أن تولد فلسطينيًا

2025-10-15 | منذ 2 ساعة

اللوحة اللوحة للفنان التشكيلي السوري يوسف عبدلكيأنمار العبد الله*

(1)
أن تولد فلسطينيًا
هو أن يُسلّمك والدك مفتاحًا بدل لعبة،
وأن تكتشف أن أمك لا تروي لك حكايات قبل النوم،
بل خرائط بيوتٍ محروقة.
أن تكبر وأنت تحصي الجثث
كما يحصي الأطفال العصافير.
أما أن تولد كلاجئٍ فلسطينيٍ
فحكايةٌ أدهى…
يعني أن تكون مولودًا في الفراغ،
أن تُسجَّل في سجلات الأمم المتحدة
قبل أن تُسجَّل في قلب وطنك.
أن يكبر جسدك
لكن تبقى روحك عالقة على حدودٍ من شوك وأسلاك.
أن تولد لاجئًا
هو أن تحمل جنسية الغياب،
أن تكبر وفي داخلك وطن لم تلمسه،
فتصير أسير صورةٍ بالأبيض والأسود
يُقسم الجميع أنها "بلادك".
أن تولد لاجئًا
هو أن يكون اسمك نشيدًا ممنوعًا،
ووجهك بوابة مغلقة،
وطفولتك معسكرًا يدرّبك على الصبر.
لكن…
رغم كل ذلك،
أن تولد فلسطينيًا أو لاجئًا فلسطينيًا،
هو أن تكون المعجزة المستحيلة:
طفلًا يولد من المقبرة،
ويظلّ حيًا بما يكفي
ليحلم بالعودة.

 

(2)


كانت… /
حين يتكدّس الليل
كأحجارٍ فوق صدرها،
تُغمضُ عينيها
وتحلم
بمن:
يضع وسادةً من نورٍ تحت رأسها،
يشعلُ قنديلًا في حلقها
فلا يبتلعها صدى الخوف.
حلمتْ أنّه يمسك بيدها بحزم،
وما خافت،
وقَبِلت—
ولو انهار الجسر تحتهما.
استيقظت،
فانكسرَ الحلمُ
ككأسٍ على بلاط الواقع،
وتناثر الزجاجُ في صدرها،
فعرفت…
لم يكن سوى حلمٍ يتيمٍ
هربَ مع أوّل شمس.
وأنّ اليدَ
التي انتشلتها
من السقوط…
كانت يدَها هي،
وحدها.

(3)


صدري …
شارعٌ مزدحمٌ،
سيارات متصادمة
تتكدّسُ
بأضوائها الحمراء،
زماميرُها
صرخاتُ قلبي،
والدخانُ
المتصاعد من أعصابي
يسعلُ وجوه مارة بافكاري.
سأرتّب داخلي:
سأزيحُ شاحناتِ الهمّ
المتوقفة منذ سنين،
أكنسُ الزجاجَ المهشَّمَ
من أحلامٍ دهسها الزمن،
أضعُ إشاراتِ مرورٍ في شراييني
كي لا تتصادم الرغبات عند كل مفترق،
وأفتحُ نافذةً صغيرةً في جدار رأسي
كي ينساب الهواءُ بلا صخب.

(4)

لا قلق …
لديّ قدرةٌ رهيبة
على أن أعيدَ اختراعَ رحمٍ لي
في قلب رمادٍ مُحترِق.
تخيّلْ
كم مرّةٍ تشظّى وجهي كقمرٍ
ضُرِبَ بمطرقة الظلّ،
كم مرّةٍ اغتسلتُ بدمي
كما يغتسلُ حجرٌ في مجرى الطوفان.
قد قَتلتُني آلافَ المرات،
بكامل الطقوس:
دفنتُ أسمائي في فمِ التراب،
نزعتُ أصواتي من عُروقِها،
ثم وقفتُ عاريةً
كشجرةٍ ترفضُ أن تُشبهَ الغابة.
ومع ذلك…
أخرجُ دائمًا
كزهرةٍ نابتةٍ من صدعٍ أسود،
أحملُ بين يديّ برقًا
وأُسميه: أنا


* شاعرة فلسطينية مقيمة في ألمانيا.










شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي