
تجنب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أي تفاصيل في حديثه عن “الشرق الأوسط الجديد” الذي بشّر به، ففي الوقت الذي قدم فيه لهجة متفائلة عن السلام الذي سيعم المنطقة كلها، إلا أنه تجاهل الكثير من المعوقات القائمة.
وفي تقرير أعدّته كارين دي يونغ لصحيفة “واشنطن بوست”، قالت إن وقف إطلاق النار في غزة، التي عانت من حرب استمرت عامين، والإفراج عن الأسرى المتبقين هناك، وتدفق المساعدات الإنسانية، خطوات أولى مرحّب بها لمعالجة الصراع الطويل في الشرق الأوسط. أما إذا كانت هذه الخطوات ستمثل ما وصفه الرئيس دونالد ترامب، يوم الإثنين، بـ”الفجر التاريخي لشرق أوسط جديد”، فهذه مسألة أخرى تمامًا.
وخلال جولة نصر عاصفة استمرت 11 ساعة في إسرائيل ومصر، تم الثناء على ترامب لدفعه نحو الاتفاق الذي أجبر كلاً من “حماس” ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. إلا أن الرئيس تجنّب في خطاباته أي ذكر للهوة الزلزالية التي لا تزال قائمة في المنطقة، بما فيها الضفة الغربية، حيث يعيش حوالي ثلاثة ملايين فلسطيني في مساحة تتقلص باستمرار تحت احتلال إسرائيلي مدجّج بالسلاح وخطر الضم.
وأشارت الصحيفة إلى أن الرئيس الأمريكي تنبأ بالتوسع السريع لاتفاقيات أبراهام، وهو إنجازه الأول في فترة ولايته، المتمثل في التطبيع بين إسرائيل وعدد قليل من الدول العربية، لكنه تجاهل إصرار معظم بقية العالم العربي على أهمية أن تكون هناك أولًا دولة فلسطينية ذات سيادة قابلة للحياة تجمع الضفة الغربية وغزة تحت السلطة الفلسطينية.
وقالت دي يونغ إن ترامب، بدلًا من التعهد بتجديد الدعم الأمريكي التاريخي من الحزبين لإسرائيل، والذي تهشّم بسبب سياسة الأرض المحروقة التي شنّها نتنياهو في غزة، استرسل في إهاناته المعتادة لأسلافه الديمقراطيين، قائلًا إنهم “يكرهون” إسرائيل ولم يكونوا قادرين على عمل ما فعله.
ففي جو من الارتياح الحماسي أو المنهك، لم يرغب سوى القليل في إفساد حفلة ترامب علنًا. وقد استُقبل بالهتافات في الكنيست الإسرائيلي، وكان هناك تصفيق، وإن بحماس أقل، في تجمع “سلام” لقادة العالم في شرم الشيخ بمصر، والتقط صورًا مع معظمهم، حاثًا بعض الذين تأخروا على مجاراة لفتة إبهامه.
ولكن، وراء الفرحة الفورية لعائلات الأسرى والمساعدة المرحب بها لسكان غزة، لا يزال التوتر قائمًا.
ونقلت الصحيفة عن مروان المعشر، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأردني الأسبق، قوله: “أي نهاية للحرب في غزة أمر جيد، ولا أريد التقليل من شأنها”، مضيفًا: “لكنه فجر شرق أوسط جديد إذا انتهى الاحتلال”. وأضاف أن ترامب “لم يذكر الفلسطينيين على الإطلاق”.
وأضاف المعشر: “كل رئيس سبقه، رغم محاولاته للاستجابة لاحتياجات إسرائيل بشكل رئيسي، إلا أنه وجد مجالًا للحديث عن التطلعات الفلسطينية. لا شيء في هذه الحالة، لا شيء”.
وأعرب خبراء آخرون عن مخاوف أكثر إلحاحًا بشأن الأجزاء الأخرى الباقية من خطة ترامب المكونة من عشرين نقطة، بعد إسكات المدافع، وإعادة الأسرى، وتوفير المساعدات لسكان غزة.
وتتعلق معظمها بأوصاف غامضة لنزع سلاح “حماس”، وإنشاء مؤسسات أمنية وحكومية جديدة، وإعادة إعمار القطاع المدمر. وسحبت إسرائيل قواتها إلى خط متفق عليه خارج معظم المناطق المأهولة بالسكان، وخرج مقاتلو “حماس” بالفعل إلى العلن. وبينما تدعو خطة ترامب إلى نزع سلاحهم ومنع أي مشاركة لهم في حكم غزة مستقبلًا، إلا أنه من غير الواضح كيف سيتم ذلك، ومن سيفعله.
ومن المقرر أن توفر قوة دولية لحفظ الاستقرار الأمني في غزة إلى أن يتم تسليمها تدريجيًا إلى قوة فلسطينية مدرّبة ومعتمدة.
وفي حين أعلنت الولايات المتحدة عن قوة عسكرية قوامها 200 جندي للإشراف على وقف إطلاق النار من قاعدة في إسرائيل، لم تُعلن أي دولة علنًا عن مشاركتها في قوة الاستقرار، ولا يوجد دليل على تشكيلها بعد.
ولا يرغب المسؤولون من الدول التي ذكرها ترامب- قطر ومصر والإمارات العربية المتحدة وتركيا- أن يقف جنودهم بين الجيش الإسرائيلي ومسلحي “حماس”، حتى ينسحب الأول ويتم نزع سلاح الثانية.
وقالوا إنهم يريدون تفويضًا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للمشاركة. ولم يتم الإعلان عن جدول زمني متوقع للانسحاب الإسرائيلي الكامل، ولا يوجد إجراء وشيك ملحوظ في الأمم المتحدة.
وقد نصّت وثيقة المؤتمر الدولي لحل الدولتين، الذي عُقد الشهر الماضي في نيويورك برعاية السعودية وفرنسا، على ضرورة الحصول على تفويض من الأمم المتحدة.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الإثنين، في مؤتمر شرم الشيخ: “سنعمل دبلوماسيًا في نيويورك لبناء الإطار الدولي لهذه القوة”.
كما أكّد مسؤولو الإدارة الذين رافقوا ترامب اقتناعه بأن اليوم الجديد قد حلّ. وقال وزير الخارجية ماركو روبيو عن الاتفاق، الذي وصفه ترامب بأنه حلّ “3000 عام” من الصراع: “لا يقتصر الأمر على إعادة إعمار غزة فحسب، بل يتعلق بتحويل المنطقة. ربما يكون هذا أحد أهم الأيام للسلام العالمي منذ 50 عامًا”.
وقال ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص لترامب إلى مفاوضات السلام، والذي أبرم الاتفاق، الأسبوع الماضي، مع صهر ترامب جاريد كوشنر: “منذ اللحظة التي وقعنا فيها الاتفاق، كنا أنا وجاريد نعمل بالفعل على الجانب التنفيذي. نحن متمسكون بموقفنا، وسنكون هنا لفترة طويلة، هذا بتوجيه من الرئيس، ومن المرجح أن تكون هذه إحدى أهم المراحل هنا”.
ونقلت الصحيفة عن آرون ديفيد ميلر، المفاوض السابق في الشرق الأوسط الذي عمل مع إدارات جمهورية وديمقراطية، قوله: “لو كنت أدير هذه المنطقة، لما غادرتها حتى يحصل الرئيس على ضمانات بوجود أربع مجموعات عمل على الأقل يرأسها مسؤول أمريكي رفيع المستوى”.
وأضاف ميلر: “ستكون هذه المجموعات مسؤولة عن نزع سلاح حماس، وإنشاء القوة الدولية، وإقامة جهاز حكم، وعملية كأس القصدير لجمع المليارات اللازمة لإعادة إعمار غزة”.
وتابع: “إذا لم يتبعوا هذه الطريقة، فلا أرى كيف ستسير الأمور، ولا أستطيع أن أخبركم كم عدد مؤتمرات السلام والتجمعات الكبيرة التي حضرتها خلال 25 عامًا، على الرغم من فشل جهودنا في الغالب”. و”إنه اليوم التالي لمؤتمر السلام حيث يستيقظ الناس الجادون ويقولون: ماذا نفعل الآن؟”.
ولا يزال مقاول العقارات السابق، ترامب، مهتمًا بالتطوير، حيث قال يوم الإثنين: “نستطيع البناء أفضل من أي أحد”. وأخبر في طريق عودته على الطائرة الرئاسية إلى واشنطن الصحافيين: “نحن نتحدث عن إعادة إعمار غزة. أنا لا أتحدث عن دولة واحدة أو دولتين، في مرحلة ما، سأقرر ما أعتقد أنه صحيح”، مع أن الخطة تحدثت وبشكل غامض عن سعي موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة.
ومن الواضح أن ترامب، الذي شجّعه الثناء، لم ينتهز الفرصة، ولا رأس المال الدبلوماسي الذي اكتسبه للضغط خلال رحلة يوم الإثنين من أجل الحصول على أنواع التنازلات الإسرائيلية التي قد تضمن سلامًا طويل الأمد.
وقالت باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط في إدارة بايدن، في مقابلة مع شبكة “سي إن إن”: “كان وقف الحرب أسهل خطوة”، و”لقد بالغوا، ربما عن عمد، في الترويج للتطبيع بين إسرائيل والعرب، وقللوا من شأن مسار الدولة الفلسطينية”.
وعبّر ميلر وآخرون عن أن أحد أكبر المخاوف هو أنه مع تلاشي ضغوط الحرب الدائرة والكارثة الإنسانية اللتين أذهلتا العالم لمدة عامين، سيتلاشى الزخم نحو الأمام.
والمشكلة أن فريق ترامب لديه الكثير من المهام الأخرى غير غزة والشرق الأوسط، حيث إن ويتكوف، الذي يعمل بطاقم محدود، يتفاوض على مجموعة من النزاعات، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا، فيما قال كوشنر إنه يخطط للعودة إلى شركته للاستثمار الخاص في ميامي. وأوكلت إلى روبيو مهمتان في الرئاسة، وبعدد أقل بكثير من موظفي مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض.