فورين بوليسي: لا يمكننا هزيمة فيروس كورونا ما لم نوقف الفساد

2020-05-14

يُنفق العالم مليارات الدولارات على لقاحات فيروس كورونا وجهود التحفيز الاقتصادي، ولكن في غياب التدابير الصارمة للحد من الفساد فإن تلك الأموال قد لا تصل إلى وجهتها المطلوبة.

في تقريرها الذي نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، قالت الكاتبة ألكساندرا رايدج إنه في الوقت الذي تتدفق فيه الأموال على الحكومات، ينبغي على السلطات مضاعفة الرهانات على الشفافية والرقابة، أو المخاطرة بخسارة الأموال، فقد شهد العالم أمثلة عديدة على الكسب غير المشروع واختلاس الأموال بدءا بالأحداث الرياضية الدولية ووصولا إلى كوارث تسونامي المدمرة، ولن تكون أزمات الصحة العامة استثناء.

وأشارت رايدج إلى أن استعادة نمط الحياة السابق قبل وباء كورونا يعتمد على تطوير وتصنيع وتوزيع علاجات ولقاحات فعالة ضد الوباء، وقد أعرب العديد من قادة العالم عن استعدادهم لتمويل مثل هذه العلاجات. ففي وقت سابق من هذا الشهر، واستجابة لدعوة منظمة الصحة العالمية إلى التعجيل بإيجاد الأدوية والتكنولوجيا التي من شأنها علاج فيروس كورونا، جمع مؤتمر إعلان التبرعات الذي شاركت في قيادته المفوضية الأوروبية ثمانية مليارات دولار.

وأوضحت أنه رغم كون هذا المبلغ يعتبر استثنائيا، فإنه لا يُقارن بالأموال في صناديق التحفيز العالمية الموزعة منذ بداية الأزمة والتي تقدّر قيمتها بأكثر من ثمانية مليارات دولار.

وفي غياب التدابير الصارمة لمكافحة الفساد، فإن الأموال العامة سوف تهدر بسهولة فضلا عن إضعاف المؤسسات الحكومية، الذي من شأنه أن يؤثر بشكل مدمر على المجتمعات والأفراد، ولكن من خلال ضبط المخالفات وردعها بشكل استباقي، يمكن للعالم الاستفادة إلى أقصى حد من التدفق غير المسبوق لأموال المساعدات العالمية.

كيف نمنع الفساد؟

واقترحت رايدج ستة إجراءات كفيلة بمحاربة الفساد، أولها الحرص على الشفافية، وقالت إن أزمة الصحة العامة المتمثلة في تفشي وباء كورونا قد تمهد الطريق أمام الحكومات لتحديد أسعار المنتجات الطبية بشكل مباشر، وهي عملية من شأنها أن تخلق فرصا لا حصر لها من تفشي الفساد عبر سلاسل توريد الأدوية والمعدات الطبية.

ومن أجل منع حدوث ذلك، يتعيّن على الحكومات والمنظمات متعددة الأطراف أن تعمل أولا على إنشاء بنية شفافة للعوائد يمكن التحقق منها للموازنة بين الحوافز لأبحاث القطاع الخاص والحاجة إلى الأدوية والمعدات الطبية واللقاحات بتكلفة معقولة وبشكل عادل، وتطبيق هذه القواعد على صعيد عالمي.

وبناء عليه، سوف تكافح شركات الأدوية للموازنة بين ضغط المستثمرين والطلب العالمي على المنتجات بأسعار معقولة والمواعيد الزمنية للبحث والتطوير. وفي الوقت نفسه، تدعو المنظمات غير الحكومية والمسؤولون الحكوميون إلى تشارك الملكية الفكرية، بما في ذلك التراخيص الإلزامية التي تمنح الإذن بإنتاج منتجات براءة اختراع من قبل طرف ثالث دون إذن من صاحب البراءة في مقابل عوائد تحددها الحكومة.

أوردت الكاتبة أنه يمكن معالجة الحاجة إلى الحوافز التسويقية بشكل جزئي من خلال تحديد العائدات للتراخيص الإلزامية التي تعكس ما تقرر الشركات الاستثمارية الاستثنائية والمضاربة القيام به. ولكن في غياب تدابير التسعير والترخيص الشفافة العادلة والشاملة، قد تضطر الحكومات والمنظمات غير الحكومية للتفاوض مع شركات الأدوية بشكل فردي.

كما تعد المعاملات التي تتمتع فيها الحكومات بسلطة تقديرية كبيرة الأكثر عرضة للفساد والرشوة، ومن شأن الشفافية الحد من هذه المخاطر.

تشديد الرقابة

أما الإجراء الثاني فهو تشديد الرقابة، حيث أشارت الكاتبة إلى أن على الحكومات مضاعفة الرقابة داخل الأسواق، والتعاون عبر الحدود، وتطبيق القانون لردع المخالفين. كما يمكن الحد من توزيع المنتجات الصيدلانية المقلدة من خلال تكثيف جهود التنسيق الاستخباراتي بين الوكالات العالمية، ومحاربة شبكات التجارة غير المشروعة، وعمليات فحص البضائع.

كما أن تطبيق القوانين خارج الحدود الإقليمية لمقاضاة مرتكبي هذه الجرائم العابرة للحدود، إلى جانب برامج التعاون وزيادة الضغط من قبل المنظمات متعددة الأطراف على غرار الأمم المتحدة، من شأنه أن يشجع الحكومات على إعطاء الأولوية لهذه الإجراءات.

وقالت الكاتبة إنه في ظل الظروف الحالية، ينبغي أن نتوقع أيضا أن يعمد الموزعون الذين يتحكمون في بيع وتسليم الموارد المحدودة الى التلاعب بشكل غير مشروع بالأسعار، وغيرهم من المرتشين الذين يجنون ثروة على حساب المحتاجين.

كما يمكن للحكومات من خلال تطبيق القانون معالجة هذا النوع من التجاوزات المالية، ولكن تطبيقه يجب أن يصبح أولوية عامة مطلقة، كما ينبغي سن عقوبات جسيمة لردع المخالفين.

وفي الوقت الذي أظهرت فيه الدول مستويات متفاوتة من الالتزام بمقاضاة المرتشين بشكل عام، تقول ريدج، فإن إعطاء الأولوية لمحاسبة مرتكبي التجاوزات في خضم أزمة صحية دولية يجب أن يكون مستساغا سياسيا حتى في ظل إحجام الأنظمة عن ذلك.

شبكات الإمداد

والإجراء الثالث وفقا لرايدج هو أن على الحكومات إنشاء شبكات إمداد دولية للمعدات الأساسية والاختبارات والعلاجات واللقاحات، من أجل تجنب المنافسة بين الدول الشقيقة، وضمان إدارة هذه الأنظمة من قبل بيروقراطيين محايدين سياسيا بدلا من السياسيين المتحزبين.

وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية في أواخر أبريل/نيسان الماضي التعاون بين مختلف الأطراف من أجل ضمان توزيع عادل ومتكافئ للقاحات فيروس كورونا ولأدوات الاختبار والعلاج.

لكن إنجاح هذه الخطوة يقتضي التزام جميع قادة الدول، ويمكن اعتماد اتفاقية متعددة الأطراف مثل التحالف العالمي للقاحات والتحصين الذي اعتمد لتنظيم إمدادات لقاح الإيبولا في عام 2019، لضمان الشفافية وإجراءات التسعير العادل.

وقالت رايدج إنه يمكن الاستعانة بفريق من الخبراء الاستشاريين الاستراتيجيين لمنظمة الصحة العالمية للتأكد من حسن سير هذه المهمة ويتم الإشراف عليه من قبل اليونيسف، فالاعتماد على فريق من الخبراء من شأنه تحقيق الشفافية وضمان اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن توزيع الأدوية واللقاحات، كما من شأنه أن يحد من الصفقات الثنائية المشبوهة ويضعف تجاذبات القوى السياسية التي يصعب تجنبها.

حماية المبلغين

والإجراء الرابع للحد من الفساد يتمثل في حماية المُبلغين عن المخالفات، وهي مهمة يتعين على القطاعين العام والخاص الاضطلاع بها.

وأشارت رايدج إلى أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حذرت من أن الفساد يمكن أن يحد من الاستجابة لأزمة كورونا، وحثت على دعم الأشخاص الذين يبلّغون عن الكسب غير المشروع. ولتعزيز الجهود المبذولة للكشف عن الفساد، يجب على الشركات والحكومات أن تتبنى علنا تدابير لحماية المبلغين عن المخالفات وتسهيل الكشف والإبلاغ سواء بشكل مجهول أو سري.

الصحافة الاستقصائية

أما الخامس فيتعلق بتعزيز دور الإعلام، حيث قالت رايدج إنه يتعين على الدول تمويل الصحافة الاستقصائية والدفاع عنها، خاصة أنها تتعرض لتهديد غير مسبوق.

وأشارت إلى أن التقارير الاستقصائية المهنية التي تتخذ جانبا موضوعيا تعتبر سلاحا لمكافحة الجرائم المالية، خاصة عندما يكون المبلغون مترددين بشأن الكشف عن هويتهم، كما يعزز وجودهم في الساحة بالإضافة إلى وسائل الإعلام الأخرى ردع الفساد.

وقالت رايدج إن الصحافة المستقلة باتت عرضة للخطر بسبب تمكين القادة السياسيين من إسكات الصحفيين الذين يتهمونهم بنشر معلومات مضللة، وقدمت أمثلة على ذلك، موضحة أن السبيل لتجنب هذا النوع من سوء استخدام السلطة هو التزام الحكومات التي تدعم الديمقراطية والصحافة الحرة المستقلة بتمويل المنظمات والبعثات الدبلوماسية وغيرها من المؤسسات التي تقدم الدعم الميداني لحقوق الإنسان والديمقراطية وجهود مكافحة الفساد.

وأكدت الكاتبة أن إعداد التقارير والمساءلة المالية أمر بالغ الأهمية لتحديد وجهة التبرعات، حيث يجب على الوكالات الحكومية الأجنبية والمحلية وهيئات المراقبة المستقلة متابعة كيفية تطور حالات سوء استخدام السلطة. وبينما يتعافى العالم من الأزمة، يتعين على بنوك التنمية الدولية أن تقدم القروض والمساعدات بشرط التوقف عن قمع المجتمع المدني والصحافة الموضوعية.

ترسيخ محاربة الفساد

وأوضحت الكاتبة أن الإجراء السادس هو ترسيخ ممارسات مكافحة الفساد الذي يتعين على المنظمات العمل على تحقيقه. وقد شدد البنك الدولي والمنظمات الدولية الأخرى على ضرورة الحفاظ على تدابير المساءلة، مثل حفظ السجلات بدقة وتتبع حركة الإمدادات حتى بعد انتهاء الأزمة. ويجب على العالم ألا يفوت فرصة تثبيت ضوابط قابلة للمراجعة للمساعدة في ردع المخالفين ومحاسبتهم في المستقبل.

وختمت رايدج بأن الأرقام تشير إلى خسائر تقدر بنحو 500 مليار دولار سنويا في القطاع الصحي بسبب الاحتيال وسوء استخدام السلطة، إلى جانب تفاقم الخروقات المالية بسبب الاختلال المفاجئ بين العرض والطلب.

وقالت إن تغيير سلاسل التوريد قد يؤدي إلى تسهيل عمليات الفساد في مرحلة التسليم، كما تساهم أساليب غسل الأموال المختلفة في تحويل الأموال من صناديق الطوارئ إلى شركات وهمية وحسابات خارجية. وشددت على أن منع الآثار المدمرة للفساد سيتطلب يقظة متزايدة من قبل قادة الحكومات والشركات والمنظمات ومؤسسات المجتمع المدني.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي