خلال الأسبوع الأول من توليه المنصب، أصدر الكاظمي بيانا يطالب فيه بالتحقيق في جميع حالات القتل والسجن في حق المتظاهرين، وقال إنه سيشكل لجنة للتحقيق في الغرض.

تغيير جذري

لكن، هل يستطيع الكاظمي تحويل هذه المبادرات الرمزية إلى تغيير جذري؟ يأتي الدليل الأول من خلال محاولته لتشكيل حكومته. وأوضح الكاتب أنه بدلا من الانتظار حتى تُعلن الأحزاب عن مرشحيها المفضلين لترؤس الوزارات، أرسل الكاظمي قائمة بأسماء المرشحين إلى الأحزاب التي يمكنها بعد ذلك الموافقة أو الاعتراض عليها. وقد وافق رؤساء الأحزاب فقط على المرشحين الذين وعدوهم بترتيبات وظيفية مماثلة في الوزارة المخصصة لهم وعقود مواتية في المستقبل. في الواقع، أراد الكاظمي تبييض صورته من الفساد دون أن يزيل الفساد من النظام.

علاوة على ذلك، لم يضمن الكاظمي في البداية سوى 15 من أصل 22  في تشكيلته الحكومية، كما خسر العديد من الحلفاء المقربين الذين أرادهم أن ينضموا إلى حكومته.

وعلى الرغم من ذلك، حرص الكاظمي بشدة على أن يترأس وزارتي الدفاع والداخلية جنرالات أكفاء يُعرفون بانضباطهم ولم يشاركوا في الصراع السياسي. كما لم يترأس وزارة الداخلية وزير من منظمة "بدر" بزعامة هادي العامري. وبدلا من ذلك، مُنحت هذه الحقيبة الوزراية إلى الجنرال العسكري المحنّك عثمان الغانمي الذي كان ولا يزال يتعين عليه منح بعض الضمانات لمنظمة "بدر" مقابل توليه هذا المنصب. وسيُكلَّف الغانمي بالإشراف على التحقيق في ملف المسؤولين الذين هاجموا المتظاهرين، كخطوة لاختبار مدى التزامه بمبدأ العدالة الشاملة. لا يوجد للكاظمي ولاءات في حكومته ولا أحزاب داعمة له، لذلك سيحاول تكوين حلفاء أثناء محاولته إحداث تغيير تدريجي.

في السنوات القليلة الماضية، أُديرت الحكومات العراقية من قبل أعضاء تكنوقراط مستقلين، لكن في عهدهم أصبحت الطبقة الثانية من المسؤولين في الوزارات -أي المديرين العامين ونواب الوزراء- أقوى من الطبقة العليا، مما أجبر الوزراء في كثير من الأحيان على اتخاذ قرارات سياسية.

ويرى الكاتب أن حكومة الكاظمي تستند إلى معايير مختلفة، من التكنوقراط المستقلين الذين لديهم "اتفاقات" ضمنية واسعة مع الأحزاب، إلى موظفي الخدمة المدنية السابقين. وبدرجات متفاوتة، توصل الوزراء بالفعل إلى اتفاقات مع الأطراف التي يمثلونها لضمان الحفاظ على أنماط المحسوبية والفساد. كما يندد الكاظمي بالفساد المرتبط بهذا النظام السياسي، ويسعى لكي يصبح رئيس وزراء نزيها ويطبق إستراتيجيته الإصلاحية.

وأوضح الكاتب أن هذه الإستراتيجية ستكون الوسيلة لاستعادة ثقة الشعب. ولتحقيق ذلك، تستعد حكومة الكاظمي للتركيز على الإصلاح الانتخابي وإصلاح قانون الأحزاب السياسية والانتخابات السابقة لأوانها. لكن القانون الانتخابي قضية برلمانية بالأساس.

وأشار إلى أن الإطار الزمني للإصلاح التدريجي يستنفد صبر المتظاهرين، فهم يريدون تطبيق الوعود على أرض الواقع والعمل عليها في الحال، ويطلبون انتخابات سابقة لأوانها وتحديد موعد معين للانتخابات. كما ينتظر أن يعقد الكاظمي حوارا إستراتيجيا مع الولايات المتحدة، يتعلق بالقضايا الأمنية على وجه الخصوص، لاستعادة الثقة بين الجانبين بعد التوتر الذي ساد علاقاتهما في عهد حكومة عبد المهدي.

كما أشار الكاتب إلى أنه عندما أجرى مقابلة مع الكاظمي في بغداد خلال فبراير/شباط الماضي، تطرق إلى العديد من المسائل المتعلقة بالأزمات التي تواجه العراق، ولا سيما التحديات التي يواجهها المتظاهرون، فعبّر الكاظمي عن إعجابه بهم وشجاعتهم والمخاطرة بحياتهم من أجل إصلاح النظام السياسي. لكن، بوصفه رئيسا للمخابرات العراقية، كان يتعيّن على الكاظمي أن يضع آراءه الشخصية جانبا، كما يظل جزءا من النظام السياسي.

وعلى امتداد السنوات التي قضاها رئيسا للمخابرات، عمل داخل النظام، وأفسح المجال لنشاط المجتمع المدني والصحافة المستقلة، لكنه كان أيضًا في منصبه أثناء قتل المتظاهرين في البصرة عام 2018 وبغداد وفي جنوبي العراق عام 2019.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي